پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

النزاع حول مسألة الانجاب

النزاع حول مسألة الانجاب

 

من المسائل التی قد تثیر النزاع فی الحیاة الزوجیة هی مسألة الانجاب، ولهذه المسألة أوجه عدیدة، منها الاختلاف فی أصل المسألة، وهی فقدان أحدهما القدرة على الانجاب؛ وهناک أیضاً قضیة أن المرأة ترید الانجاب ولکن الرجل لا یوافق، أو العکس، وأخیراً الاختلاف الذی ینشأ حول جنسیة الطفل المطلوب ویعنی بصراحة عندما تلد المرأة بنتاً!

ونحن اذا تأملنا فی ملفات وقضایا الحیاة العائلیة سنجد نماذج کثیرة من مشکلات تؤدی الى الطلاق کل ذلک بسبب مسألة الانجاب!

تقول السیدة «س» أمام قاضی محکمة حمایة الأسرة، تزوجت فی سن السابعة والعشرین من رجل احبّبته وکان قد تخرج من الجامعة وعیّن فیها معیداً.. لقد رأیته سعیداً بکل وجوده ولکن ما أجننی الآن هو معارضته الانجاب!! أنا لا أدرک سرّ ذلک.. کلانا فی سلامة من العاهات.. هذا وهو یحب الأطفال ویعاملهم برّقة.. بل أن من یراه وهو یقبل أولاد أخته ویلاعبهم یظن وجود فراغ فی حیاته لطفل یملأ علیه دنیاه!.. لقد مضت ثلاثة أعوام.. ونداء الأمومة یضج فی أعماقی.. أرید أن أصبح أمّاً.. أرید طفلاً أهدهده وأناغیه..».           

وهنا تختنق السیدة فی عبرتها وتبذل جهداً جبّاراً فی ضبط نفسها.. ان نداء الامومة یدفعها الآن لأن تدوس على حبها وقلبها وتطلب الطلاق.. فقد یأتی ابن الحلال الذی یحقق لها امنیتها.. ویسارع الزوج الى الموافقة لأنه لا یرید وهو الغارق فی تحقیقاته العلمیة أن یزاحمه أحد!![286]

الانجاب أمنیة طبیعیة لکل انسان بل وحتى الحیوان، الطفل ثمرة الحیاة الزوجیة وأجمل ذکرى للأنسان.. الابن امتداد للأب والبنت امتداد للأم.. ومن کان له ولد فان حیاته لا تنتهی بالموت لأن ظله ما یزال ممتداً فوق الأرض لکأنه یولد من جدید.

ومن حرم الأولاد یشعر بأنه غریب ووحید، ولا ملاذ له.. وکلما تقدم فی العمر تنامت هذه المشاعر.

ان وجود طفل فی الأسرة یشدّ من أواصر العلاقات بین الزوجین.. وبیت بلا أطفال خربة خاویة على عروشها..

وأسرة بلا أطفال تعیش حیاة قلقة مضطربة معرضة للتفکک والانهیار.

یقول الامام الصادق علیه‌‏السلام: «من سعادة الرّجل الولد الصّالح»[287].

ویقول سیدنا محمد صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: تزوجوا فانی مکاثر بکم الامم غدا فی القیامة» «أکثروا الولد أکاثر بکم الامم غداً»[288]

أجل ان حب الذرّیة میل غریزی.. ولکن یوجد بعض من الناس یخرجون على هذا المیل.. وبسبب مخاوف الفقر، هذه المخاوف التی تغلب ایمانهم بان اللّه‏ هو الخالق الرزاق.

یقول بکر بن صالح کتبت إلى أبی الحسن علیه‌‏السلام إنی اجتنبت طلب الولد منذ خمس سنین، وذلک أنَّ أهلی کرهت ذلک، وقالت: انّه یشتدُّ علیَّ تربیتهم لقلّة
الشی، فماترى؟ فکتب إلیّ: اطلب الولد فانَّ اللّه‏ یرزقُهُم»[289].

بل ان اللّه‏ سبحانه یبارک الاسرة التی یعیش فی کنفها اطفال ویرزق أبویهم.

وکم من الأُسر التی کانت تعیش فی ضنک من العیش، حتى إذا رزقوا اطفالاً انفتحت علیهم برکات السماء والأرض.

وکم من الناس من عاشوا فقراً مدقعاً ثم نراهم بعد الزواج وقد انفتح علیهم الرزق، هناک من ینظر الى الاطفال من زاویة أخرى.. ینظر الیهم کمزاحمین فی حین أن الطفل أفضل سلوى للأبوین.

صحیح ان تربیة الاطفال مسؤولیة کبیرة، ولکن لیس للحدّ الذی یدفع بالمرء الى مواجهة الناموس الطبیعی للحیاة الانسانیة.

ومن غیر المنطقی أن یقدم المرء على تقویض حیاته الزوجیة، ویحرم شریکه من هذه النعمة لاسباب وذرائع واهیة!

ربما النجد اختلافاً بین الزوج والزوجة حول اصل مسألة الانجاب، ولکن نجدهما یختلفان حول الزمان المناسب للانجاب.

ربما یقول الرجل أو تقول المرأة ان السنوات الأولى للحیاة المشترکة هی أجمل سنوات الحیاة.. انها فترة الشباب.. فترة النزهات والرحلات الترفیهیة والسفرات، ولکن أحد الزوجین لا یقتنع بمبررات شریکه فیبدأ النزاع.

وهنا نذکّر الأزواج بأن الانجاب المبکر أفضل فترة فی ولادة أطفال أصحاء، وان الانجاب بعد تقدم السن قد یؤثر على صحة الاطفال، فیولدون ضعفاء.. هذا على صعید السلامة البدنیة أما من ناحیة تربویة فان الانجاب المبکر یعنی قضاء الطفل أطول فترة ممکنة مع أبویه، فیعیش مرحلة تربویة أطول، ولا ننسى ان ازدیاد الفاصلة بین سن الآباء والبنین قد یضعف من امکانات التفاهم بینهم.

ومن جهة ثالثة إنّ ابناء الفترة المبکرة فی الانجاب سوف یکبرون.. وقد یوفّقون فی حیاتهم مما یجعلهم فی موقع افضل فی تقدیم خدمة لآبائهم الذین بلغوا مرحلة الشیخوخة.. هذا بشکل عام ولکن هذا لا یرقى لأن یکون مبرراً للنزاع العائلی وتعریض کیان الاسرة لخطر التفکک.

وقد تصادف حالة أخرى من النزاع حول عدد الابناء.. أو جنسهم کهذه الحالة التی ترویها السیدة «س» وهی تحتضن بنتیها بحزن وتقول: تزوجت قبل أربعة أعوام وانجبت هاتین البنتین.. ولکن زوجی کان یرید ولداً ولهذا حملت للمرة الثالثة، وعلى خلاف ما یشتهی زوجی انجبت طفلة ثالثة، ولأن زوجی موظف فأنا اعتقد ان دخل الاسرة لن یکفی لأکثر من ثلاثة أطفال ولکن زوجی یصرّ على الحمل باستمرار الى أن ألد ولداً.. ولکن ما هو الفرق بین البنت والولد؟! اننی أخشى أن انجب بنتاً للمرّة الرابعة والخامسة فمن أین لنا أن نربّی هذا العدد من الأطفال.. لقد تشاجرنا بسبب ذلک[290].

ربّما یود الرجل أن تنجب زوجته ولداً، ولکن من غیر الصحیح أن ینتقد زوجته إذا ولدت بنتاً، بل ان ذلک لا ینسجم مع أخلاق الانسان المسلم، الذی ینبغی أن یعی ان اللّه‏ هو الرزّاق، وانه لا فرق بین الذکر والانثى، وقد انتقد القرآن الکریم المشرکین فی الجاهلیة على وأد البنات وهذه النظرة الجاهلیة الى البنات.

یجب أن یتفهم الرجل إنّ تحدید جنسیة الطفل أمر لا یخضع لإرادة المرأة ولا لرغبة الرجل.. اللّه‏ وحده الذی یعلم ما فی الارحام، فما هو ذنب المرأة اذا انجبت بنتاً؟!

دعونا نستمع الى مرافعة هذه المرأة التی تقول:

«تزوجت قبل خمسة عشرة شهراً وشعرت بالحمل بعد ستة أشهر من الزواج.. ومنذ ذلک الوقت وزوجی یردد باستمرار یجب أن یکون الطفل ولداً.. أرید ولداً هل تفهمین؟!

فی المستشفى اخبرونی باننی انجبت توأماً.. بنتین.. لقد فرحت جداً.. أما زوجی فقد دخل علی عابساً وغادرنی عابساً.. بل انه طلب منی أن أترک هاتین البنتین فی المستشفى.. لهذا لجأت الى أهلی وها أنا أطلب الطلاق[291].

وتقول سیدة أخرى لمراسل جریدة اطلاعات: بعد 21 سنة من الحیاة الزوجیة، وبعد أن اصبح عندنا خمسة أطفال.. علیَّ أن اقدم کل هذه السعادة الى امرأة أخرى لا لشیء إلاّ انی لا أنجب إلاّ بنات.. انه یرید منی ولداً.. إن بناتی جمیعاً جمیلات وذکیّات ولم یزعجن یوماً أباهن..

ما هو ذنبی اذا لم یهبنی اللّه‏ ولداً ولم یجعلنی أنجب أولاداً؟[292]

ان هذه الروح هی بقایا من روح الجاهلیة التی حاربه االاسلام..

فی الجاهلیة کانوا یشککون فی انسانیة المرأة، وکانوا یعتبرون البنت عاراً یقول القرآن الکریم: « وإذا بُشِّرَ أحدُهم بالانْثَى ظلَّ وجْهُهُ مسودّاً وهو کظیم * یتوارى من القومِ مِن سوءِ ما بشّرَ به أیُمسِکُهُ على هونٍ أم یدسُّه فی الترابِ ألا ساء ما یحکمونَ »[293].

هذا هو الموقف الجاهلی من المرأة.. فی حین ان الاسلام وعلى لسان النبی
یقول: «نعم الولد البنات ملطفات مجهّزات مؤنسات مبارکات»[294].

ویقول أیضاً: «من یمن المرأة أن یکون بکرها جاریة»[295].

ویقول صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم فی مناسبة أخرى: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنّة»[296].

ولو کانت المرأة عاراً ما جعل اللّه‏ سبحانه نسل رسول اللّه‏ فی فاطمة!

سیدی!

یا من تدعی الحضارة والثقافة والتمدّن.. انبذ هذه الافکار الخاطئة بعیداً ترى ما هو الفرق بین البنت والولد.. ان ابنتک اذا ماربیتها تربیة صحیحة فستکون لک فخراً ومجداً..

ثم هل تعلم ان البنت اکثر حبّاً لوالدیها من الصبی؟! وهل تعلم ان الولد اذا کبر واشتد ساعده واستقلّ فی حیاته قلّما یفکر فی والدیه؟! بینما البنت تحمل هموم أبویها الى آخر العمر!

وهل تعلم یا سیدی ان البنت أقل مصروفاً من الولد؟! لأنها أقلّ مکثاً فی البیت من الولد..

البنت تمکث الى أن یأتی ابن الحلال ویخطبها، فتذهب الى بیت آخر وتخفف من أعباء والدیها.. أما الولد فقد یبقى الى أمد غیر معلوم الى أن یکمل دراسته وربّما دراسته العالیة ویحصل على عمل مناسب!

ثم هل هی جریمة أن تنجب امرأتک بنتاً.. الوالدان شریکان فی تحدید جنس الولید..

ویقول العلماء فی هذا الخصوص ان نوع الغذاء یؤثر فی تحدید جنسیة
الطفل، ولذا من الأفضل مراجعة طبیب مختص بهذا الشأن.

وأخیراً یقول بعض العلماء أیضاً.. أن الرجل هو الذی یحدد جنس الطفل ولا دور للمرأة فی ذلک!

فلماذا اذن نؤذی أزواجنا ونطلب منهن ما لا علاقة بهن فیه.. وبدل أن ننظر الى المسألة نظرة منطقیة نصبّ العذاب على أزواجنا دون مبرّر! ان هذه الافکار والتصوّرات هی بقایا الفکر الجاهلی، الذی یجب ان نتخلص منه ونعتنق بدله الثقافة الاسلامیة الصافیة.

ولنتأمل فی هذه الحکایة: «أتی رجل وهو عند النبی صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم فأخبر بمولود أصابه فتغیَّر وجه الرجل، فقال النبیُّ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: مالک؟ فقال: خیر، فقال: قل، قال: خرجت والمرأة تمخض فاخبرت أنّها ولدت جاریة، فقال النبیُّ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: الأرض تقلّها والسماء تظلّها، واللّه‏ یرزقها، وهی ریحانة تشمّها».

 

[286] جریدة اطلاعات 28 بهمن 1350.
[287] وسائل الشیعة: 15/97.
[288] المصدر السابق: ص96.
[289] المصدر نفسه.
[290] جریردة اطلاعات 2 مرداد 1351.
[291] المصدر السابق 14 تیر 1349.
[292] المصدر نفسه 16 اسفند 1350.
[293] النحل: الآیة 58.
[294] وسائل الشیعة: 15/100.
[295] المصدر السابق: 15/111.
[296] وسائل الشیعة: 15/100.