پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدَرسُُ الواحدُُ و السبعُُون الإسلام و تعدّدُُُ الزَوَجات

 الدَرسُُ الواحدُُ و السبعُُون
الإسلام و تعدّدُُُ الزَوَجات

لقد أباح الإسلام تعدّدَ الزوجات و رخَّصَ للرجل فی أن یزوّج بالعقد الدائم و فی ظروفٍ خاصّة و شروطٍ معیّنةٍ بأکثر من إمرأة علی أن لا یتجاوزن الأربع.

و لقد تعرّض هذا الحکم الإسلامی للنقد اللاذع من قبل المغرضین، و حملوا علیه بشدة، زاعمین بأن المرأة تعرّضت للظلم و الحیف بسبب هذا الحکم. و لهذا تحتاج هذه المسألة إلی التقییم و الدراسة من جدیدٍ.

ولا بدّ أن نذّکر ـ قبل هذا ـ بأنّ الإسلام لم ینشیء مسألة تجویز تعدّد الزوجات، ولم یبتدعه ابتداعاً بل کانت عادة تعدّد الزوجات موجودة فی الشرق قبل هذا ..

نعم الإسلام لم ینسخ هذه العادة، إنّما أصلحها و حدّدها بأربع نسوة .. و لهذا لم تبطل مسألة تجویز تعدّد الزوجات، فقد اعتبرها الإسلام فی بعض الظروف ضرورة من الضرورات الإجتماعیة و أحد الحقوق الطبیعیة للمرأة، و فی مصلحة المجتمع النسویّ ـ الحقیقیة.

إن الإسلام لم یقصد مناصرة الرجال و تلبیة رغباتهم بتشریعه، (و بالاحری)

ترخیصه لتعدّد الزوجات، و لا تشجیعهم علی تکوین الحریم، و الإفراط فی الإستجابة للشهوات .. بل إن أهم أهداف الإسلام هو الدفاع عن حق طبیعیٍّ من حقوق المرأة، یعنی حقّ الزواج و تشکیل الاسرة، و إنجاب الأولاد، و تربیتهم.

و لا ثبات هذا الموضوع و توضیحه لا بدّ من الإشارة إلی مقدّمتین:

المقدّمة الاولی: إن الموالید من الإناث من حیث المجموع لیس أکثر من الموالید من الذکور، ولکن الإحصائیات تفید بأنّ عدد النساء الصالحات للزواج أکثر ـ فی الأغلب ـ من الرجال الصالحین للزواج.

و یمکن الإشارة إلی علّتین من علل هذه الظاهرة:

العلة الاولی: أن الخسائر فی الأرواح من الذکور ـ علی أثر الحوادث، و بصورةٍ خاصّةٍ الشباب أکثر من النساء و الفتیات.

ولو أننا لا حظنا الإحصائیات المرتبطة بحالات الوفاة الناشئة من الحوادث کالحرب، و السقوط، و الهدم، و الغرق، و خسائر العمال فی الأرواح فی المعادن و المعامل، و حوادث السیر لوجدنا أنّ أکثر هذه الخسائر و الحالات ترتبط بالرجال.

و علی أثر هذه الحوادث یختلّ التوازن و یضطرب التعادل بین عدد الرجال و عدد النساء، فیغلب عدد النساء عدد الرجال.

ولکی نصدّق بهذا الموضوع یکفی أن نلقی نظرهً فاحصةً إلی إحصائیات الخسائر فی الأرواح البشریة فی الحرب العراقیة الإیرانیة، و حرب الخلیج الفارسی و حرب أفغانستان، و غیر ذلک من الحروب التی تقع باستمرار فی مختلف نقاط العالم.

إنّ خسائر هذه الحروب کثیرة، و رهیبة جداً و الأغلبیّة الساحقة من صرعی هذه الحروب هی من بین الرجال، و فی الغالب من الشباب، أو الحدیثی العهد بالزّواج، او غیر المتزوجین، و هو ینتج اضطراب و اختلال التوازن بین عدد الرجال و عدد النساء .. و أن یفوق عدد النساء الصالحات بل و المحتاجات إلی الزواج عدد الرجال.

 

العلّة الثانیة: إنّ الوفیات من الأطفال، و الصبیان و الشباب ـ حسب شهادة بعض العلماء و الختصین، و نتائج الإحصائیات و التقصّیات هی أکثر من الإناث.

إنّ مقاومة الجنس الانثویّ تجاه الأوبئة و الأمراض هی ـ فی الغالب ـ أکثر من مقاومه الذکور، و إنّ متوسّط العمر لدی النساء ـ هو بصورة عامّة ـ أعلی من متوسّط العمر لدی الرجال، و انّ عدد النساء الأرامل هو أکثر من عدد الرجال الذی فقدوا زوجاتهن.

إنّ مسألة تفوّق عدد النساء المهیّئات و المحتاجات إلی الزواج علی عدد الرجال الصالحین المحتاجین إلی الزواج مسألة واضحة، و أمر ملموس و مشهود للجمیع .. و نحن کثیراً ما نواجه و نشاهد النساء الأرامل المحتاجات إلی الزواج، ولکنّهن لا یجدن الرجل العازب المناسب للتزوج به، بینما هناک رجال عزّاب یرغبون فی الزواج لکن قلّما لا یجدون المرأة التی یناسب التزوج بها.

المقدمة الثانیة: إنّ من الحقوق الطبیعیّة و القطعیة لکلّ انسان هو حقّ الزواج و الإنسان و تکوین الاسرة.

فکما أنّ لکل إنسانٍ الحق فی العمل، و اختیار المسکن و الخدمات الصحّیة، و الملبس، و الحرّیة کذلک له الحق فی الزواج و تکوین اسرة.

فإنّ کل إنسان رجلاً کان أو إمرأة له الحق فی أن یتزوج، و یحصل علی السکینة العائلیة و الطمأنینة فی ظلال الاسرة، و أن یکون له أولاد شرعیّون، قانونیون.

إنّ المرأة هی الاخری إنسانة لها مثل هذا الحق علی المجتمع .. ولا بدّ أن تنظّم القوانین الإجتماعیة بنحوٍ یتمکن کل شخصٍ فی ظلها من التمتع بحقوقه الطبیعیة.

بعد ملاحظة هاتین المقدمتین یمکن أن نستنتج أن قانون إباحة تعدّد الزوجات قد شرّع فی الحقیقة لمصلحة جمیع أفراد المجتمع، و بالأخص المجتمع النسویّ، و النساء اللائی لاأزواج لهنّ، و اللائی یفوق عددهن عدد الرجال العازبین، و لو کان الأمر غیر هذا لحرمت مثل هذه النسوة من حقوقهن الطبیعیة و ظلمن.

إذا لم یعترف المجتمع بحقّ الزواج للنساء الأرامل ولم یسمح للرجال المؤهّلین بتکرار الزواج، و اتخاذ زوجة اخری إزداد الفحشاء و ازدادت المفاسد الإجتماعیّة، و راجت عادة اتخاذ و العشیقات کما هو الحال فی الغرب الآن، لأنّه عندما تحرم النساء الأرامل من حقوقهنّ الطبیعیّة، ولم یجدن طریقاً إلی تکوین اسرة شرعیة، یمکن أن یتعقّدن من مثل هذا المجتمع، و یعمدن إلی الإنتقام منه، و إغواء الرجال الضعاف فی الأغلب أمام قوّة الغریزة الجنسیّة، بالحیل النسائیة، و یعزمن عی زعزعة بناء العوائل و هدمها، لأنّ النساء المتزوجات إذا شعرن بخیانة أزواجهنّ یمکن أن یفکّرن فی الإنتقام، و المقابلة بالمثل، فیفقدن بذلک عفّتهنّ و یسقطن فی الخطیئة، و الرّذیلة.

و لا یخفی أنّه مع الإلتفات إلی فلسفة الزواج و الهدف الواقعی منه، وهو توفیر السکینة و الأنس و المودة و الإنشداد العائلی، یترجّح الاکتفاء بزوجةٍ واحدةٍ علی التعدّد، و الإسلام ایضا لا یشجع الرجال علی التزوّج من زوجة اخری اذا لم یکن لضرورة بل کان لمجرد الاستمتاع و الاستلذاذ و قضاء الشهوة، و بذلک یضحّی بالصفاء و الانسجام العائلیین فی سبیل لحظات معدودة من اللذة الجنسیة العابرة.

ولو أنّ الإسلام أباح تعدّد الزوجات فإنما هو یفعل ذلک رعایةً لضرورةٍ اجتماعیة ملحةٍّ، و ضماناً لحقوق النساء الأرامل، و المحتاجة إلی الزوج.

وقد تکون الضرورة إلی اتخاذ الزوجة الثانیة من جانب الرجل، و لمصلحته، و ذلک مثلما إذا کانت زوجته عاقراً نهائیاً، أو أنها علی أثر المرض کان الإنجاب ثانیة او أصلا مضراً بها، و أحسّ الرجل بالحاجة إلی الولد، و إلی إنجاب أولاد آخرین، فإن العقل و الوجدان یسمحان للرجل بأن یتزوج باخری.

و هکذا إذا کانت الزوجة الاولی مریضة بحیث لا یمکنها تلبیة الإحتیاجات الجنسیة للرجل و بذلک یمکن أن یفقد الزوج عفّته، و یقع فی الإثم و المعصیة، فان هذه الحالة هی الاخری تعتبر امراً مبرراً وجیهاً للتزوج باخری اتقاء الطلاق، و اتقاء الوقوع فی المعصیة، و التلوث بأدران السفاح و الزنا.

و عندما تقتضی الضرورة الإجتماعیة تعدّد الزوجات یجب علی الرجال ـ بغیة ضمان حقوق النساء الأرامل و المحتاجات إلی الزوج ـ أن یتحمّلوا مشاکل التعدّد و متطّلباته .. فعلیه أن یقوم بالتزوج باخری بعقل و تدبیر، فیتفاهم مع زوجته الاولی أولا، و یجلب رضاها و ثقتها بکل طریقٍ ممکن، و یطمئنها إلی أنه سیراعی جانب العدل و الأنصاف.

و یجب علی زوجات مثل هؤلاء الرجال أیضاً ـ و بغیة ضمان حقّ نظرائهنّ ـ الطبیعیّ من النساء الأرامل المحتاجات إلی الزواج، أن یغضین عن فوائد الإستفراد بالزوج، و یقبلن باقتراح أزواجهن.

و إذا ما تحقّق التفاهم بین الزوجین فی هذه المسألة لم تبق هناک مشکلة.

و فی الخاتمة یجب أن نذکّر بهذه النقطة وهی أنّ الإسلام و إن کان یرخّص فی تعدّد الزوجات ولکنّه یقیده بشروط یکون التقیّد بها عملاً صعباً جداً.

و یمکن أن نعتبر الأمرین التالیین من أهم شروط التعدّد:

الأوّل: القدرة المالیة علی توفیر و ضمان جمیع نفقات الزوجات، و القدرة الجسمیّة علی تلبیة إحتیاجاتهن الجنسیة علی النحو المتعارف.

الثانی: رعایة العدل و الأنصاف و المساواة بین الزوجات و أولادهنّ، و من جمیع الجهات رعایةً کاملةً، و بالتالی تجنّب ایّ نوع من أنواع التمییز.

یقول فی القرآن الکریم: (فَانْکِحُواْ مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُبَاعَ فََإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ ذلِکَ أَدْنَى‏ أَلاّ تَعُولُواْ ).(1)
 

إن الرجل إنما یسمح له بأن یتزوّج باکثر من واحدة إذا کان واثقاً من نفسه بأنه سیعاملهنّ علی أساس العدل و الإنصاف و المساواة، فالرجل الذی له زوجات متعددة یجب علیه أن یعامل زوجاته فی مجال الانفاق، و المضاجعة، و المبیت و الإستمتاعات الجنسیة، بل و التعامل الأخلاقی علی أساس العدل و الإنصاف و المساواة.

علی أنه قد یکون العمل بالواجب و الوظیفة یعنی رعایة العدل و المساواة، نظراً لوجود بعض الفوارق الجسمیّة أو الأخلاقیة، أو التفاوت فی العمر، بین الزوجات المتعددة، عملاً صعباً للغایة، فتکون النتیجة أن لا یکون إتخاذ أکثر من زوجةٍ أمراً سهلاً أیضاً.

و الملفت للنظر أن القرآن الکریم صرّح بأنه لو کنتم تشکّون فی مقدرتکم علی رعایة العدل، فاکتفوا بواحدة.

ولقد اهتمّ رسول الإسلام الذی جاء تشریع هذا القانون علی یدیه، و اختار زوجات متعدّدة، هو أیضاً برعایة العدل و المساواة بینهن بصورةٍ کاملةٍ، ولم یمیّز بینهن باقلّ تمییز، بل لم یفرّق حتی بین زوجته الشابة عائشة، و زوجاته العجائز .. فکان ینفق علیهن بالتساوی، و یقسّم لیالیه بینهنّ، فیبیت فی کلّ لیلة فی حجرة إحداهنّ، و یراعی هذه التسویة حتی فی اصطحابهن فی المعارک و الحروب.

ولو أنّ الرجال التزموا بهذه الوظیفة الإسلامیة و طمأنوا النساء بعملهم إلی أنهم یراعون العدل و المساواة لاختفی الشیء الکثیر من مشاکل تعدّد الزوجات و الانزعاجات و الإختلافات و المشاجرات الناشئة منها، و بشکل محسوس.


فکّروا و أجیبوا:

1ـ ما هی فلسفة الترخیص فی تعدد الزوجات؟

2ـ ماذا کان یحدث؟ إذا لم یشرّع حق التزوج للنساء الأرامل؟

3ـ هل ظلمت المرأة بتشریع قانون تعدّد الزوجات؟

4ـ ماهی وظیفة الرجال الأخلاقیّة إذا فاق عدد النساء الصالحات للزواج علی عدد الرجال.

5ـ فی أیّة حالة یحق للرجل أن یتّخذ اکثر من زوجة.

6ـ کیف کان یتعامل رسول الإسلام مع زوجاته؟

 

1 ـ النساء ـ 3.