پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرسُ الأربعون الإِنسانُ و قبولُ المسؤوليّة

 الدرسُ الأربعون
الإِنسانُ و قبولُ المسؤولیّة

انّ الجمادات و النباتات حیث أنّها لا تمتلک العلم و الشعورَ، و الإِرادة و الاختیار لذلک لیست صالحةً للتکلیف ..

و أمّا الحیوانات فهی و إن کانت تتمتَّع بشیء من الشعور و الاحساس و الأرادة، إلّا أنها لا تصلح مع ذلک للتکلیف، ولا تتحمل مسؤولیّة، و ذلک لأنها تفتقر إلی العَقل و التفکر، و لهذا لا تستطیع بواسطة التعقل و التفکر، و تقییم المصلحة، أن تقاوم میولها النفسیة، و تسیطر علیها.

إن الحیوانات مقهورة لغرائزها، ولیس لدیها القدرة علی کبح جماح میولها و رغباتها، و إخضاعها للضوابط و القوانین و المقرّرات و لهذا فهی لیست مکلّفة.

إن الملائکة هی الاُخری لیست بحاجة إلی التشریع و التکلیف بالأحکام لأنّها موجودات أعلی و أسمی من المادة و المادیّات، ولانها لا تنطوی علی قوی الشهوة و الغضب حتی تحتاج إلی السیطرة علیها و التحکم فیها .. لیس لدیها حرکة ولا تکامل ولا تنزّل ولا تسافل .. بل وظیفة کل واحد منها واضحة، وهو یؤدّی الوظیفة المرسومة له، دون تخلف أو عصیان. بل لا یتصور التخلّف فیها قط، و لهذا فهی لا تحتاج إلی التشریع و التکلیف.

یقول القرآن الکریم حول الملائکة: ( لَا یَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ یَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ).(1)

و یقول: (وَ مَا مِنَّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصّافّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ).(2)

أما الإنسان فهو بحکم خلقته الخاصة قابل لتحمّل المسؤولیّة، و هو بحاجة الی التکلیف، لأنه کائن ذو بعدین، فهو من جانبٍ جسم نامٍ و یحظی و یتصف بخصائص التغذیة و النموّ، و التولید للمثل، و من جانب آخر هو حیوان یتصف بالخصائص الحیوانیة مثل الإِحساس و الشعور و الارادة و الحرکة و الشهوة و الغضب، و ما شاکل ذلک من الخصائص المودوعة فی کیانه، و من جانب آخر هو روحٌ مجردةٌ ملکوتیةٌ وهو بالتالی انسان یمتلک العقل و التفکیر و یمکنه أن یفکّرَ فی عواقب الاُمور، و یقیّم المصالح و المفاسد فیها، و بهذه الطریقة یسیطر علی رغباته و میوله النفسیة و یلجمها، هذا مضافاً إلی أنه یتمتع بالحریة و الإِختیار الکامل فی إتیان أفعاله أو ترکها، و یمکنه أن یختار طریقه بنفسه، و یواصل السیر فیها بمحض إرادته.

ولقد أشیر إلی هذا الموضوع فی الأحادیث.

عن عبدالله بن سنان قال: سألتُ أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام فقلت: الملائکة أفضل أم بنو آدم؟

فقال: قال: أمیرُالمؤمنین علیُ بن أبی طالب علیه السلام: إن اللهَ عزّوجلّ رَکّبَ فی الملائکة عقلاً بلا شهوة و رکبّ فی البهائم شهوة بلا عَقْلٍ، و رکَّبَ فی بنی آدم کِلتَیْهما، فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهَ شهوَتَه فهوَ خیرٌ مِنَ الملائکة، و مَنْ غَلَبَتْ شهوتُه عَقْلَه فَهُوَ شرٌّ مِنَ البَهائِمِ.(3)

إنّ الإنسان علی أثر هذه الخلقة و بحکم هذه الترکیبة قابل لتحمّل المسؤولیة، و یمکنه أن یکون مکلَّفاً.

یقول فی القرآن الکریم: (إِنَّا عَرَضْنَا اْلأَمَانَةَ عَلَى السَّماواَتِ وَ اْلأَرْضِ وَ الْجِبَالِِِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْها ، وَ حَمَلَهَا اْلإِنْسَانُ إِنّهُ کَانَ ظَلُوماً جَهُولاً).(4)

ولقد فَسَّر بعضُ المفسرین الأمانة فی الآیة المذکورة بالتکلیف، و قال: إنّ الله تعالی عَرَض التکلیف علی السماوات و الأرض ولکن حیث أن السماوات و الأرض لم تکن صالحة ولا مؤهَّلة لقبول الأمانة، امتنعت عن تحمّل المسؤولیة الصعبة.

إنّ وجودَها لم یکن بحیث تستطیع أن تقیّد نفسَها فی إطار القوانین و حدود التشریعات.

ولکن الإِنسان حیث انه یمتلک العقلَ و الفکرَ و الإِرادة و الإِختیار یمکنه أن یقیّد حیاته فی إطار القوانین و المقررات.

و حیث أنه ظلوم جهول أی یمکن ان یَظلم أو یکون جاهلاً، یمکنه أن یحمل أمانة التکالیف الإِلهیة الثقیلة، وقد حملها فعلاً.

ان الله الحکیم إذ کان عارفاً بخلقة الإِنسان الخاصّة، و ترکیبه الخاص و کان یعلم أنه یحتاج لضمان سعادته الدنیویة و الاُخرویة إلی برامج و قوانین، و مقررات و تشریعات، و کان یعلم أنّ تنظیم مثل هذه البرامج الکاملة الشاملة لا یهتدی إلیها الإنسان بذاته، لذلک اختار الانبیاء من بین الناس، و زوّدهم بالقوانین و التعالیم الدینیة لإِبلاغها إلی الناس.

إن الإِنسان و إن خُلِقَ حرَّ الإِرادة مخیّراً ولکنه لا یمکن أن یعیش متحرراً بصورةٍ مطلقةٍ بل لیس من مصلحته الواقعیة أن یعش کذلک أیضاً.

حیث أنه یعیش فی المجتمع، لا بد و له أن یتّبع المقررات الإِجتماعیة، و یقیّد حیاته بحدودها و حیث أنه عبدالله تعالی، و یحتاج‌ ـ لضمان سعادته الدنیویة و الاُخرویة ـ إلی أحکام الدین و قوانین الشریعة، ولا مناص له من إتباعها، لهذا یجب أن یجعل جمیع أعماله و حرکاته فی إطار القوانین و الضوابط الشرعیة.

بناء علی هذا فانُ الإِنسان و إنْ کان کائناً مخیرّاً حرّ الإِرادة لکنّه یجب أن یعتبر نفسَه مسؤولاً تجاه الله، و النبی، و أن یلتزم بالضوابِطِ و المقرَّرات الدینیة و مسؤولاً عنها.

اُنظروا إلی الحدیث الآتی و إلی الآیة التالیة:

جعفرُ بن محمّد بن عمارة عن أبیه قال سالتُ الصادقَ جعفرَ بن محمّد علیه السلام فقلت له: لِمَ خَلَقَ اللهُ الخلقَ؟

فقال: إنّ الله تبارَکَ و تَعالی لم یَخْلُق خَلْقَهُ عَبَثاً وَلم یترکُه سُدیً، بل خَلَقَهُمْ لإِظْهارِ قُدرِته، وِلیُکَلّفِهم طاعتَه فَیَسْتوجِبوا بذلک رضوانه، و ما خَلَقَهُمْ لیجلب مِنْهم مَنفعةً، ولا لیدفَعَ بهم مَضَرَّةً بَلْ خَلَقَهُمْ لِیَنفعَهُمْ، و یُوصِلَهُمْ إلی نَعیمِ الأبَدِ.(5)

یقول فی القرآن: (کَانَ النّاسُ أُمََّةً ً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِیِّینَ مُبَشِّریِنَ وَ مُنْذِرینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتابَ بِالْحَقّ‏ِ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِ فِیمَا اخْتَلَفُواْ فیهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِیهِ إِلاّ الّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاتتْهُمُ الْبَیِّناتُ بَغْ?اً بَیْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الّذِیْنَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقّ‏ِِ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إِلى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ).(6)

لقد جاءَ الأنبیاء لیُثبتوا للإِنسان مسؤولیّته و یوضّحوا له تکالیفه، و واجباتِه، و مسؤولیاته.

 

فکّروا و أجیبوا

1ـ لماذا الحیوانات غیر مسؤولةٍ؟

2ـ لماذا الملائکة لا تحتاج إلی النبی؟

3ـ لماذا یمکن للإِنسان أن یتحمل مسؤولیة؟

4ـ لماذا یحتاج الإنسان إلی النبی؟

5ـ احفظوا الآیات.

 

1 ـ التحریم ـ 6.
2 ـ الصافات ـ 164/ 166.
3 ـ بحار الأنوار ج 60 ص 299.
4 ـ الاحزاب ـ 72.
5 ـ بحار الأنوار ج 5 ص 313.
6 ـ البقرة ـ 213.