پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الرابع و الستون الحجاب و المرأة

 الدرس الرابع و الستون
الحجاب و المرأة

الحجاب فی اللغة یعنی الستر .. جاء فی المنجد: الحجاب: الستر و کل ما احتجب به.

و المراد من الحجاب هنا هو اللباس الذی یستر جسد المرأة.

الأدلّة علی وجوب الحجاب:

استدلّ لإثبات وجوب الحجاب علی المرأة بعدة آیات من القرآن الکریم؛ و بطائفةٍ من الأحادیث الشریفة؛ منها قوله تعالی:

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِیْنَ یَغُضُُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَ یَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکَى‏ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِیْرٌ بِمَا یَصْنَعُونَ . وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِیْنَ زینَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُیُوْبِهِنَّ وَ لا یُبْدِیْنَ زینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنی أَخَواتِهِنّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِیْنَ غَیْرِ أُولِی اْلإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الّذینَ لَمْ یَظْهَرُواْ عَلى‏ عَوْراتِ النِّسَاءِ وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِیْنَ مِنْ زینَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللّهِ جَمیعاً أَیّهَا الْمُؤْمِنُوْنَ لَعَلّکُمْ تُفْلِحُوْنَ).(1)

لقد تضمنت هذه الآیة التی نزلت حول حجاب المرأة الإشارة إلی مسائل عدیدة یجب بیانها و تفسیرها:

فی البدایة طلب من الرجال المؤمنین و النساء المؤمنات أن یغضّوا من أبصارهم فلا یحدّق الرجال فی النساء ولا النساء فی الرجال، ولا یواصلوا النظر.

إنّ الغضّ فی اللغة یعنی الخفض و النقصان من الطرف، و غضّ البصر یعنی عدم التحدیق و الإمعان فی الشیء.

قد ینظر الإنسان إلی أحد وهو لا یهدف من نظره هذا النظر و الالتذاذ، بل یهدف أمراً آخر.

وقد یکون هدفه هو النظر و الإلتذاذ و فی هذه الحالة یلتذّ من النظر، و یشبع به شهوة فی نفسه.

إن مثل هذه النظرات المسمومة یمکن أن تجرّ الإنسان إلی الفساد و الإنحراف وقد نهی الإسلام عن مثل هذه النظرات.

أما النظرات التی لا تکون مهدوفةً بذاتها، ولا تکون بقصد الریبة و الإلتذاذ فلیست محرّمة، لأنّها من لوازم الحیاة و المعاشرة الإجتماعیة بین الرجال و النساء .. وهی أمر لا مناص منه ولا مفرّ.

ثم انه یوصی ـ فی الآیة ـ الرجال و النساء بان یحفظوا فروجهم .. و الفروج جمع فرج، و یعنی: عورة الرجل و المرأة.

و المراد من حفظ الفروج سترها، أو الاجتهاد فی حفظ العفاف، و الطهر، بالغضّ من الطرف، و رعایة الحجاب و الستر.
 

ثم یقول بعد ذلک للنساء: (وَ لا یُبْدِیْنَ زینَتَهُنّ إِلاّ ما ظَهَرَ) و الزینة یعنی الشیء الذی یزین الإنسان به نفسه و یجمّلها.

و الزینة علی نوعین: ما ینفصل عن البدن کالحلیّ، نظیر: القرط، و القلادة، و الخاتم، و السوار و الخلخال‌ (الحجل)، و المعصم، و ما یوضع علی الرأس و الشعر من أکالیل و الالبسة الجمیلة و الثیاب الانیقة.

و النوع الثانی: ما یکون من الزینة ملتصقا للبدن: کالکحل، و الحنّاء الذی یوضع علی الید و الرجل، و أصباغ الشعور و الأظافر. و الزینة المذکورة فی الآیة تشمل کلا النوعین.

لقد اوصیت النساء بأن لا یبدین زینتهنّ للرجال الأجانب حتی لا یجلبن بذلک نظرهم و یثرن شهواتهم، و غرائزهم الجنسیة.

ثم یقول عقب ذلک: (إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) و هذا یعنی أن نوعاً من الزینة یجوز إظهاره، وهو عبارة عن الزینة الظاهرة.

فالزینة علی نوعین: الزینة الخفیّة (المستورة) و الزینة الظاهرة.

و الاولی: هی التی تکون فی الأغلب مختفیة تحت الثیاب، مستورة عن نظر الناظرین، مثل القلادة و المعصم، و الإکلیل و لون الشعر، و القرط، و الخلخال، و الألبسة الداخلیّة المستخدمة للتزّین.

و الزینة الظاهرة هی الامور و الأشیاء التی تکون ظاهرة بادیة بحکم الطبع و الضرورة و تفرضها المعاشرة الإجتماعیة مثل الکحل فی العین، و صبغ الحواجب، و خضاب الیدین و الخاتم، فان المرأة تعیش فی المجتمع وهی مضطرة ـ للوصول إلی حوائجها ـ إلی التردّد علی الرجال الأجانب، و التنقل بین الناس، و من الطبیعیّ ـ فی هذه الحالة ـ أن یظهر وجهها و کفّاها للآخرین .. ولا شک أن إخفاءها أمر حرجیّ یحدّ من حرکة المرأة و یعسّر حیاتها.

 

و لهذا استثنی هذا النوع من الزینة فی الآیة وقد عبر عنها بـ «إلّا ما ظهر منها».

وقد اشیر إلی هذه الزینة الظاهرة فی بعض الأحادیث أیضاً:

عن زرارة عن أبی عبدالله علیه السلام فی قول الله عزّوجلّ: (إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) قال: الزینة الظاهرة الکحل و الخاتم.(2)

و عن أبی بصیر عن أبی عبدالله علیه السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ (وَ لا یُبْدِیْنَ زینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) قال: الخاتم و المسکة و هی القلب.(3)

و یستلزم هذا الاستثناء للزینة الظاهرة أن لا یکون ستر الوجه و الکفین واجباً لأنه لا یمکن التفکیک بین الزینة الظاهره و الوجه و الکفین.

ثم بعد ذلک و تعقیباً علی بیان الحجاب یقول: (وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُیُوبِهِنَّ ) .. و الخمر جمع خمار، و هو ثوب تغطی به المرأة رأسها و رقبتها .. أو بعبارة اخری هی المقنعة الکبیرة؛ و الجیوب جمع جیب، وهو من القمیص موضع الشقّ الذی ینفتح علی المنحر و الصدر.

و یقال: إن النساء فی عصر النبی کن یلبسن ثیاباً مفتوحة الجیوب (ای ثیاب ذات صدور مفتوحة) و بذلک کان یظهر شیء من صدورهنّ للناظرین.

کما کنّ یلقین علی رؤوسهن خمراً کان من عادتهن أن یضعنها علی أذنهن و یسدلنها خلف رؤوسهن، و بذلک تظهر اذنهن و أقراطهن و رقابهن و شیء من نحورهن للناظرین.

و لهذا امرن بأن یضربن بخمرهن علی جیوبهن أی یلقین بما زاد من غطاء الرأس علی صدورهن حتی یسترن بذلک اذنهن و اقراطهن و صدورهن.

قال الشیخ الطبرسی: الخمر، المقانع، جمع خمار، و هو غطاء رأس المرأة المنسدل علی جیبها امرن بإلقاء المقانع علی صدورهن تغطیة لنحورهن، فقد قیل: إنهن یلقین مقانعهن عن ظهورهن فتبدو صدورهن.(4)

و فی ذیل هذه الآیة یقول: (وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِیْنَ مِنْ زینَتِهِنَّ) ای بهدف التأکید علی رعایة العفاف و الحیلولة دون المفاسد الإجتماعیة یوصی النساء بأن لا یضربن الأرض بأرجلهن حین المشی حتی لا تثیر هذه الضربة صوت الزینة (الخلاخل) فیسمعه الرجال الأجانب، فیوجب ذلک إثارة شهواتهم و غرائزهم الجنسیّة، فتنشأ علی أثر ذلک مشاکل لیست فی صالح المجتع أبداً.

فاستفید من الآیة المذکورة عدة امور هامّة:

1ـ ان علی الرجال و النساء الأجانب أن یجتنبوا النظرات المسمومة .. أی النظر بدافع الشهوة و الالتذاذ.

2ـ ان علی النساء أن لا یبدین زینتهنّ الباطنة الخفیّة للرجال الأجانب.

3ـ انه یجب علی النساء أن یسترن اذنهن و أقراطهن و رقابهن و صدورهن سترا کاملاً بالخمار و المقانع.

4ـ إن علی المرأة زیادة فی الحفاظ علی الحجاب و العفاف أن تتجنب حتی من ضرب الأرض برجلها.

5ـ ستر الوجه و الکفّین و ما علیها من الزینة الظاهرة لیس واجباً علی المرأة.

الآیة الاخری فی الحجاب:

(یا أَیّهَا النّبِیُُّ قُلْ ِلأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنینَ یُدْنینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنى‏ أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوْراً رَحیْماً ).(5)

 

هنا یجب أن نبحث فی عدة مواضیع: 1ـ ما هو الجلباب؟ 2ـ ما معنی یدنین علیهن؟ 3ـ ما فائدة هذا العمل؟

جاء فی القاموس فی معنی الجلباب: الجلباب: القمیص وثوب واسع للمرأة، دون الملحفة، أو ما تغطی به ثیابها من فوق کالملحفة، أو هو الخمار.

و قال الراغب: و الجلابیب: القمص و الخمر، الواحد جلباب.

و جاء فی المنجد: الجلباب: القمیص او الثوب الواسع.

إذن یستفاد من کتب اللغة أن الجلباب کما یستعمل فی القمیص یستعمل فی الخمار أیضاً، ولکن الظاهر أنه قد استعمل فی الخمار فی هذه الآیة.

و أما یدنین فقد جاء فی المنجد: أدنی الستر: أرخاه.

و قال العلامة الطباطبائی: «یُدنینَ عَلَیهنَّ من جَلابِیبهنّ» أی یتسترن بها فلا تظهر جیوبهن و صدورهن للناظرین.(6)

و فی هذه الآیة اوصیت النساء أیضاً بأن لا یترکن جلبابهن، بل یسترن بها رقابهن و صدورهن، و غیر ذلک من أنحاء البدن.

ثم قال تعالی فی فائدة هذا العمل «ذلک أدنی أن یُعَرفنَ فلا یُؤذَینَ».

قال العلامة الطباطبائی فی تفسیر ذلک: أی ستر جمیع البدن أقرب إلی أن یعرفن أنهن أهل الستر الصلاح فلا یؤذین، أی لا یوذیهن أهل الفسق بالتعرّض لهنّ.(7)

فیستفاد من الآیة أن علی المرأة المسلمة أن تکون من حیث المتانة و الستر عندما تخرج من المنزل بحیث تکون ظاهرة العفاف و الوقار، حتی لا یجرؤ أحد علی مزاحمتها، و التعرض لها بسوء.

 


الآیة الاخری:

(یا نِسَاءَ النّبِیّ‏ِ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الّذی فی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً . وَ قَرْنَ فی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُُّجَ الْجاهِلِیَّةِ اْلأُولى‏).(8)

إن الخطاب فی هذه الآیة و إن کان موجّها إلی نساء النبی، ولکن الوصایا المذکورة فیها تشمل النساء الاخریات أیضاً.

هنا اوصیت النسوة بثلاث توصیات:

التوصیة الاولی: أن لا یخضعن بالقول، أی لا یرقّقن أصواتهنّ عند التحدّث، لأن هذا النوع من التکلّم یثیر الرجال من ذوی القلوب المریضة، فیطمعون فیهن. بل علیهنّ أن یتکلّمن بصورةٍ عادیةٍ و علی النحو المتعارف.

التوصیة الثانیة: أن یُقرن فی بُیُوتِهِنَّ، أی یکنَّ إمرأة بیَت.

التوصیة الثالثة: أن لا یخرجن من البیت متبرّجات غیر محتجبات کما کانت النساء یفعلن فی الجاهلیة.

و المقصود من (قَرْنَ فی بُیُوتِکُنّ) لیس هو أن تلازم النساء البیوت ولا یبرحنها، إطلاقاً، لأن المرأة فی نظر الإسلام عضو حقیقی من أعضاء المجتمع، و علیها مسؤولیات یقتضی القیام بها خروجهن من البیت.

إن الإسلام لم یقترح قط أن یتعطّل نصف المجتمع .. ولقد کانت النسوة فی عهد رسول الله صلّی الله علیه و آله یخرجن من البیوت، و یحضرن فی المسجد، یستمعن إلی أحادیثه .. و یسألنه امور دینهنّ.

 

ولقد کانت لرسول الله جلسات خاصة بهنّ مقصورة علیهنّ .. وقد روت الکثیر من النساء أحادیث النبی، کما روی الکثیر من الرواة الحدیث عنهنّ.

ولقد شارکت طائفة من النساء فی الحروب أیضاً، وکنّ یقمن بإسناد الجبهة، و یداوین الجرحی بل وحتی رسول الله کذلک کان یقرع بین نسائه فی کل معرکة یخرج إلیها، و یأخذ منهن إحداهن إلیها.

و علی کلّ حال لم تکن سیرة النبیّ و أصحابه أن یحصروا النساء فی البیوت.

فلیس المقصود فی الآیة هو هذا المعنی، بل المقصود من قوله(وَ قَرْنَ فی بُیُوتِکُنَّ) هو أنّ علی النساء أن تجعل المرأة البیت مثابةً لها و المقر الأصلیّ فی حیاتها.

و أن تعتبر البعولة و تربیة الأولاد، و إدارة شؤون المنزل أهم مسؤولیاتها، لأنّ عدم الإکتراث و اللا مبالاة بامور البیت، و الخروج من المنزل من دون قیدٍ أو شرطٍ یزعزع صرح العائلة، و یعرض بنیانه لخطر الانهیار، وهو أمر لا یناسب شأن المرأة المسلمة.

فی هذا الدرس تعرّفتم علی بعض الأدلة علی وجوب الحجاب، و سوف تتعرفون فی الدرس القادم علی حدود الحجاب.


فکّروا و أجیبوا

1ـ فی الآیة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِیْنَ یَغُضُُّوا ..) نهی عن أیّ نوعٍ من النظرات؟

2ـ ماذا تعنی الزینة؟

3ـ ما هی الزینة التی یجب أن تخفیها النساء؟

4ـ ما هی الزینة التی لا یجب سترها علی المرأة؟

5ـ فسروا جملة: «ولیضربن بخمرهنّ علی جیوبهنّ».

6ـ لماذا علی النساء ان لا یضربن الأرض بأرجلهن؟

7ـ کیف یستدلّ بهذه الآیة علی وجوب الحجاب؟

8ـ فسروا عبارة: «یدنین علیهنّ من جلابیبهنّ».

9ـ فسروا جملة: «أدنی أن یعرفن» و بیّنوا فائدة ذلک.

10ـ کیف یجب أن تخرج المرأة المسلمة من البیت؟

 

1 ـ النور 30ـ 31.
2 ـ الوسائل ج 14 ص 146.
3 ـ الوسائل ج 14 ص 146.
4 ـ مجمع البیان ج 7 ص 138.
5 ـ الأحزاب 59.
6 ـ المیزان ج 16 ص 361.
7 ـ المیزان ج 16 ص 361.
8 ـ الاحزاب 32 ـ 33.