پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرسُ التاسعُ و الثلاثون الإِنسانُ كائنٌ مخيَّر

 الدرسُ التاسعُ و الثلاثون
الإِنسانُ کائنٌ مخیَّر

خُلِقَ الإنسان مخیَّراً، حُرَّ الإِرادة، قد وُهِبَ العقل و التفکیر، و الإِرادة و الإِختیار.

إنَ الإِنسان لیس فی أفعاله مثل قطعة من الصخر تُلقی إلی الأعلی من دون إختیار، و تهبط منجذبةً نحو الأرض من دون ارادة.

کما أنه لیس کشجرة تجذب العناصر الکیمیاویة من الأرض و تکبر و تثمر.

و هکذا لیس الإِنسان کحیوان یعمل بحکم الغریزة، من دون أن یمتلک القدرةَ علی مقاومة المیول و الرغبات الباطنیة، و النوازع النفسیة.

إن حرکات الإِنسان الإِختیاریة لیسَت ـ کذلک ـ مثل حرکة قلبه، و نبضه الذی یتم من دون إرادة و اختیار، بل یقوم الإِنسان بجمیع أفعاله عن علم و قصد، و عن إختیار و إرادة، فهو إذا تصوّر فعلاً فکّر فیه أوّلاً، و قیّم مصالحه و مفاسده، ثم یتخذ قراره باتیان ذلک الفعل أو ترکه، و یختار ثم یرید ذلک العمل، و یحرّک عضلاته نحوه من أجل إیقاعه، و ایجاده.

إنّ أعمال الإنسان تنبع من رضاه و من تصدیق قوة تشخیصه و تمییزه.

إنّ البَشَر یری نفسَه دائماً أمام مفترق طریقین أو عدّة طرق یتوقف سلوک کلّ واحِدَةٍ منها علی نظره ورأیه، و إرادته الشخصیة، یعنی أنّ کیفیة فکره و انتخابه هی التی تعیّن طریقه الخاص، و مسلکه المعیّن.

إذا کان الإِنسان لا یتصفُ بالحرّیة، ولا ینطوی علی الإختیار، إذن لکانَ تفکیره، و تقییمه للعاقبة أمراً لا معنی له.

إنه یستحسِنُ بعض الأفعال عقلاً، و یحسّن فاعلها و یمدحه علیها، و یستقبح بعض الأفعال ـ کذلک ـ و یقبّح فاعلها، و یذمّه علیها، و من الواضح أنّه إذا لم یعتبر فاعلها حرّاً مختاراً لم یکن للتحسین و التقبیح مبرّر ووجه.

و علی العموم إذا لم یکن البشر أحراراً فی أعمالهم لم یکن معنی لا للتحسین و التقبیح، ولا للقیم الأخلاقیة و ما یضاددها.

إن الإسلام ـ أیضاً ـ یعتبر الإِنسان حرّاً مختاراً قد أشار إلی هذا المطلب فی آیات و أحادیث کثیرة ..

ومن باب النموذج:

یقول فی القرآن الکریم: (إِنّا خَلَقْنَا اْلإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلیهِ فَجَعَلْناهُ سَمیعًا بَصِیراً . إِنَّا هَدَیْناهُ السّبِیلَ إِمَّا شَاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً ).(1)

و یقول: (مَنْ یُرِدْ ثَوَابَ الدُُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ اْلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها).(2)

و یقول: (وَ قُلِ الْحَقُُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شآءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ).(3)

و یقول: (وَ ما أَصابَکُمْ مِنْ مُصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدیکُمْ وَ یَعْفُوا عَنْ کَثِیرٍ).(4)

و یقول: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النّاسِ لِیُذیقَهُمْ بَعْضَ الّذی عَمِلُوا لَعَلّهُمْ یَرْجِعُونَ).(5)

و یقول: (لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا کَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اکْتَسَبَتْ).(6)

و یقول: (إِنَّ الّذِینَ یُلْحِدُونَ فی آیاتِنَا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنَا أَفَمَنْ یُلْقى‏ فِی النّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتی آمِنًا یَوْمَ الْقِیامَةِ ، اعْمَلُواْ ما شِئْتُمْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ(.(7)

وقد وردت فی هذا المجال أحادیث أیضاً نشیر إلی نموذج واحد منها:

ابراهیم بن أبی محمود (فی حدیث إلی أن قال): و سألتُه (أبا الحسن) عن اللهِ عَزّوَجلّ هلْ یُجْبِرُ عبادَه عَلی المعاصِی؟

فقال: بل یخیّرُهُم وَ یُمهلهُم حتی یتوبوا.

قلت: فهل یکلّف عباده مالا یطیقون؟

فقال: کیف یفعل ذلک وهو یقول: و ما ربک بظلامٍ للعبید.

ثم قال: حدّثنی أبی موسی بن جعفر علیه السلام عن أبیه جعفر بن محمد(ص) أنه قال: من زَعَم أنَّ اللهَ یجبر عباده علی المعاصی أو یکلّفهم ما لا یُطیقوُن فلا تأکلوا ذَبیحتَه ولا تَقبلوا شَهادته ولا تُصلّوا وراءَه ولا تعطُوه مِنَ الزَکاة.(8)

یستفاد من هذه الآیات و الأحادیث و العشرات و المئات من نظائرها أن أعمال الإنسان و تصرفاته الحسنة أو السیئة تستند إلیه نفسه، و أن فاعلها الحقیقی هو ذاته لا غیر.

إن الإِنسان ـ بالعلم و التفکیر، و التدبر فی العواقب ـ یختار الإِتیان بالفعل او ترکه، و یتحمل مسؤؤلیته أیضاً، و علی هذا الاساس یتمتع الإنسان ـ فی أفعاله ـ بالحریة الکاملة و الاختیار الکامل من دون جبر او تسییر.

وهنا یلزم أن نشیر الی نقطتین مهمّتین:

النقطة الاُولی: أن معنی کون الإنسان فاعلاً مخیّراً حرّ الإِرادة، لا یعنی أن علمه و انتخابه مستثنیان عن قوانین العلة و المعلول الکلیّة الشاملة و أن افعال الإِنسان و تصرفاته مفوَّضَة إلیه تفویضاً، بل إن لها هی أیضاً عللاً خاصّة من دون وجود تلک العلل لا تتحقق معلولاتها. حیح أن الإِنسان یتوجّه إلی فعلٍ خاص و یدرک بواسطة تفکره و تدبّره، تناسُبَه، ثم یختاره و یأتی به، ولکنَ التفاته و تفکیره، و تشخیصَه للتناسب و إرادته و إختیاره کذلک لا تکون من دون علة.

إن شخصیة کل إنسان، و الترکیب الخاص لبدنه و أعصابه و دماغه، و أحاسیسه و عواطفه، و میوله الباطنیة، و عاداته و أفکاره،‌و تربیته العائلیة و اوضاعه و شرائطه الاجتماعیة و بیئته الحیاتیة مؤثرة برمّتها فی تفکره و اختیاره تأثیراً کاملاً.

إن کلَ واحد من هذه الاُمور هو بدوره أیضاً معلولٌ خاصّة، و هذه السلسلة من العلل و المعلولات، و التأثیرات و التأثرات مستمرة مادامت المشیئة الآلهیة.

إن الله هو الذی خَلَقَ عالم المادة علی هذا النمط و أقام فیها هذه القوانین الخاصّة .. لقد أراد الله تعالی أن تقوم العلل الطبیعیة بأفعالها من دون عِلم و قصد، و من دونِ تفکیر و اختیار، وأراد الله أن تتحقق أعمال الإنسان و تصرفاته عن علم و تفکر، و اختیار و إرادة، و لقد أعطی الله مِثل هذه القدرة و المیزة للانسان.

و علی هذا الأساس یکون معنی کون الإِنسان فاعلاً مخیرّاً حرّ الإِرادة بمعنی ان اختیاره و إنتخابه هو الجزء الأخیر من العلة التامّة للفعل.

النقطة الثانیة: یجب أن لا یُستنتَج من قولنا: أن افعال الإِنسان ترتبط به نفسه، و أنه یتمتع بالحریة الکاملة فی الإِختیار و الإِنتخاب .. أن الإِنسان مستقل فی أفعاله، استقلالاً کاملاً، و أنه غیر محتاج إلی الله فی هذا المجال.

یجب أن لا یُتصوَّر أنّ أفعال الإنسان و تصرفاته مفوَّضة إلیه، و انه لا دخالة الله تعالی فیها ابداً، کلّا نحن لا نقول هذا الکلام مطلقاً، بل الإنسان کما یحتاج فی أصل وجوده و بقائه إلی إیجاد الله و إفاضته فانه یحتاج کذلک فی أفعاله و آثاره الوجودیّة إلی الله تعالی و إلی إفاضاته، لأنّ سلسلة العلل و المعالیل تنتهی الیه، و علی أثر مشیئته سبحانه اتخذ عالمُ الخلق مثل هذا النظم، ویدار علی هذا النمط، ولکن علّیتَه و فاعلیته تکون فی طول علیّة‌ الإنسان و فاعلیته لا فی عرضها.

وقد جاء هذا الموضوعُ فی بعض الآیات القرآنیة أیضاً.

(وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِیُبَیِّنَ لَهُمْ فَیُضِلّ اللّهُ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَ هُوَ الْعَزیزُ الْحَکیْمُ).(9)

(قُلِ اللّهُمَّ مَالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِِیَدِکَ الْخَیْرُ إِنّکَ عَلى‏ کُلّ‏ِِ شَیْ‏ءٍ قََدِیرٌ).(10)

(الّذِی خَلَقَنی فََهُوَ یَهْدِینِ . وَ الّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَ یَسْقیِنِ . وَ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفینِ . وَ الّذِی یُمیتُنی ثُمَّ یُحْییِنِ).(11)

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لکِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ مَا رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لَکِنَّ اللّهَ رَمَى‏ وَ لِیُبْلِی الْمُؤْمِنینَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ).(12)

(وَ ما تَشاؤُونَ إِلاّ أََنْ یَشاءَ اللّهُ رَبّ الْعالََمِیْنَ).(13)

(وَ لَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَ لکِنْ یُضِلُُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهِْدِی مَنْ یَشَاءُ وَ لَتُسْئَلُنّ عَمَّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).(14)

وعدة آیات اُخر من هذا القبیل مما ینسب إضلال البشر و هدایتهم إلی الله سبحانه.

إن هذه الآیات ـ کما تلاحظون ـ یمکن أن تُقَسَّم إلی ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: ما ینسب الإِیمان و الکفر و الهدایة و الضلالة و سائر أفعال الإِنسان إلی البشر انفسِهم.

الصنف الثانی: الآیات التی تنسب إضلال البشر و هدایتهم إلی الله سبحانه.

الصنف الثالث: الآیات التی تنسب أفعال البشر إلی الله تعالی و إلی البشر معاً مثل قوله تعالی: (وَ مَا رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنّ اللّهَ رَمَى) و قوله تعالی: (وَ لکِنْ یُضِلّ مَنْ یَشَاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَ لَتُسْئَلُنّ عَمَّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

من مجموعة هذه الآیات نستفید أن أفعال الإِنسان إنما تُنسبَ إلیه لأنه العلة المباشرة للفعل، أی ان أثر اختیاره و انتخابه هو تحقق الفعل، ولکنها تنسبَ إلی الله أیضاً لأنه تعالی علة العلل، و لأنه هو الذی خلق النظام الکونیَ علی هذا النمط، وهو یدیره و یدبّره، و جمیع العلل و المعلولات مقهورة لقدرته و مشیئته.

و بهذا یبطُل الجبرُ، لأَنَ الفاعلَ المباشر للأَفعال هو الإِنسان، وهو الذی یختار إتیان الفِعل أو ترکه، کما أنَّ التفویض هو الآخر باطلٌ لأنَّ فعلَ الإِنسان لم یفوَّض إلی نفسه، ولا یتصف بالاستقلال الکامل، و کما أنه مرتبطٌ بالله تعالی فی أصل وجوده، مرتبط کذلک فی قدرته و علمه و إرادته و اختیاره و فعله إلی الإِفاضة و المشیئة الإِلهیة، و ما یبقی هو أنَّ فاعل الأفعال و المختار لها هم البشر أنفسهم، ولکن وجودَ الإِنسان و فعلَه و دوافعها و عللها و معلولاتها هی برمتّها تعمل و تؤثر تحت قدرة الله و مشیئته.

ولقد جاءت الإِشارة إلی هذا المطلب فی بعض الأحادیث: فعن الجعفری عن ابی الحسن الرضا علیه السلام قال: ذُکِر عنده الجبر و التفویض فقال: ألا اُعطیکُمْ فی هذا أصْلاً لا تختَلِفون فیهِ ولا یخاصِمُکُمْ عَلیه أحدٌ إلّا کَسَرْتموه؟

قلنا: إن رأیتَ ذلک.

فقال: ان الله عزّوجلّ لم یُطَعْ باکْراهٍ وَلَمْ یُعصَ بَغَلَبَةٍ، وَلَم یُهمل العباد فی مُلکِهِ، هُوَ المالِک لِما مَلَّکَهُمْ وَ القادِرُ عَلی ما أقدرَهم علیه، فانْ أئتمر العبادُ بطاعتهِ لم یکن الله عنها صادّاً، ولا منها مانعاً، و إنْ ائتمروا بمعصیةٍ فشاء أن یَحُولَ بینهم و بین ذلک فَعَلَ و إن لم یحُلْ و فَعَلُوهُ فلیسَ هو الذی أدخلَهم فیهِ.(15)


فکّروا ثم أجیبوا

1ـ ما هو الفَرق بین أفعال الإِنسان و أفعال الجمادات و النباتات و الحیوانات؟

2ـ ما هو رأی الإسلام حول حریّة الإِنسان و إختیاره؟ و ما هو الدلیل؟

3ـ ماذا یعنی کون الإِنسان فاعلاً مختاراً؟

4ـ هل علم الإِنسان و إرادته و إختیاره خارجة عن نطاق قوانین العلة و المعلول الکلیة؟ فکیف إذن؟

5ـ هل الإِنسان یتمتَّع بالإِستقلالیّة فی إیجاد أفعاله؟

6ـ وضّحوا مسألة حریة الإِرادة الإِنسانیة جیّداً؟

7ـ إحفظوا الآیات و استظهروها.

 

1 ـ الدهر ـ 2/3.
2 ـ آل عمران ـ 145.
3 ـ الکهف ـ 29.
4 ـ الشوری ـ 30.
5 ـ الروم ـ 41.
6 ـ البقرة ـ 286.
7 ـ فصّلت ـ 40.
8 ـ بحار الأنوار ج 5 ص 11.
9 ـ ابراهیم ـ 4.
10 ـ آل عمران ـ 26.
11 ـ الشعراء ـ 78 ـ 81.
12 ـ الانفال ـ 17.
13 ـ التکویر ـ 29.
14 ـ النحل ـ 93.
15 ـ بحار الأنوار ج 5 ص 16.