پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الضيافة

الضیافة

 

الضیافة ظاهرة اجتماعیة فی الحیاة الاسلامیة بل فی الحیاة الانسانیة فلیس هناک أسرة لا تمتلک أصدقاء تستقبلهم أو أقارب تستضیفهم.

والضیافة من الظواهر الأخلاقیة التی تحث علیها الشریعة الاسلامیة.

کما أن الکرم یعد من الصفات الحمیدة للانسان، وللضیافة دور کبیر فی تعزیز العلاقات الانسانیة.. کما ان لها دوراً فی مکافحة کثیر من الأمراض کالحقد والکراهیة، فجلسات السمر البریئة تصفی على الحیاة من نکهة طیبة وتطرد السأم والشعور بالملل وتبعث الأمل فی الحیاة.

وما أجمل اللحظات یقضیها الانسان فی حضرة ضیف کریم أو قریب تشتاق الى رؤیته. والضیف حبیب اللّه‏ کما یقال.

یقول سیدنا محمد صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: «إنَّ الضیف إذا جاء فنزل بالقوم جاء برزقه معه من السماء فإذا أکل غفر اللّه‏ لهم بنزوله علیهم»[265].

ویقول الامام الرضا علیه‌‏السلام: «السخی یأکل من طعام النّاس لیأکلوا من طعامه. والبخیل لا یأکل من طعام النَّاس لئلا یأکلوا من طعامه».

ویقول رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم أیضاً:

«الزیارة تنبت المودَّة»[266].


وروی عن الامام محمد الجواد قوله:

وفی بحر الحیاة المتلاطم وحیث مشاغل العمل الکثیرة، یکون الانسان بحاجة الى الهدوء والراحة، وما أجمل أن یقضی المرء لحظات ممتعة فی لقاء الأحبّة والاصدقاء..

ففی غمرة اللقاء ینسى المرء مشکلات الحیاة، ویشعر ان عبئها ینزاح عنه جانباً فتنفتح نفسه للحیاة بأمل.

أجل ان الضیافة تقلید جمیل، ولا أظن أن أحداً ینکر محاسن الضیافة.

هذا إذا بقیت على الطبیعة دون تکلّف، لأننا سنجد مشکلتین تعتوران هذه الظاهرة الاجتماعیة الطیبة.

الأولى: التکلّف فی کمالیات الحیاة والتسابق السخیف فی المباهاة واقتناء الکمالیات مما یعقد الحیاة ویسلبها جمالها فی البساطة.

وهذا اللهاث فی الواقع یؤثر سلباً على ظاهرة الضیافة، لأن المرء لم یعد یجد الوقت الکافی للرکاض من أجل تأثیث المنزل بالصورة التی تروی ظمأه الذی لا ینطفیٔ

ولأنه ظامئ للکمالیات فی حیاته فانه لن یجد فرصة یلتفت فیها الى اصدقائه وأحبّته واقربائه.

وهذا اللهاث فی الواقع خاضع لسیطرة فکرة خاطئة، هی أن الانسان یرى سعادته فی اقتناء الوسائل التی تجلب له الرفاه کما یظن!

فی حین انه یتحول دون أن یشعر الى عبد یلهث وراء هذه الوسیلة أو تلک.

وعادة ما تخضع المرأة الى هذه الانطباعات الخاطئة، حیث تظن ان الضیوف سوف یأتون لمشاهدة معرضها المنزلی؛ ولذا فهی تحرص على أن تصعقهم بما اقتنته من أثاث فاخر وأشیاء ثمینة جداً!!


الضیافة هدفها الاصلی الأنس والألفة وتجاذب أطراف الحدیث وتلبیة مشاعر الشوق فی القلوب.

سیدتی!

لا تنسی أبداً ان الضیف لم یأت لمشاهدة اثاث منزلک، لأنه لو أراد ذلک لانطلق الى المتاحف أو الى معارض الأثاث المنزلی.

کما إنّه لم یأت لأنه جائع، ولو کان هدفه ذلک لذهب الى أول مطعم یصادفه فی الطریق.

کلا یا سیدتی إنّ الضیافة لا تمت بصلة الى هذین الوهمین اللذین یدوران فی خلدک.

سیدتی کم من الضیوف الذین قرروا عدم زیارتک بسبب هذا التکلّف فی اعداد مأدبة الطعام.

انهم لیسوا اغبیاء بحیث لا یشعرون.. انک تعاملینهم کما لو کانوا أفواهً جائعة!!

دعی للضیافة شکلها الطبیعی البسیط، دعیها کما هی تؤدی دورها فی تعزیز العلاقات الانسانیة واضفاء البهجة على الحیاة بعیداً عن التسابق فی اقتناء الأثاث وشراء ما لا طائل من ورائه.

لا تکونی مثلاً سیئاً للآخرین.. عندما تزورک صدیقة أو جارة أو تستضیفین أحداً.. فلا تشغلی قلبها بهذا الأثاث اللماع والوسائل ذات البریق حتى إذا عادت الى منزلها عادت والحسرة تملأ قلبها.. وربّما حدّثت زوجها بذلک، وربّما أشعلت فی نفسها حمّى هذه الاشیاء فتعرّضین الهدوء الذی تنعم به الى القلق والاضطراب.

المشکلة الثانیة إنّ الاستعدادات للضیافة فی ضوء هذه التصوّرات وهی
فاعلة جداً فی مجتمعنا الآن عادة ما تتطلب جهوداً مضنیة تنهض بها المرأة، لأن المأدبة ستکون حافلة بکل الألون، وبکل ما لذّ وطاب، وقد ترتکب المرأة خطأ بسبب العجلة وتکون النتیجة طعاماً لا یسرّ الآکلین وتکون الفضیحة.. لأن سمعة المرأة فی خطر!!

والآن لنستعرض نموذجین من الضیافة وللمرأة حرّیة الانتخاب!

النموذج الأول:

یعود الرجل الى منزله ویعلن أمام زوجته: لدینا ضیوف فی لیلة الجمعة القادمة.. عشرة من الأصدقاء.. مدعوون لتناول العشاء..

وتصغی الزوجة بقلق الى هذا، لأن لدیها ذکریات مرّة عن الضیافة والضیوف.

وعندما تحاول الاعتراض یقنعها الرجل بشتى الوسائل.

إن هی الاّ أیام قلائل ثم یأتی یوم الحساب!! هکذا توحی الى نفسها وهی تستعد.. علیها أن تشتری کذا وکذا وتعدّ کذا وکذا.. وفی الیوم الموعود تستحیل المرأة الى نحلة لا تکف عن العمل منذ الصباح..

وتبدأ عملیات طهی الطعام، وتکون المرأة فی حالة یرثى لها بسبب القلق.. وما یزید الطین بلّة إنها لا تدری أین وضعت الوسیلة الفلانیة والحاجة العلاّنیة.. وقد تصرف وقتاً من اجل العثور على هذا وذاک..

وفی غمرة العمل المضنی یرتفع صوت الجرس.. لقد حضر الضیوف ویهب الرجل لاستقبال ضیوفه.. وتبدأ المراسم.. مراسم الاستقبال[267].

أکواب الشای الساخن.. مختلف أنواع الحلوى والکیک ثم أطباق الفاکهة
المرتبة بدقة وعنایة فائقة..

وبعدها المأدبة التی تعدّ فی مکان خاص ثم یدعى الضیوف لتناول الطعام.

وبعدها الانسحاب الى صالة الاستقبال لارتشاف الشای ثم تناول الفاکهة و..

وإذا کان الضیوف من معارف الزوجة فأن المهمة ستکون أعقد..

لأن المرأة مطالبة بالحضور فی صالة الاستقبال فیما حضورها فی المطبخ مرکز العملیات ضروری وحیاتی جداً!!

وإذا ما أردنا تقییم هذه الدعوة بعد تودیع الضیوف فسنجد الخسائر المحتملة کما یلی:

1 ـ احتراق جزء من الطعام اثناء الطهی.. نقص فی الملح.. أو طعام مالح جداً!

2 ـ التوتر العصبی الذی یترک آثاره السیئة على حالة المرأة بحیث تکون مستعدة للشجار والعراک فی أول مناسبة!

3 ـ خسائر مالیة جسیمة تدفع بالرجل الى اشعال أول سیجارة للتفکیر فی جبران هذه الخسائر. وقد یکون فی حالة عصبیة لا یحسد علیها.

4 ـ إنّ الضیوف سیلاحظون الاضطراب على وجه الرجل أو المرأة وبالتالی فلن یهنأوا بهذه الضیافة أبداً بالرغم من حرارة الاستقبال فی الظاهر، وقد یندم بعضهم أو جمیعهم على الحضور.

ونحن إذا بحثنا فی جذور هذه الضیافة المؤسفة نجدها فی التکلّف وعدم الاستعداد المنطقی والمعقول وفی حدود الامکانات المتاحة وتلک التصورات الباطلة عن الضیافة والضیوف.

النموذج الثانی:

یخبر الرجل زوجته عن دعوة أصدقائه الى تناول طعام العشاء..


ترحب المرأة بهذه الخطوة، وتبدأ مع زوجها فی حساب کل شیء وتسجل المستلزمات فی ورقة حتى لا یسقط من الحساب شیء، وبعدها یتم شراء ما هو مطلوب..

قبل حلول الموعد الذی هو لیلة الجمعة یمکن انجاز بعض الأعمال، کما یمکن توظیف الأولاد فی الاستعداد لهذه المناسبة وتدریبهم على أصول العمل.

وفی الیوم الموعود یکون قد تم انجاز معظم الاعمال، ثم تبدأ عملیة الطهی وإعداد مأدبة مناسبة بعیداً عن التکلّف.

وهنا، ستجد المرأة متسعاً من الوقع لاستقبال الضیوف والترحیب بهم وتجاذب اطراف الحدیث لحین حلول الوقت المناسب.

وفی مثل هذه الأجواء سوف یشعر الضیوف بالألفة والأنس، ویقضون وقتاً طیباً فی الحدیث عن أشیاء کثیرة.

وستجد الأسرة انها أدت واجباً من الواجبات الاجتماعیة على أکمل وجه وإنها عزّزت من روح المحبّة وأصرة الأخوة مع الضیوف.. وسیبارک اللّه‏ هذه الأسرة لأنها أکرمت الضیوف.. والضیف حبیب اللّه‏ کما یقال، ویأتی برزقه معه کما ورد فی الأثر.

وستعطی هذه الدعوة أکلها.. وستسفر عن نتائج طیبة للجمیع.

 

[265] وسائل الشیعة: 16/459.
[266] بحار الانوار: 74/355.
[267] تعد تفاصیل استقبال الضیوف فی المجتمع الایرانی من أعقد المراسم التی تتطلّب قابلیات استثنائیة فکل شیء محسوب بدقة، ولأن المجتمع العربی غیر مصاب بهذه الظاهرة فقد رأینا الاعراض عن نقل بعض التفاصیل. المترجم