پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

والمتشائمون

والمتشائمون

 

صحیح إنّ على الرجل ان یراقب سلوک زوجته ولکن لیس الى حدّ الوسواس والشکوک والظنون الباطلة.

وعندما یبتلى الرجل بسوء الظن فهو فی حقیقة الأمر مصاب بمرض أخلاقی وقد یصل سوء الظن درجة خطیرة یتوهم فیها الرجل أن زوجته تخونه بطریقة ما!

إنّ هذه الظاهرة المرضیة مدمّرة للبیوت والأسر، وعندما یبتلى بها زوج ما فان الحیاة الزوجیة تستحیل الى جحیم لا یطاق.. ستکون حیاته مریرة وحیاة زوجته أیضاً لأنها تحترق بهذه النار المجنونة وعندما یبتلى الرجل بهذا المرض فإنّه یصاب بنظرة تشاؤمیة ازاء زوجته وسیکون محکوماً علیها بالخیانة مالم تثبت برائتها.

ومعنى هذا ان نظراته وملاحظاته خاضعة لتفسیر یهیمن علیه الاتهام لا البراءة وبذلک تفقد المشاهدات موضوعیتها وتکون خاضعة لرؤیة یسیطر علیها الوهم أکثر من الحقیقة.

فلأنها حیّت مثلاً جارها فمن المؤکد أن لها علاقة معه ولأنها امتدحت فلانا فهی تمیل الیه.. ولأنها لا تتودد الیه کما فی السابق فقد ملّته بسبب وجود آخر فی حیاتها!

بل أن الأوهام تصل درجة یجعل فیها غیاب الشبه بینه وبین ابنته أو ابنه
ملاکاً فی ادانة زوجته!!

ان سوء الظن والشکوک التی تراود الرجل من المصائب التی تعصف بالأسرة والحیاة الزوجیة وتطفى‏ء وهج الدف‏ء العائلی.

ویتحول بیت الزوجیة الى مرکز للشرطة حیث الزوج شرطیّ یراقب باستمرار تلک المرأة المتهمة، وشیئاً فشیئاً تستحیل الزوجة الى کائن مذعور یخاف ظلّه؛ لأن هناک من یراقبه ویحلّل بعین الشک کل تصرّفاته!!

وقد تصل المرأة حدوداً رهیبة من الشعور بالضغط فتفکّر فی الطلاق کحلّ لهذه المأساة الدائمة والکابوس المستمر.

لأن من حق المرأة فی هذه الحالة أن تخاف موقفاً قد یتخذه الرجل فی نوبة من شکوکه فیقدم على ارتکاب جریمة قتل..

وما أکثر الذین أقدموا على قتل زوجاتهم ثم انتحروا!!

إنّ مسألة الخیانة الزوجیة مسألة خطیرة، یتوجب على الرجل وقبل أن یشک أو ینتابه وهم ما فی ذلک أن یجرّد نظراته من سوء الظن والتشاؤم والشک وإلاّ یصدر أحکامه دون وثائق وأدلّة.

قال اللّه‏ سبحانه فی محکم الکتاب العزیز:

« یا أیّها الذین آمنوا اجتنبوا کثیراً من الظنِّ إنّ بَعْضَ الظنّ إثْمٌ »[185].

وقال رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم:

«من قذف امرأته بالزنا خرج من حسناته کما تخرج الحیّة من جلدها، وکتب له بکلّ شعرة على بدنه ألف خطیئة»[186].


وقال صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم فی مناسبة أخرى:

«من بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فیه ما لیس فیه اقامه اللّه‏ یوم القیامة على تلْ من نار حتى یخرج مما قاله فیه»[187].

لیس من الرجولة أن یقذف زوجته ولیس من حقه أبداً أن یتقوّل أو یتفوّه بذلک وکبرت کلمة تخرج من فیه..

إنّ الشریعة الاسلامیة تعاقب بشدّة کل من یبهت انساناً، وسیکون عقابه الجلد ثمانین سوطاً!

وحتى نکون أکثر قرباً من الموضوع لنفترض إنّ احداهن زلّت فکتبت رسالة الى شاب بدافع الاعجاب فهل یعد هذا العمل دلیلاً على وجود علاقة غرامیة بینهما؟

هذه الظواهر تحدث فی حیاة الشباب، ربّما تتلقى امرأة رسالة غرام من شاب، ولخوفها من عواقب هذه الرسالة ولأنها لا ترید الفضائح تخفی هذه الرسالة.. لا لأنها راضیة ولکن خشیة النتائج، ولکن عندما تقع هذه الرسالة فی ید الزوج فلیس من حقه أن یعتبرها وثیقة ودلیلاً على خیانة زوجته؟

وعندما تحیّ المرأة رجلاً جاراً لها أو جاراً لأهلها وتتبادل معه کلمات المجاملة فلا یجوز لزوجها أن یشکک فی هذه العلاقة ویفاجى‏ء زوجته باتهام خطیر!

هناک عشرات الاحتمالات فی مثل هذه الموارد أضعفها الخیانة الزوجیة.

سیدی المحترم!

هذا من سوء الظن والشکوک، وإلاّ فکن قاضیاً منصفاً یحاکم وفق الأدلة
القاطعة والبراهین الساطعة والوثائق الدامغة لأن الاحتمال مهما کان قویا ولو اصبح 80% فهو یبقى فیى دائرة الظن حتى یصل الى 100% وهی مرحلة الیقین الذی لا یصمد أمامه الشک والوهم والظنون.

اننی أطلب منک أن تکون دقیقاً فغیرة الرجل ضاربة جذورها فی فطرته کرجل وانسان ولیس من الرجولة أبداً أن یتساهل الزوج فی هذه القضیة.. لکن المطلوب أن یبقى الأمر فی دائرة المنطق والعقل والشریعة.

ما هو موقفک یا ترى لو وجه الیک أحدهم اتهاماً خطیراً؟!

ألا تحتج علیه ألا تثور وتثأر؟! ألا تطلب منه دلیلاً على مزاعمه؟

فکیف الأمر اذا طعنت أقرب الناس الیک والقلب الذی یخفق بحبک!

ألیس هذا الاتهام طعنة نجلاء توجهها الى قلب زوجتک وشریکة الحیاة ورفیقة العمر؟!

سیدی!

انتبه الى هذه الملاحظة.. إنّ المرأة التی تُتهم بالباطل وتقذف ظلماً وبهتاناً قد تسقط وتنحرف بسبب ذلک.. ربما بداعی الانتقام أو غیره.

یقول الامام علی علیه‌‏السلام:

«ایاک والتغایر فی غیر موضع غیرة، فانَّ ذلک یدعو الصحیحة الى السقم والبریئة الى الریب»[188].

عندما یساورک شکٌّ فی زوجتک، فلا تفاتح أحداً بذلک أیّا کان موقعه منک.

ربما یؤید شکوکک انطلاقاً من جهله وسذاجته، وربّما من عداء وحقد یکنّه لزوجتک بسبب ما.


وسوف یضاعف ذلک من سوء الظن وقد یتبدّل الظن، الى یقین وعندها یحدث مالا تحمد عقباه.

تجنب مفاتحة أختک أو والدیک، لأنهما لا یکنان لها عادة نوایا حسنة هذا فی الأجواء العادیة فکیف إذا کانا یغاران منها.

فإذا کان ولابد من مفاتحة شخص ما والاستعانة به أو استشارته فلیکن صدیقاً عاقلاً ورجلاً حکیماً، عرک الحیاة وأفاد من تجارب الزمن اضافة الى خیر وصلاح فی نوایاه.

ولتکن الافادة منه فی باب المشورة، لا أن تطلب منه أن یثبت لک ما تظنّه وتتوهمه.

دع الشک جانباً وابتعد عن الوهم والظن، وحاول أن تتقمص شخصیة القاضی المنصف الذی لا هم له سوى الحقیقة.

امنح فرصة لزوجتک أن تتحدّث بکل حرّیة وافترض أن زوج أختک قد ساورته نفس هذه الشکوک فی اختک.. ما الذی تطلبه منه وما هو الدلیل الذی ترکن الیه فی اثبات اتهام خطیر کهذا.

حاول أن تستعرض شواهدک وکأنک تحاکم اختک.. انک سوف تکون شدیداً فی قبول ادلّة وشواهد واهیة.

فلیکن موقفک ازاء زوجتک نفس موقفک ازاء اختک.

المطلوب دائماً ضبط النفس فلکل مشکلة حل..

ولکن أن یدفعک سوء الظن الى الانتحار، أو قتل زوجتک فهذا أبعد ما یکون عن التفکیر المنطقی والموقف المعقول.

اضافة الى النتائج الوخیمة التی تترتب على هذا العمل فی الدنیا وفی الآخرة.. وذلک هو الخسران المبین.


تصفّح یا سیدی الصحف والمجلاّت واقرأ الأخبار الفجیعة والجرائم التی یرتکبها بعضهم بسبب وبغیر سبب.

وأنت یا سیدتی انک تتحملین مسؤولیة کبرى.. لأن المسألة تتعلّق بمصیرک ومصیر ابنائک وزوجک.

یجب أن تدرکی انّ زوجک مصاب بمرض نفسی خطیر، لأنه لیس من المنطقی أن یجلب المرء على نفسه المرارة لولا هواجس تنتابه وظنون.

کیف ینبغی أن یکون تصرّفک ازاء هذه الظاهرة المرضیة؟ هذا هو السؤال..

المطلوب یا سیدتی الحبّ.. اغدقی علیه من حبّک وعطفک حتى یشعر قلبه بالدف‏ء، وتتبدّد الوساوس والشکوک.. تبدّد الضباب مع طلوع الشمس.

لقد وهبک اللّه‏ نبعاً فیاضاً من الحنان، فلا تبخلی على زوجک فتصبح حیاته کالصقیع والزمهریر.

انک بمواقفک المرّنة بتحملک لقسوته أحیاناً سوف تسخّرین قلبه.. سوف تنفذین الى أعمق أعماق نفسه، وسوف تقهرین ذلک المرض اللعین وتنقذین بذلک زوجک من تعاسته.

تجنّبی کل من له أثر فی اثارة وساوسه وهواجسه کائناً من کان.

یقول سیدنا علی علیه‌‏السلام: «من وقف نفسه موقف التهمة فلا یلومنَّ من أساء به الظن».

ربما یکون زوجک حساساً ازاء علاقتک بأحدهم.. اقطعی هذه العلاقة مهما کانت برائتها.

لأن الثمن الذی تدفعینه ازاء احتفاظک بزوجک سیکون تافهاً جداً.

واذا کان للمرأة کزوجة وربّة بیت من فن فهو فی معاشرة زوجها، وحسن تبعّلها وکسبها ثقته، یقول الامام الصادق: «جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من
اذى زوجها وغیرته»[189].

لا تمتدحی رجلاً أمامه لأنه سیغیظه ذلک، حتى لو لم یصرّح به ولا تنظری الى غیر زوجک لأنه یغار.

یقول سیدنا محمد صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: «اشتدّ غضب اللّه‏ على امرأة ذات بعل ملأت عینها من غیر زوجها»[190].

ولا تغادری البیت یا سیدتی إلاّ بإذنه، وتصرّفی بطریقة بعیدة عن الغفلة والبساطة.

ربما یقع حادث بسیط، وبریء فی نفس الوقت، ولکنه یثیر هواجس وشکوک زوجک.

تأملی فی هذه الحکایة:

تقول فتاة فی السابعة والعشرین من عمرها أمام المحکمة أنه فی شتاء سنة 1342 ذهبت لتذاکر دروسها فی منزل زمیلتها وصدیقتها وکان الثلج ینزل بغزارة وعندما حان وقت عودتها الى البیت.. زمیلتها أصرّت أن یقوم خالها بایصالها بسیارته.

کان قد مرّ شهران على عقد قرانها وکان موعد الزفاف قد عیّن بعد اتمام دراستها الثانویة وهی فی السنة الأخیرة منها.

وصادف أن کان زوجها واقفاً فی الشارع قرب المنزل فلمحها داخل السیارة..

ارتبکت الفتاة وطلبت من السائق الفرار، مما أثار شکوک الزوج.


ثم أخطأت الفتاة فی انکارها القضیة برمّتها مما زاد الطین بلّة، ولم تنفع شهادة زمیلتها ولا أهلها فی تبدید شکوک الزوج الذی رفض فسخ العقد کما رفض فکرة الزفاف..

وها أنا انتظر مصیری بعد ثمان سنوات!!

هذا ما قالته الفتاة[191].

ومن المؤکد أن ما قامت به الفتاة یعود الى غفلتها وإلاّ فان رکوب سیارة رجل اجنبی وبمفردها أمر مرفوض شرعیاً وأخلاقیاً.

ولو انها اعترفت لزوجها بکل شیء، منذ الوهلة الأولى ولم تطلب من السائق الهرب لما وصل بموقف الزوج الى هذا الحدّ من القسوة لیترک زوجته معلّقة: لا امساک بمعروف ولا تطلیق باحسان.

 

[185] الحجرات: الآیة 12.
[186] بحار الأنوار: 103/248.
[187] المصدر السابق: 75/194.
[188] المصدر نفسه: 103/252.
[189] وسائل الشیعة: 14/111.
[190] بحار الأنوار: 104/39.
[191] اطلاعات 23 اسفند 1350.