پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثالث و العشرون: مكافحة الشرك

الدرس الثالث و العشرون

مکافحة الشرک

جعل رسولُ الاسلام صلّى اللّه علیه و آله مکافحة الشّرک فی مقدّمة برامجه، و على رأس أعماله، فکان یکافح کُلّ أنواع الشرک، و علینا نحن المسلمین ایضاً أن نکافح کل ألوان الشِرک الجلّی و الخفیّ، و یجب أن ننبذ جمیع المعبودات المزیَّفة التی تتدخّل فی حقوق اللّه الواحد الخاصة، و التی تضع القوانیَن الوضعیة لادارة المجتمع، متجاهلةً قوانیَن اللّه و أحکامه، و تُلزِم الآخرین بِاتّباعها.. نعم یجب ان ننبذ کلّ هذه المعبودات الکاذبة، و کلّ هؤلاء الطواغیت، و نقبل فقط بولایة اُولئک الّذین أمضى اللّه ولایتهم و أوصى بطاعتهم.

أجل نحن المسلمون موحِّدون نعبد اللّه وحده... نوحّد واجب الوجود، و نرفض أىّ شریک له، و نعتبره الخالق الوحید للکَون و ظواهره، و لا نعتقد بمؤثّرٍ مدبّرٍ للعالم سواه، لا نقبل بولایة و طاعة أحد غیر اللّه، و غیر الّذین نصِّبوا للولایة من جانبه تعالى. لیس لنا معبودٌ سوى اللّه الواحد، و لا نعبد شیئاً غیره.

ولو أنّنا طُفنا بالکعبة المشرّفة، و تسلّمنا الحجر الأسود أوجدارها، أو قَبّلناه، و توجّهنا صوب ذلک المکان اینما کنّا حال الصلاة، فإنّ ذلک کلَّه لا یعنی أنّنا نعبد الحجر و الخشب و السِّتار و الذهب و الفضّة، أو لأجل أنّنا نعتبر تلک الاشیاء مقدّسة بذاتها، بل لأجل أنّنا نعبد اله الکعبة فی ذلک المکان المقدّس، و فى أیّ مکان آخر، و نأتمر فى هذه العبادة بأمر اللّهِ خالق الکون، و نتبع سیرة الرسول الاکرم صلّى اللّه علیه و آله.

و اذا کنّا نصلّى فی مسجد النبىّ و عند مرقده أو مراقد الأولیاء، فلیس ذلک لأجل أنّنا نعبد قبره أو صریحه أو ذاته، بل لأجل أنّنا نعبد اللّه خالق الکون فى ذلک المکان الشریف الذی لایخفى فضلُه و روحانیته على أصحاب القلوب النابهة، و نستلهم من آثاره و برکاته المعنویة.

و اذا کنّا نزور مرقد النبی و سائر أهل البیت، و کذا مراقد أولیاء اللّه، و نتسلَّمُ أضرحتهم، و نُقَبِّلُها، فلیس ذلک لأنّنا نعبد تلک الأضرحة و القبور أو نعبد أصحابَها، بل لأجل أنّنا حیث لا یمکننا أن نتوصل الى النبی (صلّی الله علیه و آله) و الأئمة من أهل بیته (علیهم السلام) أنفسِهم نقبّلُ مراقدهم المقدسة التى تضّم أجسادهم الطاهرة، و تُعتَبر آخر نقطة ودّعوها من العالم، و نلثم أضرحتهم التى تنتمی إلیهم، و نتبّرک بها، و بهذه الطریقة نظهِرُ حبَّنا لهم، و علاقتنا التی تنبع من أعماقنا بهم، و نذرف الدموع، و نحن نتذکر تضحیات تلک الصفوة الطیّبة من أولیاء اللّه و خیرته فى سبیل إعلاء کلمة التوحید، و نشر الاسلام، و نسلّم على أرواحهم الطاهرة، و نقرأ القرآن عند مراقدهم و قبورهم، و نتلوا سورة الفاتحة و نهدی ثوابها الى أرواحهم الزکیّة، و بهذه الطریقة نقدّرهم و نجلُّهم، و نحیی ذکراهم فى قلوب المؤمنین، و نتبع بهذا العمل سیرة النبی و صحابته الکبار و الأئمة من أهل بیته المکرَّمین.

قال أنس بن مالک قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلم: کنتُ نَهیتکُم عن زیارة القبورِ، ألا فزُورُوها فإنّها ترقُّ القلب و تدمعُ العین و تذکّر الآخرة، و لا تقولوا هجراً. [7]

و روى سلیمان بن بریدة عن ابیه قال: زار النبىّ قبر اُمّه فی ألف مقنَّع فلم یر باکیاً اکثر من یومئذ .[8]

علىّ بن الحسین عن أبیه: أنّ فاطمة بنت النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم کانت تزور قبر عمّها حمزة کلّ جمعة فتصلّی و تبکی عنده.[9]

عن ابى مویهبة مولى رسولِ اللّه صلّى اللّه علیه و آله قال: اُمِرَ رسولُ اللّه أن یصلّی على أهل البقیع فصلّى علیهم رسول اللّه لیلاً ثلاث مرات.[10]

عن عمر بن الخطاب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم خرج إلى البقیع ـ بقیع الغرقد ـ فقال: السلام على أهل الدّیار من المسلمین و المؤمنین، و رحم اللّه المستقدمین و انّا ان شاء اللّه لاحقون ـ یعنی بکم ـ.[11]

عن عائشة أنّ النبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم قبّل عثمان بن مظعون و هو میّت و هو یبکی قال: و عیناه تهرقان.[12]

عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله و عائشة: انّ أبابکر الصدّیق قبّل النبیّ صلّی الله علیه وآله وهو میّت[13]

فإذا کان یجوز تقبیل جسد المیّت، وَلا یکون ذلک شرکاً، و لا بدعة، فلماذا لا یجوز تقبیل ضریح النبیّ أو الأئمة من أهل بیته؟

و إذا کنّا نعمّر قبر رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله و الأئمة من أهل بیته أو غیرهم من أولیاء اللّه، و نعلّم علیها بعلامة، أو نکتب أسماءهم على قبورهم، و نبنی علیها أبنیة وقباباً، فإنّنا لا نفعل ذلک بقصد عبادة القبور أو عبادة أصحابها الراقدین فیها، بل نهدف من هذا العمل الى أمرین:

الهدف الأوّل: هو تثمین تصحیاتِ اولئک الرجال الصّالحین الالهین فی سبیل الدفاع عن الاسلام و السعی فی إعلاء کلمة التوحید.

و إنّنا نعمل هذا العمل حتى یتشجّع الآخرون و یعلموا أنّ تضحیاتِ الرجال الصالحین، و أعمالهم الحسنة لا تُنْسى أبداً، بل تَلقى تقدیرَ الجمیع دائماً و أبداً.

الهدف الثانی: هو أنّنا نرید أن تبقى آثار الرجال الصالحین، من خیرة اللّه و صفوته و أسماؤهم باقیةً خالدةً، تنجذب نحوها القلوبُ، یزور المحبّون قبورهم و مراقدهم الطاهرة عبر القرون و الأعوام، و یستلهمون من أقوالهم و أعمالهم برنامج حیاتهم و عملهم، و یجدّون و یجتهدون فی مواصلة أهدافهم، و تحقیق أمنیاتهم العظیمة.

إنّ إصلاح و تعمیر القبول و التعلیم علیها بعلامة و کتابة أسماء اصحابها علیها، کانت من الأُمور الرائجة منذ أقدم العصور و لا تزال و قد اهتمّ النبی (صلى الله علیه و آله) و بعض أصحابه بذلک أیضاً.

فقد ذکر فی أحوال عثمان بن مظعون: و أعلمَ النبی صلى الله علیه و آله وسلّم على قبره بحجر و کان یزوره.[14]

و روى ابن ابی شبة عن ابی جعفر قال: أنّ فاطمة بنت رسول الله صلّى الله علیه و آله کانت تزور قبر حمزة، ترمّه و تصلحه، و قد تعلّمته بحجر، و فی روایة اخرى عن علی بن الحسین و زاد: فتصلی هناک و تبکی حتى ماتت.[15]

و لقد دُفِنَ جسدُ النبی المطهّر صلّى الله علیه و آله فی حجرة عائشة مع أنّه کان هناک بناء، و لم یستنکر أحدٌ من الصّحابة ذلک، و لم یقولوا: هدِّموا البناء بعدما دفنتم فیه رسول الله، بل دفن من بعده إثنان من صحابته الکبار: أبو بکر و عمر فی نفس ذلک المکان المسقوف، و لم یعترض أحد على ذلک قطّ.

و لو کان هذا جائزاً فی حقّ رسول الله فهو جائز فی حقّ سائر أولیاء الله أیضاً.

و أساساً إنّ تعمیر قبور الأئمة، و مراقد قادة الدین و إصلاحها، و تشیید القباب و الأبنیة علیها کان متعارفاً بین المسلمین فی جمیع البلاد الاسلامیة منذ أقدم الازمنة، و لم یعترض أحد على ذلک، و لم یقلْ بأنه شرک أو بدعة.

نحن نقیم الاحتفالات فی ذکریات موالید النبی و سائر الأئمة من أهل البیت النبویّ، و نتّخذ الزینة، و نعلّق الأضواء والمصابیح الملوّنة، و نلقی القصائد و الاشعار فی مدیحهم، و نقرأ الأحادیث التی تتضمّن مناقبهم و فضائلهم، و نکرّمهم و نجلّهم، و بهذه الطریقة نحیی فی النفوس ذکرى اُولئک الرجال الابرار، و الصفوة الأخیار، و نخلّدها فی القلوب و الأفئدة، و نحافظ على إیمانها بهم، و هذا نوعٌ من تعظیم الشعائر الذی عدّ ـ فی القرآن الکریم ـ من علائم التقوى. «ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ».[16]

إنَّ هذا العَمَل لیس بدعة، و لا عبادة للأموات.. ألا یحتفل الناسُ بموالید أنفسهم أو أولادهم أو عظمائهم، فهل یقول أحد: هذا العمل شرکٌ أو بدعة؟

إنّنا نقیم مجالس العزاء فی مناسبة وفاة النبیّ، او وفیات الأئمة من أهل بیته، و ننشد لهم المراثی، و نبکی لمصائبهم، و نذرف الدموع على ما ألمَّ بهم من مِحَن، و بهذه الطریقة نُکبّر تضحیاتهم من جانب، کما نحتفظ من جانب آخر بذکریاتهم فی أفئدة النّاس حیّةً مثل جمیع أبناء الشعوب التی تقیم المآتم عند فقدان ذوبهم، و یبکون علیهم، فهل یمکن أن یُقال بأنّ هذه الأعمال شرک و بدعة؟

إنّ رسول الله لم ینه عن مراسم العزاء و عن النَّوح على شهداء «اُحُد» فحسب، بل و أبدی أسفه من عدم وجود مأتم لعمّه حمزة.

قال المؤرّخون: و لما عاد النبىّ صلى الله علیه و آله إلى المدینة سمع النوح على قتلی الأنصار. قال: لکنَّ حَمْزةَ لا بَواکیَ لَهُ، فسمع الأنصار فأمروا نساءَهم أن یندبن حمزة قبل قتلاهم ففعلن. قال الواقدی: فلم یزلن یندبنَ بالندب لحمزة حتى الآن.[17]

نحن نعتقد بالشفاعة.... نعتقد بأنّ رسول الله و أئمة أهل البیت و سائر الأنبیاء و الشهداء بل و العلماء و المؤمنین الصالحین یستطیعون أن یشفعوا للآخرین، و لکنّنا نعلم أنّ الأنبیاء و أئمة أهل البیت بَشَرٌ لا یمتلکون من لدن أنفسِهم استقلالاً، و لا قدرة ذاتیّة... إنّهم مثل جمیع الموجودات الاُخرى محتاجون فی جمیع اُمورهم إلى الله الغنی، و لا یمکنهم أنْ یعملوا عَمَلاً من دون إذنه و إجازته، و بناءً على هذا إنّما یمکنهم الشفاعة إذا أذِن الله لهم.

قال لی القرآن الکریم:

«قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِیعاً لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ».[18]

«مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ».[19]

«یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلاً».[20]

هذه الآیات و نظائرها تفید أنّ أمر الشفاعة و إن کان بیدالله سبحانه و لکن یجوز لأشخاص آخرین أیضاً أن یشفعوا بإذنه، و تقبل شفاعتهم و من هؤلاء: رسول الله صلّى الله علیه و آله... و هناک أحادیث کثیرة وردت فی کتب الحدیث، و حتى الصِّحاح فی هذا المجال، و منها على سبیل المثال:

أنس بن مالک عن رسول الله صلّى الله علیه و آله: أنا أوّل الناس یشفع فی الجنّة و أنا أکثر الأنبیاء تبعاً.[21]

عن أبی هریرة عن رسول الله صلى الله علیه و آله أنّه قال: لکلّ نبی دعوة مستجابة یدعو بها فیستجاب له فیؤتاها، و انّی اختبأت دعوتی شفاعة لاُمّتی یوم القیامة.[22]

إنّ النبی صلى الله علیه و آله و ان کان یخبر فی هذه الأحادیث عن شفاعته یوم القیامة، و لکنّ ذلک لا یختصّ به فحسب، لأنّ الشفاعة نوع من الدُّعاء، و قد دعا رسولُ الله (صلّى الله علیه و آله) فی حیاته لبعض الاشخاص، و قد اُجیبت دعوته، و قد ذُکِرت بعض هذه الموارد فی الکتب المعروفة، من جملتها دعاؤُه فی حق أنس حیث قال: اللّهم أکثِر مالَه و ولدهُ، و بارِکْ له فیما آتیته. فاجاب الله دعوته.[23]

و بناءً على هذا لا مانع من طلب الشفاعة و الدعاء من النبی و الأئمة، و لیس ذلک شرکاً، و لا بدعة.

إنّهم و إن کانوا أصحاب مقام رفیع، و تُقبَل شفاعتهم و یستجاب دعاؤهم، و لکنّهم لا یمتلکون استقلالاً أمام الله ولا یقومون بعمل من دون إذن الله قط.

نحن نرید منهم أنْ یدعوا لنا، فإن کانوا مأذونین من جانبِ الله فعلوا ذلک، و إنْ لم یکونوا مأذونین لم یستجیبوا لنا و لطلبنا. و حیاتهم و مماتهم غیر مؤثّرین فی هذا الجانب أبداً، لأننا نعتبر روح الانسان موجوداً مجرّداً عن المادّة و آثارها، فلا تفنی الروح بالموت، بل تنتقل من هذا العالم إلى عالم البرزخ، ثم إلى عالم الآخرة.

و على هذا الاساس فإنّ أرواح النبی الأکرم و الأئمة الأطهار، و أرواح أولیاء الدین المقدسة تبقی حیَّة بعد الموت، و تواصل حیاتها فی عالم البرزخ، و بالنظر إلى درجتهم الوجودیة الرفیعة یعرفون بما یجری من الحوادث فی العالم الدنیوی من أعمال الناس و ما یقومون به من افاعیل.

و قد وردت الاشارة إلى هذا المطلب فی الاحادیث الشریفة أیضاً.

و على سبیل المثال: قال رسول الله صلّى الله علیه و آله: حَیاتی خیرٌ لکمْ تحدّثون و تحدثُ لکم، و وفاتی خیرٌ لکم تُعرضُ علّى أعمالُکم، فما رأیتُ من خیرٍ حمدتُ الله علیه، و ما رأیت من شرّ استغفرتُ الله لکم.[24]

و علی هذا الأساس فإنّ طلب الدعاء و الشفاعة من رسول الله و أئمة أهل البیت أمر مشروع و مفید، لا هو بشرک و لا ببدعة، و لا بلغوٍ أبداً.

فکِّروا و اجیبوا

1 ـ کیف نکافح الشرک؟

2 ـ هل زیارة قبر النبىّ و الأئمة شرک؟ و لماذا؟

3 ـ لماذا نعمّر قبور النبىّ والائمة مراقدهم؟

4 ـ ما هو المقصود من إقامتنا مراسم میلاد النبی الاکرم صلى الله علیه و آله؟

5 ـ هل طلب الشفاعة من النبی و الأئمة شرک؟

6 ـ احفظوا الآیات و الأحادیث.

 


[7] المستدرک على الصححین ج 1 ص 376.
[8] المستدرک على الصحیحین ج 1، ص 375.
[9] المستدرک على الصحیحین ج 1، ص 377.
[10] مجمع الزوائد ج 3، ص 59.
[11] مجمع الزوائد ج 3،ص 60.
[12] المستدرک على الصحیحین ج 1، ص 361، اسد الغابة ج 3، ص 386.
[13] المستدرک ج 1، ص 361.
[14] أسد الغابة،  ج3، ص387.
[15]  وفاءالوفاء، ج3، ص932.
[16] الحج ـ 32.
[17] اسد الغابة، ج2، ص48.
[18] الزمر ـ 44.
[19] البقره ـ 255.
[20] طه ـ 109.
[21] صحیح مسلم ج1 ص188.
[22] صحیح مسلم، ج1 ص189.
[23] نسیم الریاض فی شرح الشفاء للقاضی عیاض ج3 ص114.
[24] مجمع الزوائد، ج9ص24.