پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

عالم الغيب، عالم الشهادة


عالم الشهادة:

الغیب هو عکس الشهود ، و عالم ماوراء الحواس الخمس ، فکلّ ما تدرکه الحواس یعدّ شهوداً ، فالمادّة و خواصها و کل ماهو قابل للأدراک من الموادّ ذاتها أو خواصها و صفاتها تنطوی تحت عالم الشهادة ، و هی اما مرئیة تدرک بالأبصار أو سمعیة تدرک من خلال الأسماع، أو رائحة تدرک بحاسة الشمّ ، أو لها طعم تدرک من خلال حاسة الذوق ، أو لمسیة تدرک باللمس حتی الطاقة الکهر بائیة و الذرة و الجراثیم و غیرها هی الاُخری تعدّ من عالم الشهادة حتی و إن تعذّرت الحواس من الإحاطة بها لأنّها قابلة للرؤیة و إن تعذرت بسبب صغرها المتناهی فلو أمکننا صنع أجهزة تکبیر فائقة لأمکن رؤیتها ، و إذن فهی قابلة للرؤیة.

ومن هنا فإن بعض الموادّ وإن تعذّرت رؤیتها أو الإحاطة بها من خلال إحدی الحواس إلّا انها لا تعدّ جزءاً من عالم الغیب ، لآن الإنسان مرکّب بطریقة محدودة أی ان لحواسّه قابلیات محدودة ؛ ومن المحتمل جدّاً وجودحیوانات تفوق الإنسان فی قابلیتها للسمع والرؤیة و الشمّ.

کما إن إدراک آثار تلک الأشیاء وصفاتها یجعلها بالتالی ضمن عالم الشهود.

 


عالم الغیب:

وتنطوی فیه کل مالاتدرکه الحواس بذاته أو صفاته من قبیل یوم المعاد والقیامة الجنّة ، الجحیم ، الثواب ، و الجزاء فی الآخرة ، صفات الله ، و الملائکة ، فکل هذه الأشیاء وغیرها ممّا لاتدرکه الحواس هو جزء من الغیب.

اننا لا یمکننا رؤیة الملائکة لأنّها خارجة عن حواسنا ، ل الأنّها صغیرة متناهیة الصغر ولا لأنّها شفافة بالغة الشفافیة ، بل لأنّها موجودات أسمی من الحواس و هی خارج إدراکاتنا المحدودة لأننا موجودات زمانیة و هی موجودات خارج الزمان ، و إذن فکلّ الموجودات التی لایمکن للحواس الشریة إدراکها هی جزء من عالم الغیب ، و لاطریق لإدراکها إلّا بالعقل وإرشاد من اطّلع علی علم الغیب و من خلال الایمان و العقیدة الدینیة ، و هو من قبیل الایمان بالجنة و الاعتقاد بالجحیم.

فنحن لا نملک عن عالم الغیب سوی سلسلة من الفاهیم و الصور العلیمة التی لایمکن تصوّرها والإحاطة بها ، لا لقصور ذاتی فیها بل لعجز حواسّنا عن إدراکها ، و إذن یمکن القول اننا نحن الذین نعیش حالة الغیاب عن حقائق العالم و حقیقته.

علی ان إدراکنا للأجسام و خواصّها یأتی بسبب التناسب بینها وبین حواسنا ؛ وبتعبیر آخر بسبب توحّد سنخیتها ، فمثلا ً إننا لا ندرک طاهرة مادّیة ما إلّا فی ذات الزمن الذی توجد فیه ، فحادثة وقعت قبل إلفی سنة أو بعد ألفی سنة لایمکن لحواسنا إدراکها کما اننا لاندرک بصریاً ًالأشیاء التی تقع خارج مدیات الرؤیة.

وقد نری أشیاء بعیدة جدا ً باستخدام النواظیر المقرّبة و هی آلات تعزّز من قدرة الرؤیة لدینا ؛ أو اننا لاندرک وجود الأشیاء مع قربها لوجود حواجز بیننا وبینهما وقد یمکننا اختراع آلات معینة من شأنها رفع هذا الحاجز وتجعله عدیم التأثیر.

والخلاصة فإن مدیات الحواس و طبیعة أدراکها هی الاخری محدودة و مشروطة و خاضعة لدائرة معینة لایمکنها أن تتجاوزها إلی نطاق مطلق أو بلاقید أو شرط.

 

الغیب و الشهود:

ان الحوادث التی تعد غیبا ً بالنسبة لحواسنا هی بالنسبة لخالق العالم شهادة و حضور ، ذلک ان وجودة لاتحدّه حدود بل هو محیط بما خلق ، خارج عن اطار الزمان ، لأنّه خالق الزمان و المکان ، و لا معنی عنده للماضی و الحاضر والمستقبل.

وإذن فالطوفان الذی أغرق العالم زمن نوح هو بالنسبة لدینا من عالم الغیب و لکنه بالنسبة للّه وحضور و شهود ، و الحوادث التی ستقع بعد مئه ألف سنة هی غیب بالنسبة لنا و حضور بالنسبة لله ، و کذا الجنّة و الجحیم.

والخلاصة فإن العلوم التی نکتسبها من خلال الحواس الخمس لاتعدّ جزءا ً من العلم بالغیب ، أماالمعارف التی نحصل علیها خارج إطار الحواس فهی من عالم الغیب.

وبتعبیر آخر إن البراهین العقلیة أثبتت فی محلّها ان کل الحوادث و الظواهر فی عالم المادّة لا تفنی و أنها تحقق بشکل أکمل فی عالم آخر ، عالم غیر مرئی ، عالم هو أسمی من العالم الذی نحیا فیه و إذن فالأنسان الذی یستخدم حواسّه حتی یمکنه إدراک ظواهرالأشیاء ویجد طریقه إلی عالم الواقع ، فإن هذا العلم لایعد علما ً للغیب ، إمّا إذا أعمل بصیرته و شاهد الملکوت و حقائق الأشیاء وطوی طریق الباطن و مرحلة الکمال و لم یکن لحواسه فی ذلک من دور فإن علما ً کهذا هو علم للغیب.

الغیب و الشهادة فی القرآن

استخدم القرآن مصطلح الغیب فی مقابل الشهادة کما فی قوله تعالی:

«عالم الغیب و الشهادة و هو الحکیم الخبیر»(1).

«عالم الغیب و الشهادة الکبیر المتعال»(2).

«ثم تردّون إلی عالم الغیب و الشهادة فینبئکم بما کنتم تعملون»(3).

«عالم الغیب و الشهادة أنت تحکم بین عبادک»(4).

کما أشار إلی مرتبتین وجودیتین حیث مرحلة الباطن هی الغیب و هو من مختصات الله سبحانه:

«ولله غیب السموات و الأرض»(5).

«ان الله یعلم غیب السموات و الأرض»(6).

«انی أعلم غیب السموات و الأرض»(7).

کما عدّ القرآن الحوادث الماضیة من أنباء الغیب کقوله تعالی:

«ذلک من أنباء الغیب نوحیه الیک»(8).

«ذلک من أنباء الغیب نوحیه إلیک»(9) وقد جاءت هذه الآیة فی معرض الحدیث عن قصة یوسف (علیه السلام) «تلک من أنباءالغیب نوحیهاالیک»(10). وهذه فی معرض الحدیث عن حوادث و قعت فی زمن نوح (علیه السلام) «أن لوکانوا یعلمون الغیب ما لبثوافی العذاب المهین» (11).

وهؤلاء کانوا الجن سخّروا للعمل فی خدمة سلیمان (علیه السلام)

 

(1)الانعام الآیة(73)
(2)الرعد الآیة (9)
(3)الجمعة الآیة (8)
(4)الزمر الآیة (46)
(5)هود الآیة (123)
(6)الحجرات الآیة (18)
(7)البقرة الآیة (33)
(8)آل عمران الآیة (44)
(9)یوسف الآیة (102)
(10)هود الآیة(49)
(11)سبأ الآیة (14)