پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الامام الحادي عشر الامام الحسن العسكري عليه‌‏السلام

الولادة والشهادة

ولد الامام الحسن العسکری علیه‌‏السلام فی الثامن من ربیع الثانی سنة ثلاثمئة واثنتین وثلاثین هجریة فی المدینة المنورة.

اسمه الحسن واسم أبیه علی بن محمد واسم والدته حدیث أو سوسن.

کنیته أبو محمد ومن ألقابه: الصامت ، الهادی ، الرفیق ، الزکی ، النقی ، الخالص والعسکری.

لبّى نداء ربّه فی الثامن من ربیع الثانی سنة 260 ه فی مدینة « سرّ من رأى » التی تدعى حالیاً « سامراء » ووری جثمانه الثرى إلى جنب والده الامام علی بن محمد الهادی فیکون عمره حین وفاته ثمانیة وعشرین عاماً ومدّة امامته ست سنوات[524].

النصوص على امامته

وکما أشرنا فی ما مضى نکتفی هنا بالاشارة الى الأدلّة الخاصّة فی
اثبات امامة الحسن العسکری بالرغم من وجود أدلّة عامّة تثبت له الامامة.

روى أبو هاشم الجعفری داود بن القاسم قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسکر ( الساکن فی مدینة سامراء ) یقول:

ـ الخلف ( فی الامامة ) من بعدی ابنی الحسن فکیف لکم بالخلف بعد الخلف؟

فقلت:

ـ ولم جعلنی اللّه‏ فداک؟

فقال:

ـ لأنکم لا ترون شخصه ولا یحلّ لکم ذکره باسمه.

قلت:

ـ فکیف نذکره؟

قال:

ـ قولوا الحجة من آل محمد صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله[525].

وروى السید عبدالعظیم بن عبداللّه‏ الحسنی قال:

دخلت على سیدی ومولاى علی بن محمد فلما أبصرنی قال لی:

مرحباً بک یا أبا القاسم أنت ولینا حقاً.

فقلت له:

یابن رسول اللّه‏ إنی ارید أن أعرض علیک دینی فان کان مرضیّاً ثبتُّ علیه حتى ألقى اللّه‏ عزوجل.

فقال علیه‌‏السلام:

هات یا أبا القاسم.

فقلت:

انی أقول: ان اللّه‏ تبارک وتعالى واحد ولیس کمثله شیء خارج من الحدّین حد الابطال وحد التشبیه وانه لیس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل ( هو ) مجسّم الأجسام ومصوّر الصور وخالق الاعراض والجواهر وربک کلّ شیء ومالکه وجاعله ومحدثه.

وان محمّداً عبده ورسوله وخاتم النبیین فلا نبی بعده الى یوم القیامة وان شریعته خاتمة الشرایع فلا شریعة بعدها الى یوم القیامة.

وان الامام والخلیفة وولی الأمر بعده أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب ثمّ الحسن ثمّ الحسین ثمّ علی بن الحسین ثمّ محمد بن علی ثمّ جعفر بن محمد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علی بن موسى ثمّ محمد بن علی علیه‌‏السلام ثمّ أنت یا مولاى.

فقال علیه‌‏السلام:

ومن بعدی الحسن فکیف للناس بالخلف من بعده؟

فقلت:

وکیف ذلک یا مولای؟

قال علیه‌‏السلام:

لأنه لا یرى شخصه ولا یحل ذکره باسمه حتى یخرج فمیلأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.

فقلت:

أقررت وأقول ان ولیهم ولی اللّه‏ وعدوهم عدو اللّه‏ وطاعتهم طاعة اللّه‏ ومعصیتهم معصیة اللّه‏ وأقول: ان المعراج حق والمسألة فی القبر حق وأن الجنّة حق والنار حق والصراط حق والمیزان حق وأنّ الساعة آتیة لا ریب فیها وأنّ اللّه‏ یبعث من فی القبور.

وأقول: ان الفرائض الواجة بعد الولایة: الصلاة والزکاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

فقال الامام علی بن محمد علیه‌‏السلام:

یا أبا القاسم ! هذا واللّه‏ دین اللّه‏ الذی ارتضاه لعباده فاثبت علیه ثبتک اللّه‏ بالقول الثابت فی الحیاة الدنیا والآخرة[526].

وروى أبو هاشم الجعفری قال: سمعت أبا الحسن علیه‌‏السلام یقول:

ـ الخلف من بعدی الحسن ، فکیف لکم بالخلف من بعد الخلف؟

فقلت:

ـ ولمَ جعلنی اللّه‏ فداک؟

فقال:

ـ لأنکم لا ترون شخصه ولا یحلّ لکم ذکره باسمه.

قلت:

ـ فکیف نذکره؟

قال:

ـ قولوا: الحجة من آل محمّد صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله[527].

وروى الصقر بن أبی دلف الکرخی قال:

لما حمل المتوکل سیدنا أبا الحسن العسکری علیه‌‏السلام ( لما أمر باحضاره الى سامراء ) جئت أسأل عن خبره ( استقصی أخباره ).

فنظر إلی الزراقی و کان حاجبا للمتوکل ، فأمر أن أدخل علیه ( لمقابلته ) فأدخلت إلیه فقال ( الزرابی الحاجب ):

ـ یا صقر ما شأنک؟

فقلت:

ـ خیراً أیها الأستاذ.

فقال:

ـ اقعد.

فأخذنی ما تقدم و ما تأخر ( انتابتنی الهواجس حول مصیری ).

وقلت ( فی نفسی ):

ـ أخطأت فی المجیء.

فوحى ( الزرافی ) الناس عنه ( صرفهم ) ثم قال لی:

ـ ما شأنک وفیم جئت؟

قلت: لخیر ما.

فقال:

ـ لعلک تسأل عن خبر مولاک؟

فقلت له:

ـ ومن مولای؟ مولای أمیر المؤنین ( الخلیفة المتوکل ).

فقال:

ـ اسکت ! مولاک هو الحق فلا تحتشمنی ( لا تخف منی ) فإنی على مذهبک ( فی الولاء لأهل البیت علیهم‌‏السلام ).

فقلت:

ـ الحمد للّه‏.

قال: أتحب أن تراه؟

قلت:

ـ نعم.

قال:

ـ اجلس حتى یخرج صاحب البرید ( رجل الاستخبارات ) من عنده.

فجلست فلما خرج ( صاحب البرید ) قال ( الزرافی ) لغلام له:

ـ خذ بید الصقر وأدخله إلى الحجرة التی فیها العلوی المحبوس وخل بینه وبینه ( لا تحضر لقاءهما ).

فأدخلنی ( الغلام ) إلى الحجرة و أومأ إلى بیت ( أشار الى حجرة ) فدخلت فإذا هو ( الامام علی الهادى علیه‌‏السلام ) جالس على صدر حصیر وبحذاه ( بقربه ) قبر محفور.

فسلمت فرد فردّ علیّ ( السلام ) ثم أمرنی بالجلوس على صدر الحصیر ثم قال لی:

ـ یا صقر ما أتى بک؟

قلت:

ـ سیدی جئت أتعرف خبرک؟

ثم نظرت إلى القبر ( المحفور ) فبکیت فنظر إلیّ فقال:

ـ یا صقر لا علیک لن یصلوا إلینا بسوء ( لن یکون هذا قبری ).

فقلت: الحمد للّه‏.

ثم قلت: یا سیدی حدیث یروى عن النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله لا أعرف معناه؟

قال علیه‌‏السلام:

ـ وما هو؟

فقلت:

ـ قوله صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله « لا تعادوا الأیام فتعادیکم » ما معناه؟

فقال علیه‌‏السلام:

ـ نعم الأیام نحن ما قامت السماوات والأ رض فالسبت اسم رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله والأحد کنایة عن أمیرالمؤنین والإثنین الحسن والحسین والثلاثاء علی بن الحسین ومحمد بن علی وجعفر بن محمد والأربعاء موسى بن جعفر وعلی بن موسى ومحمد بن علی وأنا والخمیس ابنی الحسن بن علی والجمعة ابن ابنی ( المهدی ) وإلیه تجتمع عصابة ( رجال ) الحق وهو الذی یملأها ( الأرض ) قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.

فهذا معنى الأیام فلا تعادوهم فی الدنیا فیعادوکم فی الآخرة.

ثم قال علیه‌‏السلام:

ودّع واخرج فلا آمن علیک ( من الاعتقال )[528].

وروى أیضاً انه سمع من الامام علی الهادی قوله: الامام من بعدی ابنی الحسن وبعد الحسن ابنه القائم الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً[529].

وروى یحیى بن یسار العنبری قال: أوصى أبو الحسن علی بن محمد الى ابنه الحسن علیه‌‏السلام قبل مضیه ( وفاته ) بأربعة أشهر وأشار الیه بالأمر من بعد واشهدنی على ذلک ( واشهد أیضاً ) جماعة من الموالی ( أنصار أهل البیت علیهم‌‏السلام )[530].

وروى علی بن عمر النوفلی قال: کنت مع أبی الحسن علیه‌‏السلام فی صحن داره فمرّ بنا محمد ابنه ( توفی فی حیاة أبیه علیه‌‏السلام ) فقلت:

جعلت فداک هذا صاحبنا بعدک؟

فقال علیه‌‏السلام:

لا صاحبکم بعدی الحسن[531].

وروى عبداللّه‏ بن محمد الاصبهانی قال: قال أبو الحسن علیه‌‏السلام:

صاحبکم بعدی الذی یصلی علیّ.

قال الراوی: ولم نکن نعرف أبا محمد الحسن قبل ذلک فخرج أبو
محمد بعد وفاته ( الامام علی الهادی علیه‌‏السلام ) فصلّى علیه[532].

وروى علی بن جعفر قال: کنت حاضراً أبا الحسن لما توفی ابنه محمد فقال للحسن:

ـ یا بنی ! احدث للّه‏ شکراً فقد احدث فیک أمراً ( اختارک للامامة )[533].

وقال أحمد بن عبداللّه‏ بن مروان الانباری: کنت حاضراً عند مضی أبی جعفر محمد بن علی فجاء أبو الحسن فوضع له کرسی فجلس علیه وحوله أهل بیته وأبو محمد ابنه قائم فی ناحیة فلما فرغ ( من مراسم العزاء ) من أمر أبی جعفر التفت الى محمد ( الحسن العسکری ) فقال:

ـ یا بنی أحدث للّه‏ شکراً فقد أحدث فیک أمراً[534].

وروى علی بن مهزیار قال: قلت لأبی الحسن علیه‌‏السلام:

ـ إن کان کون ( وفاتک ) وأعوذ باللّه‏ فالى من؟

قال علیه‌‏السلام:

ـ عهدی الى الأکبر من ولدی.

( وکان ) یعنی الحسن علیه‌‏السلام.

وروى علی بن عمرو العطار قال: دخلت على أبی الحسن علیه‌‏السلام وابنه أبو جعفر ( محمد ) یحیا ( حیّ ) وأنا أظنه انه هو الخلف ( الامام ) من بعده
فقلت:

جعلت فداک من أخص من ولدک؟

فقال علیه‌‏السلام:

لا تخصّوا أحداً حتّى یخرج الیکم أمری.

فکتبت ( رسالة ) بعد ( ذلک ) فیمن یکون هذا الأمر ( أمر الامامة )؟

فکتب الیّ:

فی الأکبر من ولدی.

وکان أبو محمد أکبر من جعفر[535].

وکان أبو محمد أکبر من جعفر ( کان للامام الهادی ثلاثة أولاد محمد وقد توفی فی عهد والده والحسن وجعفر ).

وروى سعد بن عبد اللّه‏ عن جماعة من بنی هاشم منهم الحسن بن الحسین الأفطس أنهم حضروا یوم توفی محمد بن علی بن محمد ( الجواد ) دار أبی الحسن علیه‌‏السلام یعزونه وقد بسط له فی صحن داره والناس جلوس حوله.

فقالوا: قدرنا أن یکون حوله من آل أبی طالب وبنی هاشم وقریش مائة وخمسون رجلاً سوى موالیه وسائر الناس إذ نظر ( الامام علی الهادی علیه‌‏السلام ) إلى الحسن بن علی علیه‌‏السلام وقد جاء مشقوق الجیب حتى قام عن یمینه و نحن لا نعرفه فنظر إلیه أبو الحسن علیه‌‏السلام بعد ساعة من قیامه ثمّ قال له:

یا بنی أحدث للّه‏ عزو جل شکرا فقد أحدث فیک أمراً.

فبکى الحسن واسترجع ( قال: إنّا للّه‏ وإنّا إلیه راجعون ).

وقال الحسن علیه‌‏السلام:

الحمد للّه‏ رب العالمین وأنا أسأل اللّه‏ تمام نعمه علینا إنا للّه‏ و إنا إلیه راجعون.

فسألنا عنه؟ فقیل: هذا الحسن ابنه ( ابن الامام ).

فقدرنا له ( من العمر ) فی ذلک الوقت عشرین سنة ونحوها ، فیومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إلیه بالإمامة وأقامه مقامه[536].

وقال محمد بن یحیى: دخلت على أبی الحسن بعد مضی ( وفاة ) أبی جعفر فغزیته عنه وأبو محمد ( الحسن ) جالس فبکى أبو محمد فأقبل علیه أبو الحسن علیه‌‏السلام فقال:

ان اللّه‏ تعالى قد جعل فیک خلفاً منه فأحمد اللّه‏ عزوجل[537].

وقال شاهویة بن عبداللّه‏: کتبت الیّ ابو الحسن علیه‌‏السلام فی کتاب:

أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبی جعفر وقلقت لذلک فلا تقلق فان اللّه‏ لا یضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى یتبین لهم ما یتقون. صاحبک أبو محمد ابنی وعنده ما تحتاجون الیه یقدّم اللّه‏ ما یشاء ویؤخّر ما یشاء « ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْنُنْسِها نَأْتِ بِخَیْرٍ مِنْها أَوْمِثْلِها »[538].

فضائله ومکارم أخلاقه

قال الشیخ المفید رحمه‏الله: وکان الامام بعد أبی الحسن علی بن محمد علیه‌‏السلام أبا محمد الحسن بن علی لاجتماع خلال ( خصال وصفات ) الفضل فیه وتقدّمه على کافة أهل عصره فیما یوجب له الامامة ویقتضی له الرئاسة من العلم والزهد وکمال العقل والعصمة والشجاعة والکرم وکثرة الأعمال المقربة الى اللّه‏ ثم لنص أبیه علیه‌‏السلام علیه واشارته بالخلافة الیه[539].

روى الحسین بن محمد الأشعری ومحمد بن یحیى وآخرون قالوا: حضرنا فی شعبان سنة ثمان وسبعین ومائتین وذلک بعد مضی أبی محمد الحسن بن علی العسکری علیه‌‏السلام بثمانیة عشرة سنة أو أکثر مجلس أحمد بن عبید اللّه‏ بن خاقان وهو عامل السلطان یومئذ على الخراج والضیاع بکورة قم وکان من أنصب خلق اللّه‏ وأشدهم عداوة لهم.

فجرى ذکر المقیمین من آل أبی طالب بسر من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان فقال أحمد بن عبیداللّه‏ ما رأیت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلویة مثل الحسن بن علی بن محمد بن الرضا ولا سمعت به فی هدیه وسکونه وعفافه ونبله وکرمه عند أهل بیته والسلطان وجمیع بنی هاشم وتقدیمهم إیاه على ذوی السن منهم والخطر وکذلک القواد والوزراء والکتاب وعوام الناس.

وإنی کنت قائما ذات یوم على رأس أبی وهو یوم مجلسه للناس إذ دخل علیه حجابه فقالوا له: ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال: ائذنوا
له فدخل رجل أسمر أعین حسن القامة جمیل الوجه جید البدن حدث السن له جلالة وهیبة.

فلما نظر إلیه أبی قام فمشى إلیه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بنی هاشم ولا بالقواد ولا بأولیاء العهد فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه ومنکبیه وأخذ بیده وأجلسه على مصلاه الذی کان علیه وجلس إلى جنبه مقبلا علیه بوجهه وجعل یکلمه ویکنیه ویفدیه بنفسه وأبویه وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل علیه الحجاب فقالوا: الموفق قد جاء.

وکان الموفق إذا جاء ودخل على أبی تقدم حجابه وخاصة قواده فقاموا بین مجلس أبی وبین باب الدار سماطین إلى أن یدخل ویخرج فلم یزل أبی مقبلا علیه یحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حینئذ إذا شئت فقم جعلنی اللّه‏ فداک یا أبا محمد ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطین لئلا یراه الأمیر یعنی الموفق وقام أبی فعانقه وقبل وجهه ومضى.

فقلت لحجاب أبی وغلمانه ویلکم من هذا الذی فعل به‏أبی هذا الذی فعل فقالوا هذا رجل من العلویة یقال له الحسن بن علی یعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل یومی ذلک قلقا متفکرا فی أمره وأمرأبی وما رأیت منه حتى کان اللیل وکانت عادته أن یصلی العتمة ثم یجلس فینظر فیما یحتاج من المؤمرة وما یرفعه إلى السلطان.

فلما نظر وجلس جئت فجلست بین یدیه فقال یا أحمد ألک حاجة قلت نعم یا أبت إن أذنت سألتک عنها فقال قد أذنت لک یا بنی فقل ما
أحببت فقلت یا أبت من الرجل الذی رأى تک الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والإکرام والتبجیل وفدیته بنفسک وأبویک فقال یا بنی ذلک ابن الرضا ذاک امام الرافضة فسکت ساعة فقال یا بنی لو زالت الخلافة عن خلفاء بنی العباس ما استحقها أحد من بنی هاشم غیر هذا فإن هذا یستحقها فی فضله وعفافه وهدیه وصیانة نفسه وزهده وعبادته وجمیل أخلاقه وصلاحه ولو رأیت أباه لرأیت رجلا جلیلا نبیلا خیرا فاضلا.

فازددت قلقا وتفکرا وغیظا على أبی مما سمعت منه فیه ولم یکن لی همة بعد ذلک إلا السؤل عن خبره والبحث عن أمره فما سألت عنه أحدا من بنی هاشم والقواد والکتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم فی غایة الإجلال والإعظام والمحل الر فیع والقول الجمیل والتقدیم له على أهل بیته ومشایخه وغیرهم وکل یقوله: إمام الرافضة فعظم قدره عندی إذ لم أر له ولیا ولا عدوا إلا وهو یحسن القول فیه والثناء علیه[540].

وروى محمد بن اسماعیل بن ابراهیم بن موسى بن جعفر قال: دخل العباسیین على صالح بن وصیف عند ما حبس أبو محمد علیه‌‏السلام فقالوا:

ـ ضیق علیه ( السجن والحبس ) ولا توسع !

فقال لهم صالح:

ما اصنع به قد وکّلت به رجلین شرّ من قدرت علیه فقد صارا من العبادة والصلاة والصیام الى أمر عظیم.

ثم أمر باحضار الموکلین فقال لهما:

ویحکما ما شأنکما فی أمر هذا الرجل؟

فقالا له:

ما تقول فی رجل یصوم النهار ویقوم اللیل کله لا یتکلم ولا یتشاغل بغیر العبادة فاذا نظر الینا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملکه من أنفسنا.

فلما سمع ذلک العباسیون انصرفوا خاسئین[541].

وقال أبو هاشم الجعفری: شکوت الى أبی محمد ضیق الحبس وکلب ( کلاب ) القید فکتب الیّ:

أنت مصلّی الیوم الظهر فی منزلک.

فأخرجت ( اطلقت ) وقت الظهر فصلیت فی منزلی کما قال علیه‌‏السلام وکنت مضیقاً ( محتاجاً للمال ) فأردت أن أطلب منه معونة فی الکتاب الذی کتبته فاستحییت.

فلما صرت الى منزلی وجه لی بمئة دینار وکتب الیّ:

اذا کانت لک حاجة فلا تستح ولا تحتشم واطلبها تأتک على ما تحب إن شاء اللّه‏[542].

وروى محمد بن أبی الزعفرانی عن ام أبی محمد ( ام الامام الحسن علیه‌‏السلام ) قالت: قال لی ( الامام ) یوماً من الأیام:

ـ تصیبنی فی سنة ستین ومئتین حزازة أخاف أن انکب منها نکبة.

وأظهرت الجزع وأخذنی البکاء فقال:

ـ لابد من وقوع أمر اللّه‏ لا تجزعی.

فلما کان فی صفر سنة ستین ( ومئتین ) أخذها المقیم والمقعد ( کانت أم الامام یومئذٍ فی المدینة المنورة ) وجعلت تخرج فی الاحایین الى خارج المدینة وتجسس الأخبار ( تسأل عن أخبار سامراء وأهلها ) حتى ورد علیها الخبر حین حبسه المعتمد فی یدی علی بن جرین وحبس جعفراً أخاه معه وکان المعتمد یسأل علیاً عن أخباره فی کل وقت فیخبره أنه یصوم النهار ویصلّی اللیل.

فسأله یوم من الأیام عن خبره فأخبره بمثل ذلک فقال ( الخلیفة المعتمد ) له:

امض الساعة إلیه واقرئه منی السلام وقل له انصرف الى منزلک مصاحباً.

قال علی بن جرین: فجئت الى باب الحبس فوجدت حماراً مسرجاً فدخلت علیه ( على الامام ) فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطیلسانه وشاشته فلما رآنی نهض فأدّیت الیه الرسالة ( الشفهیة ) فرکب فلما استوى على الحمار وقف فقلت له:

ـ ما وقوفک یا سیدی.

فقال علیه‌‏السلام:

ـ حتى یجیء جعفر.

فقلت:

ـ انما أمرنی باطلاقک دونه؟

فقال علیه‌‏السلام لی:

ـ ترجع الیه ( الخلیفة ) فتقول له: خرجنا من دار واحدة جمیعاً فاذا رجعت ولیس هو معی کان فی ذلک ما لا خفاء به علیک.

فمضى ( ابن جرین ) وعاد فقال له ( للامام علیه‌‏السلام ):

یقول لک ( الخلیفة ): قد اطلقت جعفراً لک لأنی حبسته على نفسه وعلیک وما یتکلم به.

وخلّى سبیله ( اطلق جعفراً ) فصار معه الى داره[543].

وروی ان رجلاً صادف الامام الحسن یوم کان صبیاً فرآه ینظر الى الأطفال یلعبون وعیناه تهملان الدموع فظن الرجل ان بکاءه بسبب ذلک فقال له: أنا اشتری لک ما تلعب به.

فقال له الحسن: یا هذا ما خُلقنا للعب.

فقال الرجل: فلأی شیء خُلقنا.

قال الحسن: للعلم والعبادة.

فقال الرجل: ومن أین لک هذا القول:

قال الحسن: ان اللّه‏ تعالى یقول: « أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً وَأَنَّکُمْ إِلَیْنا لا تُرْجَعُونَ ».

فطلب الرجل منه موعظة فانشده شعراً مؤثراً حول الحیاة والمصیر.

فقال الرجل: انک ما تزال صبیاً لم تکلّف بشیء فلماذا تخاف؟

فقال الحسن: انی رأیت امی اذا أوقدت النار بدأت بصغار العیدان فأضرمتها وأنا أخشى أن أکون مثل ذلک فی نار جهنم[544].

وروى محمد بن علی بن ابراهیم بن موسى بن جعفر قال: ضاق بنا الأمر ( أمر المعیشة ) فقال لی أبی:

امض بنا حتى نصیر الى هذا الرجل ( یعنی أبا محمد ) فانه قد وصف عنه سماحة.

فقلت:

ـ تعرفه؟

فقال:

ـ ما اعرفه ولا رأیته قط.

فقصدناه فقال لی أبی وهو فی طریقه:

ـ ما احوجنا الى أن یأمر لنا بخمسمئة درهم مئتا درهم للکسوة ومئتا درهم للدین ومئة درهم للنفقة.

فقلت فی نفسی: لیته أمر لی بثلاثمئة درهم ، مئة اشتری بها حماراً ومئة للنفقة ومئة للکسوة وأخرج الى الجبل.

فلما وافینا الباب خرج الینا غلامه فقال:

یدخل علی بن ابراهیم ومحمد ابنه.

فلما دخلنا علیه وسلّمنا قال ( الامام علی علیه‌‏السلام ) لأبی:

ـ یا علی ما خلفک عنّا الى هذا الوقت؟

فقال:

ـ یا سیدی استحییت أن ألقاک على هذا الحال.

فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبی صرّة فقال: هذه خمسمئة درهم مئتان للکسوة ومئتان للدین ومئة للنفقة وأعطانی صرّة فقال: هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة فی ثمن حمار ومئة للکسوة ومئة للنفقة ولا تخرج الى الجبل وصر ( اذهب ) الى سوراء.

فصار الى سوراء وتزوّج بامرأة فدخله الیوم ألف دینار[545].

علم الامام

عاش الامام الحسن علیه‌‏السلام ظروفاً عصیبة وکان منزله مراقباً خاصّة بعد أن انتشرت أخبار ان المهدی علیه‌‏السلام هو من ذرّیته.

ومع ذلک فقد أحصى أهل الاختصاص الرواة عن الامام علیه‌‏السلام فکانوا مئة وتسعة وأربعین رجلاً.

کما ان فترة امامته کانت قصیرة نسبیاً اذ ناهزت الست سنوات فقط[546].

روى ابو القاسم الکوفی: ان إسحاق الکندی کان فیلسوف العراق
فی زمانه اخذ فی تألیف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلک وتفرد به فی منزله وان بعض تلامذته دخل یوماً على الإمام الحسن العسکری علیه‌‏السلام فقال له ابو محمد علیه‌‏السلام:

ـ أما فیکم رجل رشید یردع أستاذکم الکندی عما أخذ فیه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلمیذ:

ـ نحن من تلامذته کیف یجوز منا الاعتراض علیه فی هذا أو فی غیره؟

فقال له أبو محمد علیه‌‏السلام:

ـ أتؤدی إلیه ما ألقیه إلیک؟

قال التلمیذ:

ـ نعم.

قال علیه‌‏السلام:

ـ فصر إلیه وتلطف فی مؤانسته ومعونته على ما هو بسبیله فإذا وقعت الموانسة فی ذلک فقل: قد حضرتنی مسألة أسألک عنها؟

فإنه یستدعی ذلک منک فقل له إن اتاک هذا المتکلم بهذا القرآن هل یجوز أن یکون مراده بما تکلم به منه غیر المعانی التی قد ظننتها انک ذهبت إلیها؟

فإنه سیقول: إنه من الجائز لانه رجل یفهم إذا سمع فإذا اوجب ذلک فقل له فما یدریک لعله قد أراد غیر الذی ذهبت انت إلیه فتکون واضعا
لغیر معانیه فصار الرجل إلى الکندی وتلطف إلى ان القى علیه هذه المسألة فقال له اعد علی فاعاد علیه فتفکر فی نفسه ورأى ذلک محتملاً فی اللغة وسائغاً فی النظر[547].

( ومعنى هذا ان ما یزعمه الکندی من وجود تناقض فی القرآن انما هو فهمه الخاص من الآیات القرآنیة ).

[524]. الارشاد: ج2، ص313 ؛ بحار الأنوار: ج50، ص235 ـ 238.
[525]. بحار الأنوار: ج50، ص240.
[526]. کفایة الأثر: ص282 ؛ اعلام الورى: ص436.
[527]. بحار الأنوار: ج50، ص240.
[528]. المصدر السابق: ص194 ـ 195.
[529]. کفایة الأثر: ص288.
[530]. الارشاد: ج2، ص314.
[531]. المصدر السابق.
[532]. المصدر نفسه: ص315.
[533]. المصدر نفسه: ص315.
[534]. المصدر نفسه.
[535]. المصدر نفسه.
[536]. المصدر نفسه: ص317.
[537]. المصدر نفسه: ص318.
[538]. المصدر نفسه: ص319.
[539]. المصدر نفسه: ص313.
[540]. الارشاد: ج2، ص329.
[541]. المصدر نفسه: ص334.
[542]. المصدر نفسه: ص330.
[543]. بحار الأنوار: ج50، ص313.
[544]. نور الابصار: ص183 ؛ الصواعق المحرقة: ص207.
[545]. الکافی: ج1، ص506.
[546]. طبع مؤخراً کتاب تحت عنوان مسند الامام الحسن العسکری یشتمل على أسماء الرواة
الذین سمعوا منه ورووا عنه.
[547]. بحار الأنوار: ج50، ص311 ـ 312.