الولادة والشهادة
ولد الامام الحسین علیهالسلام فی الثالث أو الخامس من شعبان من السنة الرابعة للهجرة المبارکة فی المدینة المنورة.
أبوه علی بن أبی طالب علیهالسلام واُمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله.
کنیته أبو عبداللّه وألقابه: الطیب ، السید ، الوفی ، المبارک.
ولما ولد هبط جبرئیل على رسول اللّه للتهنئة وأبلغه أمر اللّه عزوجل بأن یسمیه « حسیناً ».
وقد اذن النبی صلىاللهعلیهوآله فی اذنه الیمنى وأقام فی اذنه الیسرى وفی الیوم السابع من میلاده عق عنه ووزع لحم العقیقة على المساکین والفقراء.
وقد عاش الامام الحسین علیهالسلام ستاً وخمسین سنة وعدّة أشهر منها ست سنوات وشهوراً فی ظلال جده النبی الأکرم صلىاللهعلیهوآله وثلاثین سنة بعد وفاة النبی صلىاللهعلیهوآله فی ظلال أبیه علی علیهالسلام وعشر سنوات مع أخیه الامام الحسن علیهالسلام بعد استشهاد الامام علی علیهالسلام وعشر سنوات بعد استشهاد أخیه وشقیقه الامام الحسن علیهالسلام.
وفی سنة احدى وستین للهجرة وفی یوم عاشوراء ( 10 محرم الحرام ) استشهد سلام اللّه علیه فی کربلاء حیث مرقده الآن[232].
النصوص على امامته
یمکن اثبات امامة الامام الحسین علیهالسلام بالاستناد الى الأدلّة العامّة التی أشرنا الیها فیما مضى والى جانب ذلک هناک من الأحادیث الشریفة الکثیر ما یشیر الى امامة الحسن والحسین منها:
قال الرسول الاکرم صلىاللهعلیهوآله فی الحسن والحسین: هذان ابنای امامان قام أو قعدا[233].
ولما حضر الامام الحسن الوفاة أوصى الى أخیه الحسن علیهالسلام.
وجاء فی حدیث للامام الصادق علیهالسلام ان الامام الحسن علیهالسلام لما حضرته الوفاة استدعى أخاه محمد بن الحنفیة وأخبره بأن الامام بعده هو الحسین علیهالسلام وان اللّه عزوجل شاء ذلک وان اللّه عزوجل اصطفى آل بیت النبی صلىاللهعلیهوآله فاختار محمداً للنبوة واختار علیاً للامامة وان علیاً اختار نجله الحسن علیهالسلام وان الحسن اختار أخاه الحسین علیهالسلام.
وقد سلّم محمد بن الحنفیة لأخیه ذلک ولم یدّع الامامة لنفسه أبداً[234].
وقد قال له الامام الحسن: « یا محمد أما علمت ان الحسین بن علی بعد وفاة نفسی ومفارقة روحی جسمی امام من بعدی؟
فقال محمد بن علی علیهالسلام: انت امامی وسیدی وأنت وسیلتی الى محمّد صلىاللهعلیهوآله.
وقد اشتهر یومها ان الامام الحسن أوصى الى أخیه الحسین وسلّمه میراث النبوّة وعهود الامامة وان ذلک أشهر من أن یخفى[235].
وقد ذکر ذلک المسعودی فی کتابه « اثبات الوصیة » وکان محمد بن الحنفیة قد قال لابن أخیه علی بن الحسین: وانک تعلم ان رسول اللّه أوصى بالامامة بعده الى أمیرالمؤمنین والى الحسن والحسین بعده[236]
فضائل الامام الحسین علیهالسلام
قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله: « حسین منی وأنا من حسین. أحب اللّه من أحب حسیناً ، حسین سبط من الأسباط »[237].
وقال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله:
من أحب أن ینظر الى أحب أهل الأرض والسماء فلینظر الى الحسین[238].
وفی روایة لحذیفة عن النبی صلىاللهعلیهوآله: « الحسین أعطى من الفضل ما لم یعط أحد من ولد آدم ما خلا یوسف بن یعقوب[239].
وقال صلىاللهعلیهوآله فی روایة لحذیفة قال: رأیت النبی صلىاللهعلیهوآله آخذاً بید الحسین بن علی علیهالسلام وهو یقول:
« یا ایها الناس هذا الحسین بن علی فاعرفوه ، فوالذی نفسی بیده انه لفی الجنة ومحبیه فی الجنة ومحبی محبیه فی الجنة »[240].
وروى عبداللّه بن عمر بن الخطاب ان رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله قال:
« الحسن والحسین ریحانتای من الدنیا »[241].
وقال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله:
« الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خیر منهما »[242].
عبادته وعبودیته للّه عزوجل
قیل للامام الحسین علیهالسلام: ما أعظم خوفک من ربک؟
فقال الحسین علیهالسلام: لا یأمن یوم القیامة الاّ من خاف اللّه فی الدنیا[243].
وقال عبداللّه بن عبید: لقد حج الحسین بن علی علیهالسلام خمسة وعشرین حجة ماشیاً وأن النجائب لتقاد معه[244].
وقیل للامام السجاد علی بن الحسین علیهالسلام: ما أقل ولد أبیک؟ !
فقال علیهالسلام: العجب کیف ولدت؟ کان أبی یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة[245].
وروى ابراهیم الرافعی عن جده قال: رأیت الحسن والحسین علیهماالسلام یمشیان الى الحج فلم یمرّا برجل راکب الاّ نزل یمشی فثقل ذلک على بعضهم فقالوا لسعد بن أبی وقاص: قد ثقل علینا المشی ، فقال سعد للحسن علیهالسلام: یا أبا محمد ان المشی قد ثقل على جماعة ممن معک والناس اذا رأوکما تمشیان لم تطب أنفسهم أن یرکبوا فلو رکبتما.
فقال الحسن علیهالسلام: لا نرکب قد جعلنا على أنفسنا المشی الى بیت اللّه الحرام على أقدامنا ولکنّا نتنکب عن الطریق ( نغیّر طریقنا ونسلک طریقاً غیر طریق القوافل ) فأخذا جانباً من الناس[246].
احسانه وانفاقه
دخل الامام الحسین علیهالسلام على اسامة بن زید بن حارثة یعوده ، فقال اسامة بحزن: واغماه.
فقال له الامام الحسین علیهالسلام: وما غمّک یا أخی؟
قال اسامة: دینی وهو ستون ألف درهم.
فقال الحسین علیهالسلام: هو علیّ.
قال اسامة: اخشى أن أموت.
فقال الحسین علیهالسلام: لن تموت حتى اقضیها عنک.
قال الراوی: فقضاها عنه قبل وفاته[247].
وروى شعیب بن عبدالرحمن قال: وُجد على ظهر الحسین بن علی علیهالسلام یوم الطف أثر فسألوا زین العابدین علیهالسلام عن ذلک؟ فقال: هذا مما کان ینقل الجراب على ظهره الى منازل الأرامل والیتامى والمساکین[248].
وروی عن الامام الحسین علیهالسلام انه قال: صح عندی قول رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله:
« أفضل الأعمال بعد الصلاة ادخال السرور على قلب المؤمن بما لا اثم فیه »[249].
وروى انس بن مالک قال:
کنت عند الحسین علیهالسلام فدخلت علیه جاریة فحیته بطاقة ریحان فقال علیهالسلام لها: أنت حرّة لوجه اللّه.
فقلت: تجیئک بطاقة ریحان لا خطر لها ( لا قیمة لها ) فتعتقها؟
قال ( الحسین علیهالسلام ): کذا أدبنا اللّه ، قال اللّه: « وَإِذَا حُیِّیتُم بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا » وکان أحسن منها عتقها[250].
وکان عنده غلام ارتکب ما یستوجب عقوبته فأمر علیهالسلام به أن یُضرب.
فقال الغلام: یا مولای ( والکاظمین الغیظ ).
فقال علیهالسلام: خلّوا عنه.
فقال الغلام: یا مولای ( والعافین عن الناس ).
فقال علیهالسلام: قد عفوت عنک.
قال الغلام: یا مولای ( واللّه یحب المحسنین ).
قال علیهالسلام: أنت حرّ لوجه اللّه ولک ضعف ما کنت أعطیک[251].
وجاء فی الأخبار: ان اعرابیاً من سکان البادیة جاء الى الامام الحسین علیهالسلام فقال:
یابن رسول اللّه قد ضمنت دیة کاملة وعجزت عن ادائها فقلت فی نفسی: أسأل أکرم الناس وما رأیت أکرم من أهل بیت رسول اللّه.
فقال الامام علیهالسلام:
یا أخا العرب ! أسألک عن ثلاث مسائل فان أجبت عن واحدة اعطیتک ثلث المال وإن أجبت عن اثنتین أعطیتک ثلثی المال وان اجبت عن الکل أعطیتک الکل.
فقال الأعرابی:
یابن رسول اللّه أمثلک یسأل من مثلی؟ وأنت من أهل العلم والشرف؟
فقال الامام علیهالسلام:
بلى سمعت جدی رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله یقول: « المعروف بقدر المعرفة ».
فقال الأعرابی:
سل عما بدا لک فان أجبت والاّ تعلّمت منک ولا قوّة الاّ باللّه.
فقال الامام علیهالسلام:
ـ أی الأعمال أفضل؟
فقال الأعرابی:
ـ الایمان باللّه.
فقال الامام علیهالسلام:
ـ فما النجاة من المهلکة؟
فقال الأعرابی:
ـ الثقة باللّه.
فقال الحسین علیهالسلام:
ـ فما یزین الرجل؟
فقال الأعرابی:
ـ علم معه حلم.
ـ فان أخطأه ذلک؟
ـ مال معه مروءة.
ـ فان أخطأه ذلک؟
ـ فقر معه صبر.
ـ فان أخطأه ذلک؟
فقال الأعرابی:
ـ فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فانه أهل لذلک.
فضحک الامام الحسین علیهالسلام وأعطاه صرّة فیها ألف دینار وأعطاه خاتمة وفیه فص قیمته مئتا درهم وقال:
یا اعرابی اعط الذهب الى غرمائک واصرف الخاتم فی نفقتک.
فأخذه الاعرابی وقال: « اللّهُ أعلمُ حیثُ یجعلُ رسالتَهُ »[252].
واقعة عاشوراء
تبقى واقعة عاشوراء من أفجع الحوادث فی تاریخ الاسلام بل فی التاریخ البشری على الاطلاق.
وفی هذه الواقعة الألیمة لقی الامام الحسین ابن رسول اللّه وسبطه ومعه أبناؤه واخوته وبنو عتمومته وخلّص أصحابه مصارعهم على نحو فجیع بعد أن حوصروا وقطع عنهم الماء وبأمر من شخص یدّعی انه خلیفة النبی صلىاللهعلیهوآله حیث تم قتلهم جمیعاً بسیوف رجال یزعمون انهم من امة الاسلام وأتباع الرسول صلىاللهعلیهوآله.
ففی یوم العاشر من محرم الحرام سنة احدى وستین للهجرة حاصر الجیش الاموی قافلة الامام الحسین وحدثت مذبحة مروعة سوّدت وجه التاریخ وارتکب الطغاة جریمة بشعة یندى لها جبین الانسانیة.
ان دراسة هذه الحادثة المریرة یحتاج الى آلاف الصفحات الاّ اننا سنقتصر فی هذا السطور على أهم فصولها وفی طلیعتها الاهداف العلیا التی ثار من أجلها أبو الأحرار وسید الشهداء.
أهداف الامام الحسین علیهالسلام
للتعرف على أهداف الامام الحسین من وراء نهضته الخالدة من الأفضل دراسة ما ورد فی وصیته التی أودعها لدى أخیه غیر الشقیق محمّد بن علی المعروف بـ( ابن الحنفیة ) والتی تعد البیان الأوّل للثورة الحسینیة وقد جاء فی مطلعها:
« انی لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح فی امة جدی اُرید أن آمر بالمعروف وانهى عن المنکر وأسیر بسیرة جدّی وأبی علی بن أبی طالب »[253].
وتتضمن هذه الکلمات بواعث الثورة وهی الاصلاح والتغییر واعادة المجتمع والدولة الى شریعة الاسلام وتطبیق منهج النبی صلىاللهعلیهوآله فی السیاسة والحکم والادارة وکذا سیاسة الامام علی علیهالسلام التی هی امتداد لسیاسة وسیرة الرسول الأکرم صلىاللهعلیهوآله.
وعلیه فان نهضة الامام الحسین یمکن أن ننظر الیها على انها حرکة اصلاحیة فی اطار الأمر بالمعروف النهی عن المنکر وعلى مراحل مختلفة ووفقاً لمقتضیات الزمان والمکان والقیام بالواجب الدینی واداء المسؤولیة.
المرحلة الاولى: الهجرة من المدینة المنورة: بعد هلاک معاویة وتربع ابنه یزید على کرسی السلطة کتب الأخیر الى حاکم المدینة المنورة رسالة حثه فیها على الاسراع فی أخذ البیعة من الحسین وان رفض ذلک فاقتله.
وقد استدعى الحاکم الامام الحسین لیلاً وعرض علیه أن یبایع وقد امتنع الامام الحسین ورفض ذلک لجزم وطعن فی شرعیة یزید.
وفی نفس اللیلة هاجر الامام الحسین مع اسرته وأهل بیته الحسن مکة للتعبیر عن احتجاجه ورفضه لوجود یزید على کرسی الخلافة.
المرحلة الثانیة: الاقامة فی مکة والتی استمرت من مطلع شعبان حتى بدء موسم الحج سنة 60 ه ووجود الامام فی مکة یعدّ حالة من الاعتراض والمعارضة العملیة للوضع القائم وقد أتاح له وجوده فی مکة مخاطبة المسلمین القادمین من بقاع مختلفة لاداء مناسک الحج حیث أعلن انه یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر حیث وجود یزید فی الخلافة من أنکر المنکرات.
وخلال مدّة اقامته فی مکّة وقعت حادثتان:
الاولى: وصول نبأ هجرته الى مکة الى مسامع الشیعة فی الکوفة وانه علیهالسلام قد رفض البیعة لیزید لهذا انتعشت الآمال بالخلاص من الحکم الاموی وراحت الرسائل تتدفق بالمئات الى مکة تطلب من الامام القدوم الى الکوفة.
الثانیة: ان الامام الحسین حصل على معلومات مؤکدة بأن یزید قد أرسل رجالاً سریّین لاغتیاله ولو فی المسجد الحرام.
المرحلة الثالثة: حرکته نحو الکوفة: وفی ضوء الوقائع الجدیدة المذکورة تغیّرت الظروف فمن جهة تعذر على الامام الحسین الاقامة فی مکة لأنه فی حالة اغتیاله على هذا النحو سوف تنهتک حرمة الکعبة بیت
اللّه الحرام وتذهب دماؤه الزکیة دون ثمن ومن جهة اخرى ان شیعة الامام الحسین وأنصاره فی الکوفة یؤکدون ضرورة قدومه عبر مئات الرسائل فاذا لم یستجب لدعوتهم فلن تکون له حجة على أحد.
ومن هنا فقد شعر الامام بالمسؤولیة وتحرک نحو الکوفة مؤکداً استمراره فی نهضته واحتجاجه على الوضع الجدید وطعنه فی مشروعیة حکم یزید ومع ذلک فلم یتسرّع فی حرکته اذ أرسل ممثلاً عنه وهو سفیره مسلم بن عقیل وحمّله رسالة جوابیة عامة لتقییم الأوضاع فی الکوفة واطلاعه فی أقرب فرصة ممکنة.
وقد بعث مسلم الى الامام الحسین تقریراً یصف الکوفة وعدد الذین بایعوه وضرورة الاسراع فی القدوم.
هنا لک أعلن الامام الحسین عزمه على السفر نحو الکوفة فکل المؤشرات تشیر الى ان الارضیة لاقامة حکم اسلامی حقیقی باتت مهیأة وستکون الانطلاقة من مدینة الکوفة واتخاذها عاصمة للحکم الجدید الذی أعلن الامام انه سیکون استمراراً لحکم جدّه الرسول صلىاللهعلیهوآله وأبیه الامام علی بن أبی طالب وهذا هو هدفه من وراء حرکته الاصلاحیة ونهضته للأمر المعروف والنهی عن المنکر.
واذا ما صادف وتنصّل الکوفیون عن وعودهم وما تضمنته رسائلهم من کلمات الولاء والوفاء حینئذٍ سیکون لکل حادث حدیث وسیؤدی ما یتوجب علیه من مسؤولیة على نحو یتلاءم والظروف المستجدّة فهو على کل حال لن یتخلّى عن حرکته الاجتماعیة وعن رفضه للحکم اللاشرعی القائم.
لهذا لم یستکمل الامام الحسین مناسک الحج واقتصر على اداء العمرة المفردة وتحرّک نحو العراق وغایته الوصول الى مدینة الکوفة التی کانت تترقب وصوله وتتباشر بقدومه.
المرحلة الرابعة: اطلاعه على نبأ استشهاد مسلم بن عقیل ، وکانت قافلة الامام الحسین قد وصلت منطقة « زرود » حیث وصله نبأ استشهاد مسلم ومصرعه على ید حاکم الکوفه عبیداللّه بن زیاد الذی أعاده یزید الى حکم الکوفة بعد طرد النعمان بن بشیر الأنصاری.
وقد توقف الامام الحسین فی هذا المکان لیطلع أهل بیته وأصحابه والذین التحقوا به أثناء مسیرته فی الطریق على مستجدات الأوضاع فی الکوفة وخطورتها واستشهاد مسلم بن عقیل وهانئ بن عروة.
وکان موقف آل عقیل الاستمرار ومواصلة الطریق الذی سلکه مسلم وکان موقف الحسین علیهالسلام انه قال: لا خیر فی العیش بعد هؤلاء[254].
وکان امام الحسین علیهالسلام طریقان إمّا أن یواصل سیره الى الکوفة وکان هذا موقف أهل بیته إذ کان ثمة أمل بوجود اعداد کبیرة یمکن أن تنضم الى حرکته ، أو یتجه الى بلد آخر والعمل وفق الظروف.
وقد اختار الامام الحسین علیهالسلام الطریق الأول وواصل السیر نحو الکوفة ولهذا أعلن عزمه على مواصلة السیر واطلق کلمته الشهیرة:
« من لحق بنا استشهد ومن تخلف عنّا لم یبلغ الفتح ».
واثر ذلک انفض الکثیرون ممن التحقوا به فی الطریق وکانوا یتصورون انهم یرافقون رجلاً قد تهیأت جمیع الظروف لاستلام الزعامة لیس فی الکوفة فحسب بل فی العراق کلّه وربما بلاد الاسلام بأسرها.
المرحلة الخامسة: اصطدامه بطلائع الجیش الأموی:
واصلت قافلة الامام الحسین سیرها بأقصى ما یمکن للوصول الى الکوفة قبل أن تتردى فیها الأوضاع الى ما هو أسوأ غیر ان القافلة اصطدمت بقوات عسکریة من سلاح الفرسان مؤلفة من ألف فارس وذلک فی منطقة تدعى « شراف » وبالرغم من موقف الامام الحسین النبیل فی سقی الظامئین وارواء خیولهم من الماء الاّ ان ذلک لم یمنع الحرّ الریاحی من اطلاع الامام الحسین على طبیعة مهمته بعد أن بین الامام الحسین لهؤلاء انه قد جاء اثر دعوة أهل الکوفة له بانقاذهم.
وعند ما شاهد الحرّ آلاف الرسائل فی خرجین ملیئین عبر عن استغرابه وقال:
ـ انی لست من هؤلاء.
ثمّ بیّن ان مهمته هی اعتقال الامام قائلاً:
وانی امرت أن لا افارقک اذا لقیتک حتّى اقدمک الکوفة على ابن زیاد.
فردّ الحسین علیهالسلام بحزم وقال:
الموت أدنى الیک من ذلک.
وأصبح الوضع فی غایة الخطورة لأنه لا مفر من الاصطدام المسلّح ولکن الحرّ لم یکن راغباً فی ذلک فاقترح خیاراً ثالثاً غیر الاستسلام أو الحرب وهو سلوک طریق وسطی لا یؤدی الى الکوفة ولا الى المدینة المنوّرة.
المرحلة السادسة: التوقف فی منطقة کربلاء.
کانت قافلة الامام الحسین علیهالسلام تواصل سیرها فی الطریق الوسطی وکانت قوات الطلائع تواکب تحرکها عن بعد الى أن وصلت القافلة منطقة کربلاء وفی الاثناء وصلت رسالة عاجلة من حاکم الکوفة ابن زیاد تطلب من القائد العسکری ان یوقف القافلة ویمنعها من مواصلة المسیر.
وتغیرت الظروف تماماً ووجد الامام الحسین علیهالسلام نفسه مضطراً للتوقف فی هذه الأرض حیث سأل عن موقع حصین یحمی القافلة من التطویق الکامل فأخبروه عن وجود جبل یدعى « ذو حسم » یوفر حمایة طبیعیة الى حدّ ما.
وکان أمام الحسین خیاران لا ثالث لهما إمّا الحرب أو الاستسلام والبیعة والذل والحیاة لحفنه من السنین وإمّا الاستشهاد فی سبیل اللّه عزوجل والکرامة الانسانیة. والاستبسال[255] وانطلقت صرخة الحسین الخالدة: هیهات منّا الذلّة وأصبحت ملحمة الحسین فی یوم عاشوراء مدرسة للأحرار وأدرک المسلمون « ان کل یوم عاشوراء وکل أرض کربلاء ».
[232]. بحار الأنوار: ج44، ص200 ـ 201 ؛ کشف الغمة: ج2، ص216 ـ 252 ؛ اعلام الورى:ج1، ص420 ؛ مطالب السؤول: ج2، ص49، 51، 69، 70.
[233]. اثبات الهداة: ج5، ص134 ـ 171.
[234]. بحار الأنوار: ج44، ص174.
[235]. اثبات الهداة: ج5، ص173.
[236]. المصدر السابق: ص170.
[237]. بحار الأنوار: ج3، ص261.
[238]. المصدر السابق: ص297.
[239]. المصدر نفسه: ص316.
[240]. المصدر نفسه: ص262.
[241]. المصدر نفسه: ص136.
[242]. المصدر نفسه: ص246.
[243]. المصدر نفسه: ج43، ص192.
[244]. المصدر نفسه: ص194.
[245]. المصدر نفسه: ص196.
[246]. المصدر نفلسه: ج43، ص276.
[247]. المصدر نفسه: ج44، ص189.
[248]. المصدر السابق: ص190.
[249]. المصدر نفسه: ص194.
[250]. المصدر نفسه: ص195.
[251]. المصدر نفسه.
[252]. المصدر نفسه: ص196.
[253]. المصدر نفسه: ص329.
[254]. سیر أعلام النبلاء، الذهبی: ج2، ص208.
[255]. وفی ذلک الیوم الطویل یوم عاشوراء أطول یوم فی التاریخ اشرقت شمس اخرى هی شمس الحریّة والکرامة الانسانیة شمس أضاءت الطریق للاحرار فی العالم تلهمهم الدروس العظیمة فی الثورة ضد الظلم والتمرّد على الظالمین لأنه لا قیمة للحیاة یقضیها الانسان خاضعاً لنیر الطغاة حینئذٍ یکون الموت أحلى من الحیاة والحیاة أکثر مرارة من الموت. المترجم.