انطلاقاً من الدلیل العقلی على ضرورة وجود الامام والذی تطرقنا الیه فما مضى واستناداً الى بعض الآیات ذات الصلة بالامامة ونظراً الى الأحادیث الکثیرة الواردة عن النبی الأکرم صلىاللهعلیهوآله والأئمّة الأطهار من آله علیهمالسلام فی موضوع الامامة والتی أشرنا الى بعضها فان عقیدتنا فی الأئمّة الاثنی عشر کما یلی:
1 ـ انهم کالنبی صلىاللهعلیهوآله فی مصونیته التامة عن ارتکاب الذنب والمعصیة فهم معصومون عن ذلک.
2 ـ انهم فی ذروة الانسانیة فی معرفتهم باللّه عزوجل وتوحیده وصفات کماله وان الایمان باللّه والمعاد والنبوة نافذ فی أعماقهم راسخ فی وجودهم وانهم یرون حقائق عالم الغیب بقلوبهم وبصائرهم.
3 ـ انهم یتحلّون بجمیع فضائل ومکارم الأخلاق وهم منزهون عن جمیع الرذائل الأخلاقیة.
4 ـ انهم محیطون بجمیع الأحکام والقوانین والقضایا الکلیة للدین وواجبات ومحرّماته ومستحباته ومکروهاته ولکن الوحی لا ینزل علیهم وهم لا یقومون بتشریع الأحکام بل ان علومهم هذه یأخذونها من القرآن الکریم أو من طریق آبائهم عن النبی صلىاللهعلیهوآله أو من الکتب التی ورثوها عن النبی صلىاللهعلیهوآله.
5 ـ انهم یحیطون بجمیع الأحکام والقوانین ذات الصلة بالحکم وادارة المجتمع ولهم صلاحیات خاصّة أیضاً فی هذا المضمار حیث یقوم الأئمّة علیهمالسلام بأداء وظیفتین کبیرتین:
الأولى: صیانة الأحکام الالهیة والدفاع عنها: وهم على کامل واتم الاستعداد فی حفظ وصیانة الأحکام والقوانین الدینیة ونشر العلوم والمعارف الاسلامیة والسیر قدماً فی الطریق الذی رسمه رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله الى أن تتحقق غایته وقد أورثهم النبی صلىاللهعلیهوآله علومه ومعارفه الوحیانیة وقد قام بتربیة وصیّة واعداده لحمل المسؤولیة بعده وقد أعلن صلوات اللّه علیه فی کثیر من المناسبات والأحادیث من قبیل حدیث الغدیر وحدیث السفینة بأن عترته وأهل بیته هم المرجع العلمی الوحید الذی یصون الامة عن الوقوع فی الضلال والانحراف.
وان الامة اذا تمسکت بالقرآن وبأهل البیت علیهمالسلام فانها لن تضل أبداً.
إلاّ انه ومن المؤسف حقاً ان هدف النبی صلىاللهعلیهوآله لم یتحقّق على نحو کامل اذ ان الطامعین بالمناصب والجاه والمقام لم یقوموا باقصاء الامام علی بن أبی طالب علیهالسلام والأئمّة من بعده عن خلافة رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله فی ادارة المجتمع والدولة بل وقاموا أیضاً بابعادهم عن المرجعیة العلمیة وضیقوا علیهم الخناق وقد أفضى ذلک الى حرمان امة الاسلام من العلوم النبویة الاصیلة.
وقد سعى الأئمّة علیهمالسلام بما اتاحته لهم الامکانات والظروف السیاسیة فی نشر علوم ومعارف الدین الاسلامی الحنیف وتربیة شخصیات
فتخرج من مدرستهم المبارکة عشرات العلماء وانتشرت عن طریقهم مئات الآلاف من الأحادیث فی شتى الفنون وتحفل کتب الحدیث والروایات بالکثیر من الأحادیث مع اسنادها ولو اتیحت الفرص أمامهم لانتهلت الامة الاسلامیة من نبع الأحادیث الشریفة أکثر فأکثر.
الثانیة: التصدّی الى الخلافة: والوظیفة الثانیة للأئمّة علیهمالسلام هی التصدّی لمقام الخلافة وتحمل مسؤولیة ادارة المجتمع والدولة واجراء الأحکام والقوانین السیاسیة الاجتماعیة للاسلام وهذا جزء من مسؤولیة النبی صلىاللهعلیهوآلهالکبرى ولقد أوصى رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله امته وقدم ارشادته حیث بلغت ذروة ذلک فی قیامه صلىاللهعلیهوآله باعلان امامة وصیه علی بن أبی طالب فی منطقة غدیر خم وذلک بأمر من اللّه عزوجل لعلمه سبحانه بأن علیاً علیهالسلام یحمل نفس مؤهلات رسوله صلىاللهعلیهوآله من علم وکمال وکفاءة ولکن تحقق ذلک کان بحاجة الى وعی من الامة وادراک.
والمؤسف ان بعض الطامعین وأصحاب الطموح أهملوا وصایا النبی صلىاللهعلیهوآله واستغلوا بساطة الناس وهم یومئذ حدیثو عهد بالاسلام فاتجهوا بالخلافة فی مسار بعید عما اراده النبی صلىاللهعلیهوآله وکان على الامام علی علیهالسلام فی تلک الظروف ان یصبر حتى لا تحدث فتنة داخل المجتمع المسلم وقد استمر الوضع مدّة خمس وعشرین سنة امضاها الامام علیهالسلام فی منزله جلیس البیت حتى حدثت ثورة شعبیة عارمة اطاحت بالخلافة الثالثة وتدفقت الجماهیر المتعطشة لعدالة الاسلام الى صوت العدالة والانسانیة علی بن أبی طالب تطالبه بالتصدّی للخلافة وتحمل المسؤولیة.
غیر ان الطامعین وأصحاب الطموح لم یرق لهم ذلک ولم ترق لهم السیاسات الجدیدة التی تضرّ بمصالحهم بعد أن کونوا ثروات ضخمة وامتلکوا اقطاعیات واسعة ورفعوا شعارات کاذبة وجرّوا الامة الاسلامیة والدولة الفتیة الى حروب داخلیة دامیة وفتن متأججة.
وبعد حدود خمس سنوات من خلافة الامام علی علیهالسلام اغتیل فی محراب المسجد وکان جرمه الوحید عدالته ، حتى اشتهر فی التاریخ بأنه قتل لعدله.
وبعد استشهاده عادت الخلافة الى مسارها السابق بعیداً عن روح الاسلام وتعالیم النبی الأکرم صلىاللهعلیهوآله حیث تعاقب علیها بنو امیة وبنو العباس الذین مارسوا سیاسات ظالمة ضد أئمّة أهل البیت وضیقوا علیهم الخناق وحرموهم من حقهم المشروع فی خلافة النبی صلىاللهعلیهوآله وقد بقی الأئمّة بعیدین عن مقام الخلافة بسبب جهل المسلمین لحقوقهم ومنزلتهم وأحقیتهم بالخلافة وادارة الدولة.
