پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الحوار الثاني عشر

الحوار الثانی عشر

توافد الأصدقاء الموعد المحدّد و بدأ هذه المرّة بسؤال طرحه الدکتور: کیف یتصّورقیام حکومة عالمیة یرأسها شخص واحد فی عام یموج بالصراعات و الاختلافات؟

نبیه: من المستبعد قیام حکومة عالمیة فی الضروف الحالیة، و لکن وکما هو واضح فإن الشریة تمضی قدما ًفی طریق العلم و التطور و النضج، و بالطبع فإن العالم لم یکن فیما مضی مثلما هو علیه الآن وانّه فی حالة تغیر مستمره ، و إن سرعة التقدّم العلمی تزداد باستمرار، و سیرقی البشر إلی مستوی من التکفیر یجعلهم یهتمون بالبعد الاجتماعی العام، وهذا الاتجاه یؤکده التفکیرالسائد فی العصور القدیمة.

انّ حبّ الذات والأنا متجذّر فی الإنسان منذ فجر الخلیقة وهو الباعث الوحید للعمل و النشاط و السعی؛ انّه یعمل من أجل تحقیق ذاته و إسعاد نفسه ، فإذا اعترض طریقه شیء أزاحه غیر مکثرت بمصالح الآخرین ، ولکن عند ما یری انّ مصلحته تتوقّف علی مصلحة الآخرین فإنّه لن یتردّد فی السعی لتأمین تلک المصلحة العامّة والتضحیة بجزء من مصالحه الخاصّة.

و لعلّ الزواج أوّل خطوة قطعها الإنسان فی هذا الطریق، فهو تنازل عن انانیة طاغیة لصالح الآخر، فالرجل والمرأة کلاهما یشعران بالحاجة لبعضها البعض، و هذا هو الباعث الذی دفعهما الی الاقتران، علی انّ استمرار و دیمومته یضطرهما إلی التخفیف من حدّة الانانیة ومن ثم احترام حقوق و مصالح الطرف الآخر، ومن هذا الاقتران ولدت الحیاة الاسریة، و هی فی الأصل تحقیق لرعبة ذاتیة من أجل السعادة و الکمال، وعند ما وجد الإنسان سعادته متوقفة علی إسعاد الآخرین فإنّه لم یتردّد فی السعی من أجل إشاعة البهجة فی نفوس اسرته.

عاش الإنسان حیاته الاجتماعیة الصغیرة متنقلا ًهنا و هناک، و کانت تحدّیات الحیاة قد أوحت إلیه بالاستقرار ضمن تجمّعات أکبر لمواجهة أعباء الحیاة ، فهناک الکوارث الطبیعیة ، والغارات التی تتطلب الدفاع ، و هکذا ظهرت فی العلاقات الاجتماعیة أنماط عدیدة علی شکل قبائل و طوائف، فکانت مصلحة القبیلة هی الهدف الأعلی لکلّ أفرادها، و من هنا تطلّب الأمر تضحیة بالمصالح الشخصیة من أجلها، و هذا التطورفی مستوی التفکیر هو الذی قاد إلی إنشاء مجتمعات أکبر و من ثم ظهور القری و المدن حیث أصبحت للأفراد مصالح مشترکة محترمة من الجمیع.

و استمر التطوّر فی هذا الاتجاه و من ثم تعقدّ العلاقات الاجتماعیة و ظهور الشعور العدوانی الذی دفع بالقری والمدن إلی الانتظام فی تجمّعات أکبر اتخذت شکل الوطن الذی یحقّق لأبنائه مصالح و ذوبانهم ضمن قاسم مشترک عریض.

وأصبح الإنسان مواطنا ًیحمل فی أعماقه هموم الوطن الکبیر متجاوزا ًحدود اللغة والعرق، وانّه یعد أبناء الوطن کما لوکانوا أفراد فی اسرته الکبیرة التی ینتمی الیها. و بالطبع فإن هذا الشکل من الحیاة الاجتماعیة وهذه الطریقة فی التفکیرلم یکن ولید حقبة من الزمن ، بل انّه طریق استغرق آلاف السنین ، غیرانّ البشریة لم ترتق فی الوقت الحاضر إلی مستوی النضج المنشود، وما یزال المشوار طویلا ً أمام الإنسانیة حتی تصل إلی رشدها الکامل.

لقد تطوّرت وسائل الإتصال بین الشعوب و تشابکت مصالح الدول حتی غدا العالم قریة کبیرة، و الإنسان الذی کان یقطع ما فی شهور أمسی الیوم وهو یقطعها فی دقائق.

لقد ولّی الزمن الذی تعیش فیه الدول و البلدان فی عزلة عن العالم، وباتت الدول تتطلع إلی علاقات أوسع من أجل تأمین السعادة لها و لغیرها.

و انعکست هذه الإرادة فی الإنسان لتتبلورفی شکل أحلاف سیاسیة و عسکریة وأسواق اقتصادیة مشترکة وحلّ الأزمات العالمیة و توفیر أسباب الرفاه و الإستقرار و السلام للبشریة جمعاء.

ویعتقد بعض المفکّرین انّ التغیرات الحالیة ما هی إلا ارهاصات لتحوّل شامل وجذری ، حیث ستدرک البشریة بعدها انّ القدر المحدود من المعاهدات والأحلاف الضیقة لن یجنّب البشر المخاطر المحدّقة بهم ، ولا یعالج أزماته المتوترة هنا و هناک من دنیا الله ، بل ان بعضها یؤدی إلی مضاعفات خطیرة مشکلات کبری.

لقد أدرک الإنسان فی الوقت الحاضر إنّ الانانیة لن تکون طریقا ًلتحقیق السعادة ، وانّ حبّا الذات الحقیقی یکمن فی حبّ الإنسانیة بأسرها، و انّ البشریة کلها ما هی إلا أسرة واحدة.

 

وستدرک المجتمعات أنّ الشرائع التی لا تسمع لهوم الأرض کلّها و التی تبث روح القرقة ولن تکون قادرة علی إصلاح العالم ، و ما تشکیل المؤسسات الدولیة کالاُمم المتحدة و المجامع العالمیة وحقوق الإنسان إلاّ مؤشرات عمیقة علی هذا التوجّه الإنسانی وانّه مقدّمة لصحوة کبری حیث یکون العقل البشری فی ذروة رشده ونضجه وتکامله .

وبالرغم من تسلّط غیر المخلصین علی مقدّرات الشعوب وتمکّنهم من المواقع الحسّاسة فإنّ ذلک لا یبعث علی الیأس من مستقبل الإنسانیة المشرق.

و یمکن القول انّ الوضع العالمی العام وما یجری من حوادث فی هذه البقعة أو تلک من العالم یقود إلی الاعتقاد بأن البشریة ستقف عند مفترق طریقین حیث الاختیار بین المادّیة والدین، و التسلیم إلی إرادة الله.

انّ قوانین الأرض وشرائعها لم تمنح السلام والطمأنینة للبشر، بل زادتهم خبالا ً وبالتالی فإنّ غریزة العبودیة لله متجذّرة فی النفوس وانّ جذوة الیمان بالله الخالق الرحیم لا تنطفئ أبدا ً، وانّ الدین وحده خاصّة الإسلام هو الذی یمنح الإنسان الأمل.... الأمل بحیاة طبیبة؛ لأّنه یبنی الحیاة علی أساس شریعة الله و فطرة الإنسان، و عند ما تنشرح الصدور لدین الإسلام فانّها ستجد نفسها فی الطریق إلی السعادة.

إنّ دعوة الإسلام عالمیة تخصّ البشر جمیعا ً، وانّ المسلمین هم من ینهض بهذه مسؤولیة الکبری ، فمنذ أربعة عشر قرنا ًیدعو القرآن أتباع الادیان الماضیة إلی کلمة التوحید، قال تعالی : «یا أهل الکتاب تعالوا إلی کلمة سواء بیننا و بینکم ألّا نعبد إلاّ الله ولا نشرک به شیئا ً و لا یتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله».(1)

و قد ورد فی الأحادیث عن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلمّ) خروج رجل من أهل بیته یوقظ العقول، و یجمع الناس علی عقیدة التوحید، و یجتثّ من النفوس العداوة و البغضاء، ویکون عهده السلام.

و عن الإمام الباقر علیه السلام قال: اذا قائمنا وضع یده علی رؤوس العباد فجمع به عقولهم و أکمل به أخلاقهم .(2)

و عن الإمام علیّ علیه السلام: بنا یفتح الله ، وبنا یختم الله ، وبنا یمحو ما یشاء، وبنا یثبت ، وبنا یدفع الله الزمان الکلب، وبنا ینزل الغیث ، و لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، و لأخرجت الأرض نباتها، و لذهبت الشحناء من قلوب العباد.(3)

و عن الباقر علیه السلام قال:.... و یجمع الیه أموال الدنیا من بطن الارص ومن ظهرها.(4)

النصر للمستضعفین

جلال: العالم یزخر بالظلم والقهر والاستعباد، و مقالید الحکم بیدی الجبّارین من الطغاة و المستکبرین ، و الشعوب مغلوبة علی أمرها، خائفة ، لیس لها حول ولا قوّة ، فکیف یمکن المهدی أن یثور فی مثل هذه الظروف و ینتصر؟!
 

نبیه : أن انتصار المهدی هو انتصار المستضعفین و المقهورین ؛ ان المستضعفین وإن کانوا مقهورین فهم یمثّلون الأکثریة الساحقة، و الظالمین و إن یدوا أقویاء فهم فئة قلیلة، و من هنا فإنّ الأمل بانتصار المستضعفین کبیر. إن انتصار الهمدی أمر محتمل جدّ ا ً، و من المستحسن جدّاً أن أُضیف هنا:

انّ الیات القرآنیة، و کذا الأحادیث الشریفة تشیر إلی یوم یهب ّ فیه المستضعفون فی کلّ العالم فتتهاوی و إلی الأبد الأنظمة الفاسدة التی تمثّل إرادة الطاغوت . قال سبحانه و تعالی فی کتابه الکریم:

«و نرید أن نمن ََّ علی الذین استضعفوا فی الأرض و نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثین.(5)

و الیة الکریمة إشارة عمیقة جدّا ًإلی حکومة المستضعفین القادمة؛ و لکی اُسلّط الضوء الکافی علی هذا الموضوع أُشیر إلی میلی:

- ما ذا یعنی الاستضعاف ، ومن هم المستضعفون ؟ - من هم المستکبرون؟

- کیف یقهر المستکبرون المستضعفین ؟ - و کیف سینتصر المستضعفون ؟

- من یقود هذه الثورة العالیمة؟

أشار القرآن الکریم إلی فریقین هما المستضعفین والمستکبرین و حدّد علامات و خصال کلّ منهما، فمثلاً کان فرعون مستکبرا ً«إن فرعون علا فی الأرض وجعل أهلها شیعا ًیستضعف طائفة منهم یذبّح أبنائهم ویستحیی نسائهم انّه کان من المفسدون».(6)

 

ففرعون قد علا فی الأرض وراح یقهر طائفة من الناس، ویبثّ القرقة بینهم.

«إنّ فرعون لعال فی الأرض وانّه لمن المسرفین». (7) وهومسرف متکبّر.

«فاستخف قومه فأطاعوه انّهم کانوا قوما ً فاسقین».(8)

«وقارون وفرعون وهامان ولقد جاء موسی بالبینّات استکبروا فی الأرض».(9)

و انّهم یرفضون الانصیاع للحقّ، بالتالی فهم یکفرون به.

«قال الذین استکبروا من قومه للذین استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون انّ صالحا ً مرسلٌ من ربّه. قالوا بما أرسل به مؤمنون . قال الذین استکبروا و انّا بالذی أنتم به کافرون».(10)

- المستکبرون لا یألون جهداً فی نشر الکفر و الفساد و الانحراف

«قال الذین استضعفوا للذین استکبروا بل مکر اللیل والنهار إذ تأمروننا انّ نکفر بالله ونجعل له أندادا».(11)

و بالاستفادة من مجموع الیات المذکورة یمکن الإشارة إلی بعض صفات المستکبرین :

 

- التکبّر والعلوّ فی الأرض. - إشاعة الاختلاف والفرقة.

-الإسراف والتبذیر. - الاستخفاف بالشعوب. - الفساد.

- رفض الحقّ. – نشر الفساد والانحراف.

انّهم یسعون إلی الاستعلاء علی الآخرین مدّعین الریادة والسیاسة والعقل ومعرفة المصلحة أفضل من الآخرین ، طالبین الطاعة العمیاء لهم.

ولکی یحکموا سیطرتهم و تسلّطهم علی الناس فانّهم یبثّون روح الفرقة بین الناس علی أساس اللون و الدین، و اللغة والقومیة ..... الخ.

ولکی یعزز و انفوذهم فإنّهم یعمدون إلی نشر الفساد و إلهاء الناس بالآثام والموبقات، و بالتالی استغلال الثروات لأطماعهم ومصالحهم ، و بناء المؤسسات التی تکرّس سیطرتهم و تمکنهم من البلاد.

فهم لا یرون إلاّ أنفسهم ولا یقیمون للشعوب وزنا ًولا اعتباراً.

و من خلال ذلک یتّضح لنا معنی الاستضعاف والمستضعفین ، وما هم إلاّ الشعوب المقهورة المغلوبة علی أمرها، و هؤلاء الذین نسوا قوّیهم و انخدعوا بأباطیل المستکبرین وانطلت علیهم حیلهم ومکرهم و رضوا بالحیاة الذلیلة و رکنوا إلی الظالمین.

بینما الحقیقة هی انّ الأرض بما فیها من مقدّرات هی ملک للمستضعفین وانّ أسباب القوّة والتقدّم بیدیهم ، و هم الذین یؤلّفون الجیوش أیضا ً، وهم الذین یدیرون المؤسسات التعلیمیة و یشغّلون الإنتاجیة، و یعلمون لیل نهار، و بدونهم تتوقّف الحیاة، فهم عصب القوّة الحقیقی.

غیر انّ المستکبرین نفذوا إلی نفوسهم و صوّروا لهم الأباطیل حقائق و استغلّوا جهلهم فتسلّطوا علیهم.

و لقد أرسل الله أنبیاء لیوفقطوا هؤلاء المقهورین المغلوبین علی أمرهم.

فکان الأنبیاء رُسل الحرّیه لإنقاذ الناس من الظلم، ومعلّمی البشریة لإضاءة القلوق و طرد ظلام الجهل من العقول و النفوس، و کانوا یجهرون بکلمة الحقّ قائلین للمستضعفین انهضوا فما الطواغیت إلاّ قوّة کاذبة وانّ قوّتهم تمکن فی خوفکم و فی جهلکم و فی غفلتکم عن الله . آمنوا بالله وحده و اکفروا بالطاغوت.

لقد نهض إبراهیم علیه السلام فی وجه النمرود، وصرخ موسی علیه السلام فی وجه فرعون ، وقام عیسی علیه السلام فی وجه الجبابرة، و ثار محمّد صلّی الله علیه و آله و سلمّ فی وجه طغاة مکّة من أمثال أبی جهل وأبی سفیان وأبی لهب.

و کان جهاد الأنبیاء جمیعا ً ضد الکفرو الشرک والفساد وقهر الناس.

«و لقد بعثنا فی کلّ امّة رسولاً انّ اعبدواالله واجتنبوا الطاغوت». (12)

«فمن یکفر بالطاغوت و یؤمن بالله فقد استمسک بالعروة الوثقی» . (13)

«و ما لکم لا تقاتلون فی سبیل الله والمستضعفین من الرجال والنساء والولدان الذین یقولون ربّنا أخرجنا من هذه القریة الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنک ولیا ًواجعل لنا من لدنک نصیرا. الذین آمنوا یقاتلون فی سبیل الله و الذین کفروا یقاتلون فی سبیل الله الطاغوت فقاتلوا أولیاء الشیطان انّ کید الشیطان کان ضعیفا».(14)

و تؤشّر هذه الیات نقاطا ًعدیدة منها:

 

- انّ المستکبرین ما هم إلاّ قلّة ضعیفة وانّ قوّتهم مستمدة من مقدّرات المستضعفین و استغلالهم .

- المستضعفون أکثریة ساحقة وهم یملکون کلّ أسباب القدرة والقوّة الحقیقیة، انّهم لیسوا ضعفاء وانّ ضعفهم جاء من انخداعهم بالأطیل التی یلقّنها المستکبرون.

- انّ أسوأ العوامل فی شقاء المستضعفین هو احساسهم بالضعف وانّهم لا یملکون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعا ً ، ولهذا انقاد وا للمستکبرین خانعین متحمّلین صنوف الغذاب والقهروالذلّ، وهذا الاحساس هو أساس المشکلة، لقد نسوا أنفسهم والقوّة التی ینطوون علیها وتصوروا خاطئین انّ الطواغیت بعبع لا یغلب!

- ان الطریق الوحید للخلاص هو عثور المستضعفین علی هویتهم المفقودة، وشخصیتهم الضائعة، ثم اکتشافهم قدراتهم الکامنة، وعند ما یجدون ذلک تحدث المعجزة فتتحطم القیود و السلاسل و یتهاوی الطواغیت ؛ فالطواغیت لا یملکون ذاتیا ً یة قدرة یستندون إلیها. انّها قدرة المستضعفین المستغلّین الغافلین.

ولو انتبه المستضعفون إلی ذلک لما بقی الطواغیت فی الحکم لخظة واحدة.

انّ قوّة المستضعفین قوّة عظمیة تنطوی علی آلاف العقول المفکّرة والسواعد الفتولة والقلوب الطاهرة التی یمکنها أن تغیر وجه الدنیا؛ وها هو العالم شئنا أم أبینا یسیر باتجاه الیوم الموعود یوم یثورالمظلوم علی الظالم.

«و نرید أن نمنَّ علی الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثین».(15)

 

و هو یوم وعد الله به الذین آمنوا أن یسود السلام و الأمن «وعد الله الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض کما استخلف الذین من قبلهم و لیبدلّنهم من بعد خوفهم أمنا ًیعبدوننی ولیشرکون فی شیئا».(16)

اننا نجد إضافة إلی ما ذکرناه من مؤشرات ویات بینات أحادیث کثیرة تبشّر المقهورین بیوم الخلاص.

عن الباقر علیه السلام : اذا قام قائمنا وضع یده علی رؤوس العباد فجمع به عقولهم و أکمل به أخلاقهم .(17)

و سیشهد العالم انتشار الإسلام دین المحبّة والسلام علی ید المهدی و أنصاره من المستضعفین ، و عندها تتها وی قصورالطواغیت و المستبدّین من الذین قهر و الشعوب وأذلّوها واستخفوا بکرامتها و انسانیتها؛ وسیکون عهده عهدا ًمشرقا ًو مفعما ًبالسلام و الحریة و الطمأنینة ، فی عالم تسوده الفضلیة و العدالة و الأخلاق .

لماذا لا یظهر المهدی

جلال: الظلم والجور والکفرفی کلّ مکان، والإنحراف والفساد فی کلّ بقعة، فلما ذا لا یظهرالمهدی وینقذ العالم؟

نبیه: ان انتصارثورة ما أو تحقیق هدف منشود انّما یتوقّف علی توفرالظروف المناسبة ، فمتی تهیأت الأجواء ومقوّمات النجاح تحقّق الهدف؛ و انّ أول مقدمات النجاح فی حرکة المهدی و نهضته هو وجود المناخ العام المؤید لثورة المهدی ، انّ حرکة المهدی لیست هامشیة أوسطحیة ولا حتی مؤقتة، انّها حرکة عمیقة وساملة ومتجذّرة و انسانیة تتجاوز فوارق اللغة و اللون و العرق و القومیة و الدین ، هدفها تحریر الإنسان و ردّ اعتباره و کرامته المهدورة عبر العصور.

و هدفها اجتثات الفساد و الإنحراف والظلم بکلّ أشکاله وألوانه وهدیة البشریة نحو شریعة الله الخالدة التی تحقق للإنسان سعادته الضائعة.

و ثورة شاملة عمیقة کهذه لا یمکن أن تحدث من لا شیء بل ینبغی أن تسبقها ارهاصات تهیئ الأرضیة المناسبة لنجاحها، و ان یکون هناک تعاطف روحی تام من کلّ المستضعفین فی العالم ، ولعلّ أهم شرط من شروط النجاح هو العمل الصالح:

«وقد کتبنا فی الزبور من بعد الذکر انّ الأرض یرثها عبادی الصالحون».(18)

و النضج الفکری لا یحدث فجأة، انّه عملیة تبلورتتم ببطء وهدوء فالإنسانیة تتعلم من تجاربها وترتقی شیئا ً فشیئا ً سلّم الرشد والکمال ، ومتی ما وجد الجیل الذی یتجاوز الحدود المصطنعة للون والقومیة واللغة وأصبح تفکیرة إنسانیا ً خالصا ً یتعاطف مع المظلومین والمقهورین فی کلّ مکان ویعتبر العالم أسرة واحدة لافرق بین أسود و أبیض و أصفر و أحمر، و لا امتیاز للأمریکی و الأوربی علی الأفریقی والآسیوی ، عندها یکون الظرف مناسبا ًلظهور الإمام المنقذ .

ومع الأسف فإن الإنسان ما یزال مؤمنا ً بالعلم وحده ، ویعتبره السبیل الوحید السعادة المنشودة و الرفاه.

 

انّه ما یزال یلهث وراء المادّیة نحو انتاج السلاح الأکثر فتکا ً و تدمیراً، و سوف یبقی یرکض و یلهث حتی یصطدم بجدار الحقیقة، و عندها سیفیق إلی نفسه لیفکّر تفکیرا ًسلیما ً، فالعلم مهما بلغ شأوا ًلا یمکن أن یحلّ مشکلة ما. انّه یبنّه لها فقط.

عن هشام بن سالم : عن ابی عبدالله (الصادق) انّه قال: ما یکون هذا الامرحتی لا یبقی صنف من الناس الاّ و(قد) ولوّا علی الناس حتی لا یقول (قائل) : ان ولّینا لعدلنا ثم یقوم القائم بالحق ّوالعدل.(19)

و عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

دولتنا آخر الدول، ولنا یبقی أهل بیت لهم دولة الاّ ملکوا قلبنا حتی لا یقولوا اذ رأوا سیرتنا: اذا ما ملکنا سرنا مثل سیرة هؤلاء ، و هو قول الله عزوجل: «والعاقبة للمتقین».(20)

و من هنا یتّضح انّ البشریة لیست مستعدة حالیا ً لهکذا حرکة عالیمة ولیست لها القناعة الکافیة بحکومة التوحید الإلهیة.

انّ الإنسانیة تتحرّک فی هذا الاتجاه ، ولقد أودع الله فی الذات البشریة غریزة السعی نحو الکمال ، وسیصل الإنسان إلی هدفه ، فهو و منذ أن وطأت قدماه والأرض یسعی من أجل تحقیق حیاة هانئة مطمئنة و ما یزال یرنو نحو غدِ أفضل و مستقبل مشرق ، و ما یزال یأمل فی تحقیق ذلک الیوم، وعند ما یفکّربطریقة سلیمة و یکتشف انّ قوانین الأرض قد أخفقت و انّها عاجزة عن تحقیق هدف الإنسانیة عندها یتّجه نحو السماء مؤمنا ًبشریعة الله .

 

علّةٌ أُخری

وهناک فی الرویات ما یشیرإلی سبب آخریفسّرمسألة تأخیرالظهور.

فعن الإمام الصادق علیه السلام قال: کان لله ودیع مؤمنون فی أصلاب کافرین ومنافقین ، فلم یکن علی یقتل الآباء حتی تخرج الودیع ، فلما خرجت ظهرعلی من ظهر فقتله، وکذا قائمنا أهل البیت لن یظهر أبدا ًحتی تخرج ودیع الله فاذا خرجت یظهرعلی من یظهر فیقتله .(21)

و عند ما یظهر الإمام المهدی فانّه سیعلن عن الإسلام عقید ة التوحید الشاملة و سیؤمن به الکثیرمن الکافرین.

و هناک مسألة جدیرة بالإلتفات وهی انّ الکفرلا یدوم، فکثیرمن الکفّارخلفوا مؤمنین، و فی تاریخ صدرالاسلام ما یوضّح هذه المسألة حیث نجد المؤمنین المخلصین کانوا من نسل کفّارومشرکین.

ولو قام رسول الله بتصفیة المشرکین جمیعا ًفی فتح مکّة لما خرج من ذرّیتهم کلّ أولئک المسلمین.

انّ من لطف الله و حلمه أن ترک الإنسان وشأنه حتی یتوالد عبر الزمن ویظهر جیل مؤمن بالله، و عندها یکون الظرف و تفرق الأصدقاء علی أمل اللقاء فی منزل الدکتور.

 

(1) آل عمران الیة 64.
(2) بحار الأنوار ج 52ص 336.
(3) المصدر السابق ص316.
(4) المصدر السابق ص351.
(5) القصص الیة (5).
(6) القصص الیی(4).
(7) یونس الیة(83).
(8) الزخرف الیة (54).
(9) العنکبوت الیة(39).
(10) الأعراف الیة(76).
(11) سبأ الیة (33).
(12) النحل الیة (36).
(13) البقرة الیة(256).
(14) النساء الیة(76).
(15) القصص الیة(5).
(16) النور الیة (55).
(17) بحار الأنوار ج52ص336.
(18) الأنبیاء الیة 105.
(19) بحار الأنوار ج52ص244.
(20) بحار الأنوار ج52ص332.
(21) اثبات الهداة ج7ص105.