الحوار السابع
بدأ الحواربسؤال طرحه الدکتور: ما جدوی الغیبة الصغری ، ولما ذا لم تبدأ الغیبة الکبری منذ وفاة الإمام الحسن ؟
نبیه : ان ّغیاب الإمام فجأة ودون مقدّمات سوف تکون له نتائج وخیمة ، فمن الصعب علی الناس الستیعاب فکرة الغیبة ، ولهذا یمکن القول أن التمهید لها بدأ منذ عصرالنبیّ (صلّی الله علیه وآله وسلمّ) والأئمة الأطهار، وکان التأکید علی هذا الجانب فی المهدی یلوح بین الفترة والاٌخری ، إضافة إلی بیان ما سیجری فی غیابه من مصائب وما یحلّ من ظلم ، وما فی انتظارالفرج من ثواب عظیم .
وقد ذکرالمسعودی فی «إثبات الوصیة» ان ّالإمام الهادی (علیه السلام) کان یعتزل عامّة الناس ولا یتصل إلاّ بخاصته من الأصحاب ، وسارعلی ذلک خلیفته الحسن العسکری (علیه السلام) فکان یحدّث الناس من وراء حجاب ، وکلّ ذلک من أجل أن یهییء الشیعة إلی قبول غیبة الإمام الثانی عشر. (1)
علی ان بده الغیبة الکبری للمهدی بعد وفاة أبیه مباشرة کان سید فع عامّة الناس إلی تناسیه و الإصغاء لما أشاعه البعض عن وفاة الحسن (علیه السلام) دون خلف ؛ لهذا کان لا بدّ من مرحلة صغیرة من الغیبة تمهدّ للغیبة التامّة.
زمن الغیبة الکبری
المهندس : ما هو أمد الغیبة الکبری ، و لم تبلغ مدتها ؟
نبیه : لیس هناک وقت محدّد لها ، ولکنّها طویلة بحیث تثار الشکوک حولها ، و لا یصدّق بها إلاّ قلیل من الناس ، وجاء فی الرویات انّها تطول «حتی لیقال مالله فی آل محمّد حاجة» . (2)
وعن السجاد (علیه السلام) قال : فی القائم سنّة من نوح و هو طول العمر. (3)
فلسفة الغیبة
المهندس : إنّ حضور الإمام بین الناس له فائدة عظیمة ، فلما ذا الغیاب ؟
نبیه : أجل هذا هو الصحیح لو لم تکن هناک موانع . إنّ أفعال الله هی الحکمة بذاتها ، و قد أخفی الله وجود الإمام لمصلحة نجهلها ، و إن ّ هناک سببا ًلا نعرفه نحن . عن عبد الله بن فضیل الهاشمی قال :
سمعت الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) یقول : ان لصاحب هذا الامرغیبة لابدّ منها یرتاب فیها کلّ مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداک ؟ قال : لأمرلم یؤذن لنا فی کشفه لکم . قلت : فما وجه الحکمة فی غیبته ؟ فقال : وجه الحکمه فی غیبته وجه الحکمة فی غیاب من تقدّمه من حجج الله تعالی ذکره . ان وجه الحکمة فی ذلک لا ینکشف الاّ بعد ظهوره کما لا ینکشف وجه الحکمة لما أتاه الخضرمن خرق السفینة ، و قتل الغلام ، و إقامة الجدار، لموسی (علیه السلام) الا وقت افتاقهما . (4)
و من هنا نفهم بأنّ هناک سببا ً للغیبة یعرفه الأئمة الأطهار (علیهم السلام) .
علی ان هناک من الأحادیث ما یشیر إلی بعض الأسباب ؛ منها :
- أنّ الغیبة تمحّص الیمان الحقیقة کجزء من الیمان بالغیب ، و الصبر علی الشدائد و انتظار الفرج .
قال الإمام موسی بن جعفر (علیهما السلام) : «إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله الله فی أدیانکم لا یزیلنکم عنها أحد ، یا بنی انّه لابدّ لصاحب هذا الأمرمن غیبة حتی یرجع عن هذا الأمر من کان یقول به ، انّما هی محنة من الله امتحن الله بها خلقه» . (5)
- ظهور الإمام ولیس فی عنقه بیعة لأحد من الظالمین .
عن الحسن بن فضال انّه قال : قال الإمام الرضا (علیه السلام) : کأنّی بالشیعة عند فقد هم الثالث من ولدی یطلبون المرعی فلا یجدونه . قلت له : و لم ذلک یابن رسول الله ؟ قال : لأن إمامهم یغیب عنهم ، فقلت : ولمََِ ؟ لئلیکون فی عنقه لأحد بیعة إذا قام بالسیف . (6)
- إنّ الغیبة ستجعل الإمام فی مأمن من الخطر.
عن زرارة عن أبی عبدالله الصادق (علیه السلام) قال : یا زرارة لابدّ للقائم من غیبة ، قلت : ولم ؟ قال یخاف علی نفسه ؛ وأومی بیده إلی یطنه . (7)
ما هو الخطر فی ظهور الإمام ؟
المهندس : ما هوالخطرفی ظهورالإمام وزعامته للناس دینیا ًفی بلد ما حتی تتهیأ الظروف المناسبة لثورته ؟
نبیه : وهذا تساؤل فی محله ، ولکن یتوجّب البحث أوّلاً فی نتائج ذلک .
لقد أخبرالنبیّ (صلّی الله علیه وآله وسلمّ) والأئمة من بعده بأنّ ظهورالمهدی سیکون عهدا ًجدیدا ًللعالم بأسره ، وبدیة للعدل ونهیة لیظلم والفساد ، ولهذا کان المهدی هاجس فریقین من الناس .
الأوّل : فریق المظلومین و المقهورین والمستضعفین الذین یتطلعون الی یوم الخلاص .
الثانی : فریق الظالمین من الجبابرة والطغاة ومصاصی الدماء الذین یعیشون علی قهر الشعوب ؛ فإنّ المهدی یعنی لهم النهیة وخراب قصورهم التی نهضت علی جماجم الضحیا ؛ ومن هنا فإنهم لا یألون جهدا ًفی محاربته والقضاء علیه .
لماذا هذا الحرص علی الحیاة ؟
جلال : ما هو الضرر فی استشهاد الإمام فی سبیل الإصلاح وإبلاغ الشریعة والدفاع عن حیاض الدین ؟ ألم یستشهد آباؤه فی سبیل ذلک الهدف ؟ فلما ذاهذا الخوف من الموت ؟
نبیه : الإمام لا یخشی الموت فی سبیل الله ؛ وهو فی ذلک مثل آبائه الطاهرین ، إنّهم ینظرون الی مصلحة الدین والأمّة أوّلا ًوآخرا ً؛ ثمّ ان ّکل ّإمام یقتل کان یخلفه إمام آخریحل ّ مکانه فی المسؤولیة ، فیما تری من سیخلف الإمام المهدی بعد استشهاده ، ثم انّ الله قدّرله النصرونشرالعدلوا لقضاء علی الظلم والفساد ، وبه یتحقق وعدالله فی وراثة الأرض لعباده الصالحین .
قدرة الله
جلال : ألیس الله قادرا ًعلی حفظ الإمام من أعدائه ، فلا یضطرإلی الغیبة ؟
نبیه : أنّ قدرته سبحانه مطلقة ، وهوالقادرالمتعال ، غیرانّ لکلّ شیء سببا ً، وهکذا کان تاریخ الأنبیاء والرسل . أنّهم یعیشون حیاتهم الطبیعیة یحاربون ویقتلون ویشرّدون ، فالدنیا دارامتحان واختبارللإنسان .
ربّما آمن الظالمون
جلال : ربّما کان ظهورالإمام سببا ً فی یمان الظالمین فمن المحتمل أنهم لن یقتلوه ، بل یکفون عن ظلمهم وطغیانهم .
نبیه : إنّ التاریخ البشری لا یؤید هذا الاحتمال ، فالظالمون والطغاة کانوا أوّل من یحارب الحق ّ، أوّل من یواجه الأنبیاء والرسل ، و یسیعون فی قتلهم ، وکانوا أوّل من یکذ ّب بیات الله . ولوأعلن الإمام أهدافه لما تورّع الظالمون عن قتله ، کما نری ونشهد کلّ یوم ما یجری لأهل الحق ّ.
و إذا سکت الإمام ؟
الدکتور: ما ذالو اعتزل الإمام السیاسة ، وانشغل فی إرشاد الناس بعیدا ًعن شؤون الساسة والحکام ؟ ألیس فی هذا أمان له من القتل وحفظ للشریقة ؟
نبیه : إن الظالمین لن یروق لهم ذلک وهم یرون عدّوهم الذی یهدّد وجودهم بالزوال ، أضف إلی ذلک أنّ سکوت الإمام سوف یعدّ تقریرا ًللفساد والظلم . وعند ما یری المؤمنین ذلک فسوف یصابون بالخیبة والإحباط ، وسوف ینفضون یدیهم من الحق ّوییأسون من انتصاره ، وبالتالی بشککون بوعدالله ورسوله.
المیثاق
المهندس : من الممکن عقد میثاق بین الإمام والظالمین بعدم تدخّل کل طرف فی شؤون الطرف الآخر. وبما أنّ الإمام معروف بأمانته ، فإنّ عهوده ومواثیقه سوف تکون موضع احترام حکّام الجورفلی لقی منهم معارضة .
نبیه : تمتاز مهمّة المهدی عن سائرالأئمة الأطهار، فقد کانت مهامهم حفظ الشریعة وانتشارالدین والأمربالمعروف والنهی عن المنکر ولکنّهم لم یؤمر وابإشهارالسیف والجهاد المسلح ، أمّا المهدی فهو مأموربالثورة واستخدام القوّة ضد الطغاة ، وإقامة حکومة العدل الإلهی وتطهیر الأرض من الفساد .
وقد کان الأئمة (علیهم السلام) یسألون علی مرّالیام : ألست القائم ، فیجیب الامام : أجل أنا القائم ، ولکنّی لست المهدی یملأ الأرض قسطا ًوعدلا ًکما ملئت ظلما ًوجورا ً.
لقد کان الظلم یشتدّ والفساد ینتشریوما ًبعد آخروالمؤمنون قلّة مستضعفة فکانوا یشکون ویشتکون ویتألمون لدی الأئمة ، وکان الإمام یطمئن شیعته وأنصاره بانّ انتصارالحق ّوعدالهی وأنّ الغلبة للمهدی من آل محمّد ، فاصبروا وصابروالا تیأسوا من روح الله ... لهذا کان الشیعة یتحملون ألوان العذاب بصبر فرید .
وإذا کان المهدی یمثّل الأمل الکبیر، لیس للمسلمین وحدهم بل للبشریة جمعاء فکیف یتسنی له عقد میثاق مع الظالیمین ؟ ألیس فی هذا حرق لمیثاق آخربین المهدی والمستضعفین فی العالم ؟!
ولوحصل مثل هذا فإن القلّة المؤمنة الصابرة - هی الأخری - ستصاب بالإحباط وتنفض یدیها عن الإسلام ، وسنتها فی أوّل منارلة مع الکفر.
بل لوحصل مثل هذا فإنّ المهدی نفسه سیکون ملز ما ًبالوفاء للظالمین .
قال سبحانه وتعالی : «یا یها الذین آمنوا أوفوا بالعقود» . (8)
وقال تعالی : «وأفوا بالعهد أن العهد کان مسؤولا» . (9)
وقال تعالی : «والذین هم لأماناتهم وعهدهم راعون» . (10)
وقد جاء فی ارویات أنّ من بواعث الغیبة یخرج الإمام ولیس له فی عنقه بیعة ولا میثاق مع أحد الظالمین . کما ورد ذلک فی رویة عن الإمام الصادق (علیه السلام) . (11)
ثم کیف یتوقع من الظالمین الذین بنوا قصورهم وعروشهم علی الظلم والغدروالدماء أن یفوا بالمواثیق والعهود مع الناس؟ فهل من الممکن سکوتهم عن فرد یهددّ وجودهم بافناء ؟ إن أفضل لحفظ سلطانهم هوتصفیة الإمام والتخلّص منه ؛ والتاریخ یضجّ بالکثیرمن الشواهد .
سفراء فی الغیبة الکبری
جلال : نحن نؤمن أساسا ًبالغیبة ، ولکن ما هو المانع فی استمرار السفارة بین الإمام والناس ؟ لکی یتسنی للشیعة الاتصال به.
نبیه : إن ظاهرة السفارة لن تبقی فی الخفاء وسوف ینکشف أمرالسفراء وبالتالی سیتعرّضون للتغذیب والقتل وق دیجدون أنفسهم مضطرین فیعترفون علی مکان الإمام ، وفی هذه خطرکبیر.
جلال : إذا کان ذلک صبعا ًفمن الممکن للإمام أن یظهر لبعض المؤمنین ، وعن طریق هؤلاء یمکن إبلاغ الأمرالی الشیعة .
نبیه : وهذا أیضا ً لا یبدو خالیا ًمن المخاطر، فقد یدّل هؤلاء علی مکان الإمام وفضح هویته .
جلال : هذا وارد لو کان الأمریختصّ بالناس العادیین ولکن لوظهرالإمام للعلماء مثلا ًفلا مجال لبروزالخطر.
نبیه : هذیحتاج إلی تأمل ولنلاحظ ذلک فی عدّة نقاط:
الأولی : لو أراد الإمام أن یعرّف نفسه لشخص ما فإنّ ذلک یتطلب بعض المعاجزلإقناعه ، ولوحصل ذلک فإن الباب سیفتح علی مصراعیه للمشعوذین والسحرة الذین سوف یستغلون ذلک فی تضلیل الناس ، خاصّة البسطاء ، وفی هذا کثیرمن المفاسد .
الثانیة : قد یستغل الطالعون من الانتهازیین هذا الأمرفیخدعون البسطاء بادّعائهم رؤیة الإمام ، ومن ثم ّینسبون له أحکاما ًمخالفة لیشرع ، وبذلک یتشوّه الدین ، فکل ّمن أراد تحقیق غرض من أغراضه الشخصیة ادّعی رؤیة الإمام وتیید ه لذلک .
الثالثة : لیس لدینا ما ینفی لقاء الإمام وظهوره لبعض الثقاة من الناس ، ومن المحتمل ذلک جدّا ً، وان البعض من الصالحین والمؤمنین قد التقی الامام ، ولکنه یکتم ذلک لمسائل أمنیة .
ما الفائدة من وراء إمام غائب ؟
المهندس : إن الأصل فی وجود الإمام هوالحضوروانتفاع الناس منه ، فما جدوی وجود إمام غائب ؟ ما فائدة إمام یغیب مئات السنین ، عاجزعن نشرالدین وحل مشاکل المسلمین ، فلا هو یأمربالمعروف ولاهو ینهی عن المنکر، ولا یدفع الأذی عن المؤمنین ، ولا یقیم حدودالله ، ولا یرشد ا لناس إلی مسائل الحلال والحرام ... فیا تری ما فائدته إذن ؟
نبیه : إن الغیبة کما ذکرت فیها حرمان کثیرمن الفوائد ، علی ان فائدة الإمام الغائب لا نتحصرفی ذلک . انّها تتعداها إلی فوائد عدیدة هامّة منها :
- ان ّکلّ الأحادیث التی تدورفی مجال الإمامة والولیة تجعل من وجود الإمام المبّررالوحید لاستمراروتکامل النوع الإنسانی فی الأرض ، ولولاه لتعرّض للانقراض والزوال ، وبدونه لیعرف الله ، ولا نقطع ذلک الارتباط بین عالم العقل والروح وبین عالم المادّة . إنّ وجوده بمثابة المصدرالکهربائی الذی یمدّ آلاف المصابیح بالطاقة والتیاراللازمین ، وإن إفاضات عالم الغیب إنّما تنعکس عن قبله إلی قلوب سائرالناس ، فالإمام هوقلب عالم الوجود وهومثال الکمال الإنسانی ، وإن التساؤل الذی یثارحول جدوی امام غائب انّما یصدرعن الذین لم یدرکوا المعنی الحقیقی للإمامة ، ولا یرون فیه سوی مفتیا ً أومنفذا ًلحدودالله .
فعن جعفرالصادق عن أبیه عن جدّه علی بن الحسین (علیهم السلام) قال : «نحن أئمة المسلمین وحجج الله علی العالمین وسادات المؤمنین وقادة الغرّ المجحلین وموالی المسلمین ، ونحن أمان لأهل الأرض کما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وبنا یمسلک السماء أن تقع علی الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا ینزل الغیث وتنشرالرحمة وتخرج برکات الأرض ولولا ما علی الأرض منا لساخت بأهلها» .
ثم قال : «ولم تخل منذ خلق الله آدم من حجّة الله فیها ، إما ظاهرمشهورأوغائب مستور، ولا تخلوا لأرض إلی ان تقوم الساعة من حجّة ولولا ذلک لم یعبدالله».
قال سلیمان : فقلت لجعفرالصادق (علیه السلام) کیف ینتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال کما ینتفعون بالشمس اذا سترها سحاب . (12)
فی هذا الحدیث وأحادیث أُخری نلمس لوجود الإمام أثراً تکوینیا ً، فهویشبه الشمس ودورها فی استمرارالحیاة علی الأرض ، ولولاها لا نعدمت الحیاة. هذه الأهمیة للشمس - وهی مرکزالمجموعة الشمسیة – لا تنتفی بحول المساء والظلام ، ولا باختفائها خلف الغیوم . إنّها تمدّ الأرض بالحرارة والنورللحیاة . ومن الخطأ ان نظنّ بأن الشمس تفقد أهمیتها وفائدتها فی اللیل أو وراء الغیوم .
وهکذا وجود الإمام ، فهو قلب العالم الإنسانی ، والأساس التکوینی للتکامل البشری ،ولا فرق فی ظهوره وغیابه ، وینبغی هنا ان نستذکرما تعرضنا له سابقا ًفی لقاءات ماضیة حول النبوّة والإمامة ؛ لنستکشف المعنی الحق ّللولیة ، والفوائد المترتبة لوجود الإمام ، وأنّه المبرَّرالوحید الاستمرارالنوع البشری .
علی ان الغیبة فی الواقع تعدّ حرمانا ًکبیراً ًللناس من فوائد الإمام ، وبالطبع فإنّ اللوم لا یقع علی أحد سوی البشرأنفسهم الذین لم یتهیأوا بعد لظهورالإمام والیمان به قائدا ًومعلما ًومنقذا ً للبشریة.
ربّما یتساءل البعض فیقول : إذا کانت الظروف لا تساعد علی ظهورالإمام فما جدوی هذه الجهود المبذولة فی طریق ملیء بالأشواک والأخطار؟
وهنا ینبغی أن نفهم شیئا ًهامّا ً، وهوان ّالمسلم لا یفکرفی مصلحته الآنیة ، وإن علیه أن یبذل قصاوی جهده لتحقیق النفع العام بل السعی لإصلاح البشریة جمعاء ّوان الجهاد ضد الطغاة والمستغلّین هومن أکبرالعبادات.
وربما یقال أیضا ً: ما جدوی ان یجاهد شخص أو شخصان بینما الانحراف ظاهرة عامّة ؟ والجواب : انّ سعی المؤمن من أجل إصلاح من حوله سوف یکون له الأثرالبالغ فی نشرالحق ّوالتمهید فی ظهورالإمام ، إضافة إلی انّه یکون قدأدّی واجبه وأنجزوظیفته کمسلم غیور، وانّه سیکون مستحقا ٌ لثواب الله ورضوانه . إنّ خطوة واحدة من أجل الحقّ وفی سبیل الحقّ لها من الثواب ما یعجزالإنسان عن وصفه ، وهذا الانتظار الحقّ .
وهناک شیء لا ینبغی التغافل عنه وهوانّ المهدی یمثل الأمل للمؤمنین الذین جعلوا الاصلاح همّهم الوحید ، وبدون الأمل لا یمکن أن یکون هناک سعی وحرکة ونشاط ، فالجماعة التی تشعربالیأس لا تملک مقوّمات الاستمرارفضلاً عن النجاح .
أجل ان أوضاع العالم تبعث علی الحزن ، لقد طغت المادّة علی الحیاة الإنسانیة وانتشرالفساد وعمّ الظلم ، وما زال الاستعماریبطش بالشعوب المقهورة والإمم المستضعفة ، والحروب مشتعلة هنا وهناک ، والأرض ملیئة بترسانات الأسلحة المدمّرة ، والمصلحون فی العالم أصابهم الیأس والقنوط حتی ان بعضهم یری ان طریق للاصلاح أبدا ً، وان البشریة تتزلق باتجاه الهاویة والفناء .
وفی غمرة هذا الوضع المخفیف والمظلم فإن هناک فی الاُفق کوّة مضیئة بالأمل ، وإن علینا ان نترقّب وننتظرظهورالفرج... لإشراق حکومة العدل الإلهی .
والانتظارالمطلوب هوالانتظارالا یجیی الذی یبعث فی القلوب الکسیرة الطمأنینة والسلام ، وهذه البشارت التی تتحدّث عن یوم موعود لانتصارالمظلومین هی التی المستضعفین بالروح... روح المقاومة والصمود... فالأمل هو أعظم ما یملکه الإنسان المتفائل الذی ینظرإلی المستقبل فیراه أخضربلون الریبع .
إنّ سیدنا محمّدا ً(صلّی الله علیه وآله وسلمّ) وهو یرسّخ فی أذهان اتباعه فکرة المهدی إنّما یهدف إلی القضاء علی مارد الیأس وسدّ الطریق أمام التخاذل والهزیمة أمام الانحراف والفساد والظلم ، فالجولة الأخیرة للإسلام ، ولابّدً لریة التوحیدأن تخفق فوق ربوع العالم بأسره .
ولنصغ إلی مؤسس البالغة.. إلی علیّ (علیه السلام) وهو یخطب فی المسلمین :
«وأخذوا یمینا ًوشمالا ًفی مسالک الغیّ وترکا ًلمذاهب الرشد ، فل تستعجلوا ما هو کائن مرصد ، ولا تستبطئوا ما یجیء به الغد ، فکم من مستعجل بما ان أدرکه ودانه لم یدرکه ، وما أقرب الیوم من تباشر غد . یا قوم ! هذا ابان ورود کلّ موعد ودنوّمن طلعة ما لا تعرفون ، ألا وان من أدرکها منّا یسری فیها بسراج منیر ویحذو فیها علی مثال الصالحین ، لیحلّ فیها ربقا ً ویعتق رقا ً ویصدع شعبا ً، فی سترة عن الناس، لا یبصر القائق أثره ولو تابع نظره ثم لیتخذن فیها قوم شحذ القین النصل ، تجلی بالتنزیل أبصارهم ، ویرمی بالتفسیرمسامعهم ، ویغبقون کأس الحکمة بعد الصبوح». (13)
ونستشف من هذه الخطبة ان الناس فی عهد أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب کانوا ینتظرون وقوع الحوادث التی أخبربها رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلمّ) ، وجوّ الخطبة کما هو واضح یدور حول الغیبة وانّ الإمام خلالها یسعی ببصیرة من الله فی الدفاع عن دینه وأمّته و یدفع عن المظلومین الأذی ، ویشتت قوی الکفرالتی تسعی لتدمیرالدین . وببرکة وجوده یستمرالإسلام والقرآن ، ووجود المؤمنین .
فهمی : لیتک توضّح لناهذا الغموض فی أحادیثنا نحن أهل السنة حول وجود المهدی بهذا الوضوح الذی لدیکم فلم یرد له ذکرلإسمائه مثل القائم ، صاحب . غیرأنّ الوقت متأخّر، فأرجو من سیادتکم الجواب فی اللقاء القادم .
(1) اثبات الوصیة ص206.
(2) اثبات الهداة ج1ص393.
(3) بحار الأنوار ج51ص217.
(4) بحار الأنوار ج52ص91.
(5) بحار الأنوار ج52ص113.
(6) بحار الأنوار ج51ص152.
(7) اثبات الهداة ج6ص437.
(8) المائدة الآیة (1).
(9) الاسراء الآیه(34).
(10) المؤمنون الآیة(8).
(11) بحارالأنوارج52ص96
(12) ینابیع المودّة ج2ص217.
(13) نهج البلاغة ،الخطبة 146.