پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدفن ليلاً

الدفن لیلاً:


کان صمود الزهراء علیها السلام واستقامتها فی الدفاع عن الحق، والجهاد فی سبیل الهدف المقدّس، مثلاً فی القوّة والثبات، وثابرت علیه حتى لحظات عمرها الأخیرة، بل وسّعت ساحة المعرکة إلى ما بعد وفاتها، وأجّجت أوارها بما لم یخمد لهیبه إلى یوم القیامة.
وقد یتعجب القاریء الکریم، ویقول کیف یمکن لشخص أن یستمر فی جهاده إلى ما بعد موته؟
ولکن فاطمة ربیبة الوحی خططت للمستقبل، فإذا جاءها الموت لا تنتهی مراحل جهادها، ولا یخمد لهیب المعرکة مع الظالمین، فأوصت علیاً أن لا یعلم ـ إذا ماتت ـ أبا بکر وعمر ولا یصلیا علیها، فعمل بوصیتها فدفنها لیلاً، ولم یعلمهما وسوّى حوالیها أربعین قبراً کی لا یبیّن قبرها من غیره.
وبهذا وجّهت الزهراء علیها السلام ضربتها القاضیة للخصم؛ وبقی قبرها ودفنها السرّی وثیقة دامغة حیّة لمظلومیتها، وطغیان الجهاز الحاکم إلى أبد الآبدین.
ومن الطبیعی جدّاً أن یسأل المسلمون عن قبر ابنة نبیّهم وعزیزته، فإذا ما کان مجهولاً أثار فیهم السؤال مرّة أخرى عن السبب، فیأتی الجواب: إنّها أوصت بذلک ـ أن تدفن سرّاً ویعفى ثراها ـ وحینها ینحلّ اللغز وینکشف الأمر، ویفهم السائل أنّها کانت ساخطة على الجهاز الحاکم حینذاک، وقد دفنت فی زمن یسوده الإرهاب والقمع.
ویعود السؤال: کیف تکون فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلّى الله علیه وآله وریحانته، العالمة، الفاضلة، الکاملة، ساخطة على الخلافة والخلیفة؟! 


لا یمکن ذلک، إلاّ أن تکون الخلافة مزوّرة، والخلیفة ظالماً غاصباً غشوماً یعمل خلاف سنّة الله ورسوله صلّى الله علیه وآله.


النتیجة:


لم یستسلم أبو بکر لفاطمة علیها السلام، وقاوم جهادها المستمرّ، وأصرّ على عناده، ولم یرجع إلیها فدکاً.
وکذلک فاطمة علیها السلام لم تهن ولم تنکل، فاستطاعت رفع القناع عن الجهاز الحاکم وکشف ظلمه وجوره، وإثبات حقّها ومظلومیتها، وعرف العالم کلّه ذلک، فبقیت فدک شجى فی حلوق الظالمین، والبرکان الذی یهدّدهم بالانفجار فی کلّ حین، والرکن المهزوز بعنف فی حکمهم، والثغرة المفتوحة فی أسوار جهازهم الحاکم، وأکبر وسیلة إعلامیة ضدّهم؛ فکانوا إذا أرادوا کسب رضا العلویین أعادوها إلیهم، وإذا ما نقموا منهم سلبوها منهم.
فلمّا ولّی الأمر معاویة أقطع مروان بن الحکم ثلثها، وأقطع عمر بن عثمان بن عفان ثلثها، وأقطع یزید بن معاویة ثلثها، فلم یزالوا یتداولونها حتى خلصت کلها لمروان بن الحکم أیّام خلافته، فوهبها لعبد العزیز ابنه، فوهبها عبد العزیز لابنه عمر بن عبد العزیز، فلّما ولّی عمر بن عبد العزیز الخلافة ردّها إلى الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب، وقیل: بل ردها إلى علی بن الحسین علیه السلام.
وکانت بید أولاد فاطمة علیها السلام مدّة ولایة عمر بن عبد العزیز.
فلمّا ولّی یزید بن عاتکة قبضها منهم، فصارت فی أیدی بنی مروان کما کانت یتداولونها حتى انتقلت الخلافة عنهم.
فلّما ولّی أبو العباس السفاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن.
ثم قبضها أبو جعفر لما غضب على ولد الحسن. 

ثم ردّها المهدی ـ ابنه ـ على ولد فاطمة علیها السلام.
ثمّ قبضها موسى بن المهدی وهارون أخوه، فلم تزل فی أیدیهم.
حتى ولّی المأمون فردّها على الفاطمیین، ففی ذات یوم جلس المأمون للمظالم فأوّل رقعة وقعت فی یده نظر فیها وبکى وقال للذی على رأسه: ناد أین وکیل فاطمة، فقام شیخ فتقدّم فجعل یناظره فی فدک والمأمون یحتج، وهو یحتج على المأمون، ثمّ أمر أن یسجل لهم بها، فکتب السجل وقرىء فأنفذه.
فلم تزل فی أیدیهم حتى کان فی أیّام المتوکل فأقطعها عبد الله بن عمر البازیار، وکان فیها إحدى عشر نخلة غرسها رسول الله بیده، فکان بنو فاطمة یأخذون ثمرها فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم ذلک التمر، فیصلونهم، فیصیر لهم من ذلک مال جزیل جلیل، فصرم عبد الله بن عمر البازیار ذلک التمر، ووجّه رجلاً یقال له بشران بن أبی أمیة الثقفی إلى المدینة فصرمه ثم عاد إلى البصرة ففلج(137).
وعلى أثر هذه المواقف المشرفة والصراع المقدّس، اضطر عمر بالرغم من سیاسته الخشنة أن یردّ بعض صدقات المدینة التی طالبت بها فاطمة(138).

 

(137) شرح ابن أبی الحدید ج ١٦ ص ٢١٦..
(138) کشف الغمة ج ٢ ص ١٠٠..