پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

مقوّمات المشرّع

 مقوّمات المشرّع

ان یکون محیطا ً إحاطة تامة بعلم "الاناسة"أو الانثر بولوجی خبیراً بکلّّ تفاصیل الإنسان جسماً و روحاً و بکلّّ ما یزخربه من غرائز وما یموج به من عواطف و میول ، فهل هناک من یعلم خفایا الإنسان و یعرف ما مضرّه و ماینفعه ویدرک آماله و آلامه و ما یکتنفه من أوهام و حقائق؟

لوسلّمنا جدلاً أن الإنسان یمکنه الإحاطة بتفاصیل الحیاة مادّیاً ، فما مدی تعمّقه فی الجانب الآخر من الحیاة.. فی روحه التی یشقّ بل یستحیل علی الإنسان أن یحیط بطبیعتها ، و ستبقی تأثیرات الروح و تقلبات النفس مسألة عسیرة الفهم ، صعبة الإدراک.واذا عرفنا ان هذا الجانب عمیق التأثیر فی حیاة البشریة ، أدرکنا النتائج التی تترتب علی إهماله أو الغفلة عنه.

ان غایة ما یمکن للقانون الوضعی أن یفعله هو السیطرة علی ظاهر الحیاة ونشاط الإنسان المنظور ، و لکنه سیبقی عاجزا ً عن الإشراف و ضبط غرائزه وتحدید مساره الأخلاقی.

وإذا استوعبنا بأن القانون هو نتاج جهد بشری ، و ان الإنسان ینطلق فی موافقه من قاعدة أخلاقیة فی أعماقه و من وحی غرائزه المتجذرة فی نفسه ، أدرکنا مدی التصادمات التی قد تنجم عن محأولة فرض القانون الوضعی فی حیاة الإنسان.

وعلی أساس ما ذکرنا آنفاً من تجذّر غریزة الأنا وإنّها المحور الذی یفسّر السلوک الإنسانی بشکل عام حیث تکون المصلحة الشخصیة هی الغاویة الأساس فی تحرک الإنسان ، سوف نتوقع شکل القانون الذی یضعه بنفسه عندما یأخذ بنظر الاعتبار مصالحه الذاتیة بعیدا ً عن هموم الآخرین و طموحاتهم.

وربما سیتهمنی القارئ الکریم بالتعصب و ضیق الافق ، و لکن التأمل فیم تخلطط له الدول الکبری لإصطیاد الدول النامیة و الصغیرة و ما تصنعه من أفخاخ جمیلة للایقاع ، سوف یدفعه لمشاطرة المؤلف ذات الرؤیة و یقف معه نفس موقفه.

ربما یتمکن الإنسان من تعدیل القانون بین حین و آخر ، فیحذف شیئا ً ویضیف شیئاً آخر ، و لکن ذلک سیبقی فی نطاق محدود ، و ستبقی الإنانیة والمصالح الشخصیة -وفی أفضل الظروف المصالح القومیة-هی الأساس فی کلّّ المحاسبات القانونیة ؛ ولکلّّ بلد تجربته المریرة فی هذا المیدان ، فهناک شرائح من المجتمع ستجد القانون إلی جانبها و اخری ضدّها ، و یکاد یسحقها سحقاً ، فأین هی البلاد التی ازدهرت فی ظلّّ قانون ما ، و ما أکثر البلدان التی جرت علیها الشرائع البشریة سوء الغذاب.

وها هو التاریخ البشری یقیم شواهده فی مئات القوانین المشرّعة و آلاف التعدیلات و الإلغاءات.

ولتکن العبودیة مثالا ً ؛ فما أکثر القوانین و اللوائح التی ندّدت بها و دعت إلی إلغائها ، و انّ الإنسان کائن یتمتع إنسان الیوم بالحریة ؟! إننی أترک الإجابة لضمیر القارئ.

فحتی الإنسان الذی یعیش الیوم فی ما یسمّی بالبلدان المتحضرة ینظر إلی مواطنه ربما کإنسان ، و لکنّه و بمجرد ان یعبر حدود بلاده سوف یتصرف بطریقة اخری ؛خاصة فی البلدان النامیة ، و سیقفز لذهنه فوراً إصطلاح "الأهلی"الذی یعبّر عن روح إستعماریة تجعل انسان تلک البلدان یأتی بالدرجة الثانیة التی قد تقترب من مستوی الحیوانات ، و لنقل العبید_فی أحسن الأحوال - وهذا مانراه الیوم من غارات منظمة و جشعة لنهب مقدرات البلدان الضعیفة لحساب البلدان (المتقدّمة) و (المتحضرة).

وإذا کانت القوانین الوضعیة قادرة علی کبح جماح عریزة الأنا فی الذات البشریة ، فلماذا نری تکدّس ثروات الشعوب الفقیرة فی قبضة الدول القویة؟ ولماذا هذا التهالک علی التسلح و تکدیس أسلحة الدمار؟!

وعلی حدّ تعبیر هویز: "اذا لم یکن البشر فی حالة حرب ، فلماذا یسلحون أنفسهم ، و لماذا یقفلون أبواب منازلهم "(1).

ان المشرع البشری أو المشرّعون إنما یبدعون أو یقنّنون و فقاّ لعاداتهم وتقالیدهم و مصالحهم القومیة فی أفضل الإحوال ، و هی - اذن - أطر ضیّقة لا تنسجم مع طموحات البشریة؛ وستبقی أسیرة لمصالح طائفة محدودة أو عرق معین ، و اذا أصبحت الطبقة المرفهة الغنیة فی موقع یمکنها من التشریع فسوف تعمل علی سحق سائر الطبقات و الشرائح الاجتماعیة الآخری.

ومن هنا ستبقی القوانین کحالة البحر ، هادئة یوماّ و هائجة یوما ً آخر!

إذا تمکن القانون من التغلغل فی وجدان المسؤولین عند تنفیذه حتی إنّهم یشعرون بالذنب إذا ما تخلّفوا عنه ، فإن النجاح - سیحالفه ، و بالطبع فإن هذا من خصائص القانون الإلهی.


(1) المصدر السابق ، ص88