پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

مقدّمه الطبعة الثالثة

 مقدّمه الطبعة الثالثة

هل أضحت مسألة الإمامة بحثاً تاریخیاً لا جدوی من و رائه ؟ وهل تبقی _ مهما بلغت من الأهمیة -فی إطارها التاریخی القدیم الذی عفا علیه الزمن ! فماذا یجدی طرحها فی هذا العصر؟ ناهیک عن أضرارها لإنّها ستجِّدد و تبعث من جدید الخلافات بین السنّة و الشیعة.ومسألة طائفیة کهذه لابّد و أن توجّه ضربّّّة قاصمة لوحدة الامّة الإسلامیة و هی فی أمسّ الحاجة إلیها الان و أکثر من أیّ وقت مضی.

ألیس من الأفضل الإعراض عن هذه المسائل ، والبحث فی مسائل أکثر ضرورة ؟

قد تثار مثل هذه التساؤلات هنا أوهناک ، وإذا أردنا الجواب عنها فیمکن القول أنّ البحث فی مسألة الإمامة یخرج عن إطاره التاریخی القدیم الی مجاله الأرحب لیکون من أشدّ المسائل حیاتیة ، لیس لمحتواها العقائدی فحسب ، بل لمعطیاتها الفکریة فی الحیاة الإنسانیة؛ إنطلاقا ًمن جانبها السیاسی و نظریتها فی الإدارة و الحکم.

وإذن فمسألة الإمامة لا ترتبط بزمن مضی بل إنّها تواکب کلّّ الأمازمنة حاضراً و مستقبلاً.

ومن هنا فقد أضحت و علی مدی التاریخ الإسلامی مجالاً حیویاً للبحث ، وکانت واحدة من محاور علم الکلّّام ، و فاقت بذلک غیرها من المسائل الإسلامیة الاخری حتی ألّفت حولها مئات بل آلاف الکتب.

وفی الأحادیث نجد أنّ مسألة الإمامة قد احتلت مساحة و اسعة لتکون معرفة الإمام الحقّ و اتّباعه ضرورة من الضرورات ، و قد قال سیّدنا محّمد (صلی الله علیه و آاله و سلم): "من مات بغیر إمام مات میتة جاهلیة ".(1)

وعن الروای قال: سألت أبا عبد الله (الصادق) (علیه السلام) عن قول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): (من مات ولیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة) قال قلت: میتة الکفر؟ قال: میتة ضلال.قلت: فمن مات الیوم و لیس له إمام فمیتته میتة جاهلیة ؟ فقال: نعم.(2)

وعن آخر قا ل: قلت لأبی عبدالله (علیه السلام): قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من مات لا یعرف إمامه مات میتة جاهلیة ؟ قال: نعم.قلت: جاهلیة جهلاء أوجاهلیة لا یعرف إمامه؟ قال: جاهلیة کفر و نفاق و ضلال (3).

وقال الإمام الرضا (علیه السلام) فی حدیث له: "ان الإمامة زمام الدین ونظام المسلمین و صلاح الدنیا و عزّ المؤمنین ، إن الإمامة أسّ الإسلام النامی وفرعه السامی ، بالإمام تمام الصلاة و الزکاة و الصیام و الحجّ و الجهاد و توفیر الفیء و الصدقات و إمضاء الحدود و الحکام و منع الثغور و الأطراف.ان الإمام یحّل حلال الله و یحّرم حرام الله و یذبّ عن دین الله "(4).
 

وعن محّمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام)یقول: "کلّّّ من دان الله عزوجل بعبادة یجهد فیها نفسه و لا إمام له من الله ، فسعیه غیر مقبول ، وهو ضالّّّ متحیّر ، و الله شانئٌ لأعما له ، و مثله کمثل شاة ضلّت عن راعیها وقطیعها ، فهجمت ذاهبة و جائیة یومها فلمّا جنّها اللیل بصرت بقطیع غنم مع راعیها ، فحنّت الیها و اغترّت بها ، فباتت معها فی مربّّّضها ، فلمّا أن ساق الراعی قطیعه انّکرت راعیها و قطیعها فهجمت متحیّرة تطلب راعیها و قطیعها فبصرت بغنم مع راعیها فحنّت إلیها و اغترّت بها ، فصاح بها الراعی ، الحقّی براعیک وقطیعک فأنت تائهة متحیّرة عن راعیک و قطیعک ، فهجمت ذعرة متحیّرة تا ئهة لا راعی لها یرشدها إلی مرعاها أویردّها ، فبینا هی کذلک إذا اغتنم الذئب ضیعتها فأکلها. وکذلک و الله یا محّمدمن أصبح من هذه الاُکّة لا إمام له من الله عزّوجل ظاهر عادل أصبح ضالاًّ تائهاً ، و إن مات علی هذه الحالة مات میتة کفر و نفاق. و اعلم یا محّمد إنّ أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دین الله ، قد ضلّوا و أضلّوا ، فأعما لهم التی یعلمونها کرماد اشتدّت به الریح فی یوم عاصف ، لا یقدرون مما کسبوا علی شی ء ، ذلک هو الضلال البعید "(5).

و یستفاد مما تقدّم ان بحث الإمامة یعدّ فی صمیم المسا ئل الإسلامیة العامّة؛ وعلیه تتوقف معرفة الإمام الحقّ و صفاته ، و هی مسألة مصیریة با لنسبة للأمة؛ الإسلامیة فی مجالات عدیدة:

- فإلی من یرجع المسلمون فی أخذ أحکام دینهم و حلّ مشکلاتهم الفکریة ؛ إلی أهل بیت النبی من الأئمة المعصومین حملة الرسا لة ، أم الی علماء الرأی والقیاس و الإستحسان؟

- و بمن یتأسّی المسلمون ، و بمن یقتدون؛ بعترة الرسول أم بغیرهم ؟

-و ما هوشکل الحکومة الإسلامیة و ما هی مقوّمات الحاکم الإسلامی ، و هل ان الحکم الإسلامی حقّ مشروع للأئمة المعصومین المعیّنین من لدن الله عزوجل أم لکلّّ من أراد الحکم حتی لو کان ظالماً جاهلا ً؟

و کلّّ هذا و غیرة یندرج فی بحث الإمامة.

فإذا ما بحثت الإمامة بشکل علمی و فی إطار الخُلق الإسلامی بعیدا ًعن التعصب و الإساءة الی مقدسات الطرف الآخر فإنّها لن تکون باعثاً علی تأجیج النّفس الطائفی ، بل سیکون لها الأثر البالغ فی ردم هوّة الخلاف ، و التقریب بین المذاهب.

و فی الختام نذکر بأنّ بحث الإمامة یمکن أن یتمّ فی محورین:

الأوّل: بحوث عامّة فی الإمامة ، من قبیل: ضرورة وجود الإمام ، شروطه و صفاتة؛ کالعلم والعصمة والاعجاز ، و کیفیة انتخابه ، و غیرها.

الثانی: تطبیقات الإمامة و بحث مصادیق الأ ئمة و إقامة الأدلّة فی إثبات إمامة کلّّ منهم. وقد اعتمد الکتاب المحور الأوّل.

ولا أنسی التأکید علی ضرورة تألیف کتاب آخر یعتمد المحور الثانی.

و تبقی الإشارة الی أن الکتاب الحاضر کان قد أّلف قبل 25 سنة أی قبل انتصار الثورة الإسلامیة ، و قد أُجریت علیه بعض التعدیلات اللازمة لیکون فی شکلّّه الحالی بین أیدی القراء الکرام؛سائلا ًالمنّان الرضا و القبول.


إبراهیمی الأامینی
خریف 1416ﻫ.

 

(1)مسند احمد: ج 4 ص96 -الکافی: ج 1ص 376
(2)الکافی: ج 1ص 376
(3) المصدر السابق: ص377
(4)الکافی: ج 1ص200
(5)الکافی: ج 1 ص183.