پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثاني عشر لکل ظاهرة حادثة علة

 الدرس الثانی عشر
لکل ظاهرة حادثة علة

أنتَ تحرّکُ یدک، و ترفعُ القلم من علی المِنضدة، ولکنّ صدیقک لا تتحرکُ یدُه، و لا یرفع القلم لماذا؟ لأنّک أردتَ أن ترفعَ القلَم، و زمیلک لم یرد ذلک.

إنّ إرادة رفع القلم ظاهرة جدیدة تحقّقت فی نفسک. إنّ هذه الظاهرة الجدیدة أوجدتَها أنتَ. إنّ الارادة تتعلّق بک، و هی من فِعل نفسِک، و حرکة الید هی أیضاً تتعلّق بک، و هی من فعل أرادتک.

أنتَ لم تحرّک قبل هذا یدَک، لأنّک لم تُرِد ذلک، ثم اردتَ ذلک فیما بعد، و بعد هذه الارادة حرّکت یدکَ و رفعتَ القلَم.

إنّ ظاهرة الارادة «معلولة» لکَ، فانتَ إذا لم تکن، لم تکن هناک إرادة أیضاً.

إنّ وجود الارادة لیس من عند نفسها، بل هوَ مِنکَ أنتَ.

إنّ بینک و بین إراتکَ علاقةً و ارتباطاً خاصّاً یسمّی «علاقة العلّة بالمعلول».

إنّک تشاهد فی وجودک ـ و بوضوح ـ هذه العلاقة الخاصّة، و تَعرف بها تماماً.

مثالٌ آخر: لقد سبق لک أن رأیتَ غصنَ وَردةٍ.. تصوّر هذه الوردةٍ فی ذهنک.. و الآن فکّر فی تلک الصورة الذهنیّة للوَردة.. إنّ صورةَ الوردة ظاهرةٌ جدیدةٌ قد وُجِدَت فی ذهنک فهل وُجِدَت هذه الصورة بنفسها أم أنتَ قد أوجدّتَها؟

من المعلوم أنّک أنتَ الّذی أوجدتَها.. إذا أنتَ لم تکن لم یکن لصورة تلک الوردَة أیُّ وجود أیضاً.

إنّ هذه الصُّورة الذهنیّة ترتبط بک، یعنی أنّ وجودَها لیس من نفسِها، بل أخذت واکتسبت وجودَها منکَ.. أنت «العلّة»، و الصُّورة الذهنیّة هی «المعلول»، و هذه العلاقة الخاصّة تسمّی «العلاقة بین العلة و المعلول».

إنّک تحسُّ بهذا الارتباط و العلاقة فی قرارة نفسک، و تعرف بها جیّداً.

و علی هذا نستتنتج بأنّک و أیّ إنسان آخر، یجد فی داخل نفسه مسألة «العِلیّه» و یحسّ بها وجدانیّاً.

هذا مضافاً إلی أنّک تجد هذه العلاقة الخاصّة أی الرابطة بین العلة و المعلول ـ بینک و بین أعمالک البدنیّة و الفِکریّة أیضاً. فانتَ تنسبُ تلک الأعمال إلی نفسک ـ التی هی فی الحقیقة علّتها و تقول: أنا رأیتُ، أنا سمعتُ، أنا لمستُ، أنا شممتُ، أنا تذوَّقتُ، أنا تحرّکتُ، أنا فکرت.. و تعتبر نفسک «علةَّ» و أفعالک ـ کالرؤیة، السّماع، اللَّمس الشمّ، التذّوق، الحرکة، التفکیر «معلولةً» لنفسک، و مرتبطةً بها.

إنّ هذه الأفعال تنبع من وجودک، و إذا لم تکن أنتَ لم یکن لأفعالَک و حرکاتک أیُّ وجود أیضاً.

إنّ الانسان یحسُّ بارتباط «المعلول بالعلّة» الذی یدعی: «قانون العلیّة» أو « قانون العلة و المعلول» بین نفسه و أفعاله النفسانیة و الذهنیّة، و حرکاته و أعماله، و یعلم بها علماً حُضُوریّاً أوّلاً، ثم یعدّی هذا القانون إلی خارج وجوده.

قانون «العلیة» قانون اصیل و حتمیّ و عامّ

إنّ الإنسان ـ إنطلاقاً من ذلک الإدراک الحضوریّ ـ یشاهد الظواهر الخارجیّة أیضاً و یدرسُها، فکلّما وجد ظاهرةً یتوقّف وجودُها علی ظاهرة اُخری، عرف أنّ بین هاتین الظاهرتین علاقة «العلة و المعلول» أیضاً، و فی هذه الصُّورة یحکم بأنّ الظاهرة التی تحتاج فی وجودها إلی الغیر، هی «المعلول» و ذلک الغیر الذی أوجب وجود الظاهرة هی «العلّة».

إنّ الانسان ـ فی ضوء الدِّراسة و المطالعة، و فی ضوء التجارب الکثیرة ـ یدرک هذا الأمر جیّداً، و هو أنّ بین بعض ظواهر الکون، و ظواهر اُخری نوعاً من العلاقة و الرابطة، من نوع الرابطة القائمة بین نفسه و بین ظواهره النفسیّة الحادثة، و علی أساس هذا الإدراک العمیق یُعتبر قانون «العلیّة» قانوناً عامّاً شاملاً.

إنّ إنتظار الانسان نتیجةً مطلوبةً عقیب کلِّ عمل یقوم به، خیر شاهدٍ علی أنّه قد قبِل بکون قانون «العلیّة» قانوناً کلیّاً عامّاً.. إنّه ینتظر الإِرتواءِ من شرب الماء، والشبع من أکلٍ الطَعام، کما أنّه یلجأ فراراً من البرد إلی النّار، و من الحرارة إلی الفیء.

و علی کلِّ حالٍ إنّ کل واحدمنا قد قبِل ـ فی حیاته الیومیّة و فی جمیع حرکاتنا و نشاطاتنا ـ بـ «العلیّه» کأصلٍ قطعّیٍ، و مبدأٍ شاملٍ، و ترتّبُ الأثر علی ذلک.

لا ظاهرة من دون علةٍٍ

إذا انفتح بابُ الغرفة، و لم تشاهد الشخصَ الذی فتحه، کیف تفکر؟ هل تحتمل أنّه انفتح بِنفسِه (أی مِن دُون علّةٍ)؟

و إذا سمعتَ صوتاً و لم تر صاحَبه کیف تفکّر؟ هل تحتمل أنّ ذلک الصوت وُجِدَ صِدفةً (أی مِن دُونِ علّةٍ مناسبةٍ)؟

إذا أحسستَ ببرودةٍ أو حرارة هل تحتمل أنّ ذلک حدث من دون علّة؟

إذا ارتطمت حصاةَ بزجاج النافذة و کسرتهُ، ولم تشاهد رامی الحصاة، ماذا تفکّر؟ هل تحتمل أنّ الحصاة انفصَلَت عن الأرض بنفسها، و ارتطمت بزجاج النافذة من دون علّة؟

إنّ إجابتکم علی هذه الأسئلة واضحة بلاشک، لانکم ستقولون: نحن نمتلک عقلاً و شعوراً، و نعلم أنه لا توجَد أیّة ظاهرة فی الکَون من دون «علّة» و فاعل، و إن لماذا یکون نشاهد نحن تلک العلّة، و ذلک الفاعلَ، لأنّ عدم الوجدان لا یدلُّ علی عدم الوجود، و لهذا فإنّک تبقی تفتش، و تواصل بحثک حتی تقف علی«العلّة الحقیقّة»، ولو أنّک لماذا یکون تقف علی «العلّة»ـ إفتراضاً ـ لا تقول لیست لهذه الظاهرة «علّة» بل ستقول: إن «علّة» هذه الظاهرة مجهولةٌ لنا.

إنّ العلماءَ و المختر عین قبِلوا بقانون «العِلیّة» الکلّی، لهذا بذلوا تلک الجهود الکبری للوقوف علی عِلَلِ الأشیاء، و کلّما وقفوا ـ ضمن الاختبار و التجربة ـ علی ظاهرة جدیدة عرفوا بیقین أنّ لهذه الظاهرة الجدیدة «علّة»، و لهذا عمدوا إلی إجراء تجارب جدیدة بهدف الوقوف علی علّتها، و ظلّوا یواصِلون البحث و التفتیش حتی یِقفوا علی «علّة» تلک الظاهرة الجدیدة فی المآل.


للکون علة ایضاً

نحن نعلم أنّ قانون «العلیّة» مبدأٌ قطعیٌّ و قانون حتمیّ و عامٌّ، و لا توجَد أیّة ظاهرة من دون «علّة»، ولکلّ ظاهرة من الظواهر الکونیّة«علّة..» إنّ هذا القانون العامّ موضع قبول الجمیع علی الاطلاق.

إنَّ لکلِّ ظاهرٍةٍ حادثةٍ« علةً» و علُّتها هی أیضاً لو کانت ظاهرةً حادثةً کان لها «علَّةٌ»، و علی هذا الأساس یکون عالَمُ الخلق کلُّه مرتبطاً بـ (علة) فوقه، لکونه ظاهرةً محتاجةً، و لا یمتلک وجوداً من نفسه.

و أساساً الحاجةٌ إلی الغیر أوّل خصائص الظاهرة الحادثة... فکل ظاهرة حادثة، کبیرة کانت أو صغیرة، محتاجة إلی غیرها، و متوقّفة علیه. و إنَّ وجودَه لیس من نفسه، إذ لو کان وجودُه من نفسه لکان موجوداً دائماً، کما لم یکن محتاجاً، ولکنّ عالَم الظواهر محتاج إلی الوجود، و لهذا فهو یحتاج إلی ذاتِ أعلی غیر محتاجة حتی تکونَ منبعَ الوجود، و واهبة لجمیع هذه الظواهر الحادثة و الکائنات المحتاجة المحدودة.

تلک الذات الأعلی، و ذلک الموجود الفرید غیر المحدود الذی هو منبع الوجود و الذی لا یکون فیه أیُّ حدٍّ و نقص و حاجة هو «الله» تبارک و تعالی.

فهو الذی خَلَقَ العالَم، و هو الذی یدبّره بإفاضاته و عنایاته، و یربیه، ولو أنّ فیضه و رحمته انقطعت لحظة واحدة لم یکن هناک شیء، و کان کلُِّ شیء باطلاً و عَدَماً.

قال فی القرآن الکریم: (یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ )(1)

 

خلاصة هذا الدرس

إنّ لکلّ ظاهرةٍ حادثةٍ «علة»، و إنّ العالَم الذی هو عبارة عن مجموعة من الظواهر الحادثِة و یکون بمثابة ظاهرةٍ حادثةٍ واحدةٍ کبری، له «علَّةٌ»، و مُوجِد أعلی منه، ولکنّه غیر محتاج إلی شیء أو أحَد، لأنّه إذا کان خالقُ الکَون هو أیضاً محتاجاً، و ظاهرة حادثة، إضطرّ إلی أن یکون له خالق، و علّة غیر محتاجة.

و علی هذا الاساس فإنَّ «العلّة» الحقیقیة لهذا العالَم، و خالقه هو «الله» المستغنی عن کلّ شیءٍ، المحتاجُ إلیه کلُ شیءٍ.. إنّه هو الذّی خَلَق کلّ شیءِ، و کلّ أَحَدٍ، و هو یمنحها الوجودَ فی کلِّ لحظة، و لیس هو مخلوقاً لَأحَدٍ.

فَکِّروا واجیبوا

1ـ کیف ندرک علاقة «العِلیّة» وضِّحوا هذا بذکر فعلٍ نفسانّی للإنسان، و صورةٍ ذهنیّة؟

2ـ «العِلّة» ماذا تعنی؟ «المعلول» ماذا یعنی؟ و ما هو «قانون العِلیّة»؟

3ـ اُذکروا بعض الأعمال التی ننسبها إلی أنفسنا، و بیّنوا «العلّة و المعلول»، و العلاقة بینهما فی مجال هذه الأعمال.

4ـ اُذکروا عدّة أمثلة «للعلّة و المعلول» فی العالَم، و وضِّحوا عَلاقة «العِلیّة» بینها.

5 ـ ماذا یعنی أنّ « قانون العلّة و المعلول قانون عام و شامل»؟

6 ـ علی أیّة اُسس تُثبتون أنّ للکون علةً غیر محتاجة؟ وضِّحوا هذا.

 

1 . فاطر ـ 15.