پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس السابع: صحيفة العمل

الدرس السابع

صحیفة العمل

 

هل فکّرتَ بماضیکَ إلى الآن؟

یمکنُک أن تَستعیدَ فی ذِهنک أعمالَکَ السابقة، و تتذکّر خواطرَها. إنّک بتذکّرک بعض أعمالک تفرح و تسرّ، کما یمکنک أن تحزن و تغتّم و تنزعج عند تذکّرک لبعض الأعمال.

إنّ جمیعَ أعمالنا و معلوماتنا السابقة منقوشة فی لوح ضمیرنا و نفسِنا هکذا. و نحن وإن کان من الممکن أن ننسی بعضَها فی الظاهر، و لکنّ جمیعَها ثابتة و باقیة فی أعماق نفوسنا و بواطننا.

إنّ أعماق روحنا و نفسنا تشبه فیلماً تصویریاً حسّاساً. بل هی أدقُّ و اکثر حساسیّة و انفعالاً.

إنّها تصوّر صُوَراً من العالَم مثل ما تفعل آلةُ التصویر، و تحتفظ بها... إنّ أنفسنا تتأثّر بأعمالنا و أخلاقِنا و اعتقاداتنا أیضا، و تحتفظ بحقائقها فی ذاتها، و بسببها تسلکُ طریقَ التکامل و الصعود، أو طریق الهبوط و السقوط.

إنَّ الأخلاق الحسنة تمنح النفسَ البشریةَ صفاءً و نوراً و سروراً.

بل إنَّ للأعمال الحسنة و الأخلاق النبیلة آثاراً جمیلةً، و مُسِرّة للنفس البشریة خالدة و ثابتة.

إنَّ الانسانَ المحسنَ الذی یعمل و یسعى إلى اکتساب رضا الله، و محبّته، و یذکر الله دائماً و یأنس به، و یحبُّه، یربّی بالأخلاق الحسنة، و العَمل الصالح نفسَه، و یتقرّب إلى الله مرکزِ الکمال و القدرة، و منبع کلِّ جمالٍ و سرور.

و بالإیمان بالله و التوجّه إلیه یُنوّر قلبَه، و یمنحه الصَّفاء، ویخطو باستمرار فی طریق التکامل و الصعود، و ینمِّی جوهرةَ إنسانیته الغالِیة. و على العکس من ذلک تترکُ العقائد الخاطئةُ و الباطلةُ، و الأخلاقُ السیّئةُ، و العملُ الردى‏ء، آثاراً سیّئة فی نفس الإنسان الطاهرة الحسّاسَة، و تلوّث أعماق روح الإنسان، و تصیب نفسَه بالظلام و الکَدر، و توجب الغمّ و الحزن.

إنّ الإنسانَ الملحِدَ المسییَ غَفَلَ عن الله، و انشغل بأمور الدنیا، قطع علاقته وصلته بالله، و تعلق بالدنیا و ملاذّها الحیوانیّة... و انسانٌ کهذا ینحرف عن الصراط المستقیم، و عن طریق التکامل النیّر، و یسقط أسیراً فی الودیان الحیوانیّة المظلمة الرهیبة.

إنَّ مثل هذا الشخص یربّی فی نفسه ـ بهذه الأفکار و الأعمال الشریرة ـ خصالَ الحیوانات المفترسة، و یعمل على تکدیر جوهرةِ الإنسانیةِ فی ذاته، وإخماد جذوتِها ولمعانها.

ولقد صوّر الأئِمة المعصومون هذه الحقیقة ـ المعروفة لدى کلّ إنسانٍ عالِمٍ یقظٍ ـ ببیانٍ مبسَّطٍ وعباراتٍ واضحةٍ هکذا:

إنّ نفسَ کلِّ إنسان کَلَوْحَةٍ نظیفةٍ بیضاء، تنمّیها الأعمالُ الحسَنة، و تُضفی علیها مزیداً من الصّفاء و الجمال، و البهاء و الکمال، و على العکس من ذلک تفعلُ الأعمالُ السیّئةُ و الذُّنوبُ و المعاصی، فإنّها توجدُ فی النفس بُقَعاً سوداء مظلمة، و تلوّث صفحتها و تجعلها شرّیرةً. فاذا أصرَّا الإنسانُ على الذَّنبِ و المعصیة، غطَّتْ هذه البُقع السَّوداء لوحةَ النفسِ الطاهرةِ البیضاء برمّتها، و أوجبت، ظلمةَ القلب بسبب المعاصی و القبائح التی ارتکبها هوَ، فأحرقته فی الدنیا فی نار الحسرة و الغمّ، و فی الآخرة فی نار جهنم الحارقة التی هی حصیلة افعاله، و نتیجة اعماله.

رُوی عن النبیّ صلى الله علیه و آله أنّه قال: قَلبُ المؤمنُ أجرد، فیه سراجٌ یزهَر، و قلبُ الکافِر أسود منکوسٌ، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مُصقِلاتٌ للقلب، و معصیته مسوِدّات له، فمن أقبل على المعاصی اسودَّ قلبُه، و من أتبَعَ السّیئةَ بالحسَنَة، و محی أثَرها لم یظلم قلبُه، و لکنْ ینقص نورُه، کالمرآة التی یتنفّس فیها ثمّ یمسح ثم یتنفّس ثم یمسح، فانّها لم تخلو عن کدورة قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ». [71]،[72]

عن أبی جعفر علیه السَّلام قال: ما مِن عبدٍ إلّا و فی قلبه نکتةٌ بیضاء، فإذا أذنبَ ذنباً خرجَ فی النکتة نکتةٌ سوداء، فإن تاب ذهبَ ذلک السوادُ، و إنْ تمادی فی الذنوب زاد ذلک السوادُ حتى یغطّی البیاضَ، فاذا غطّی البیاضَ لم یرجع صاحبُه إلى خیر أبداً، و هو قول الله عز و جل «کَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ ».[73]،[74]

عن أبی عبدالله علیه السلام أنه قال: کانَ أبی یقول: ما مِن شیء أفسد للقلب من الخطیئة، إنّ القلبَ لیواقع الخطیئةَ فما تزال به حتى تغلب علیه فیصیر أسفلُه أعلاه، و أعلاه اسفلَه.[75]

و الخلاصة أنّ جمیع أعمال الإنسان - حسنةً کانت أو سیئة - تسجَّل فی أعماق وجوده فی صحیفة عمله، و یکتب ملائکة ربنا، الذین یراقبون الانسانَ لیل نهارَ جمیعَ أعمالنا و تصرفّاتنا، و الله من فوقهم ناظر و شهید لأعمالنا، فلایضیع أیُّ شیء مِن أعمالنا و لا یُنسی بل یبقی جمیعها ثابتاً محفوظاً للحساب و الجزاء.

یقول الله تعالى: «وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً ».[76]

«یَوْمَئِذٍ یَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِیُرَوْا أَعْمالَهُمْ. فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ. وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ ».[77]

إنّ أعمالنا فی هذه الدنیا لا تفنی، إنما تُضبَط و تُسَجَّل فی سجلّ أعمالنا، و هی ترافقنا دائماً، و لکننا غافلون عَنها، و عندَما تنکشف حُجُبُ الغفلة بعد الموت و الإنتقال إلى عالم الآخرة، و یظهر للأنسان باطنُه، و أعماقُ وجوده... تُفتَح أمام عیوننا صحیفةُ عملنا المدهِشة، و حینئذ نشاهدُ جمیع أعمالنا بالعیان، و نراها حاضرةً أمامنا و کأنّنا نمارسُها فی ذلک الوقت، و فی القرآن الکریم: «یَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ».[78]

«وَ وُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَى الُْمجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمّا فِیهِ وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً».[79]

إن الانسان بعد انتقاله من هذا العالم إلى عالم الآخرة - حسب هذه الآیات - ینظر إلى صحیفة عمله یوم القیامة، و یشاهدها جمیعاً بعینیه ثم یخاطَبُ من قِبَل الله تعالى:

«لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ ».[80]

فی یوم القیامة الذی یحشَر فیه الإنسان للحساب، تظهر له حقیقته و ینکشف له عمق وجوده، و تُفتَح امامه صحیفةُ عمله، و ینظر فیها بدقّة و إمعان ویجد جمیع أعماله حاضرةً دفعةً واحدة، و فی مکانٍ واحدٍ. و لقد جاء فی القرآن الکریم بیان حول تلقّی الإنسان لصحیفة عملِهِ:

«فَأَمّا مَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَیَقُولُ هاؤمُ اقْرَؤا کِتابِیَهْ . إِنِّی ظَنَنْتُ أَنِّی مُلاقٍ حِسابِیَهْ . فَهُوَ فِی عِیشَةٍ راضِیَةٍ . فِی جَنَّةٍ عالِیَةٍ . قُطُوفُها دانِیَةٌ . کُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِیئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِی الْأَیّامِ الْخالِیَةِ . وَ أَمّا مَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِشِمالِهِ فَیَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُوتَ کِتابِیَهْ . وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِیَهْ . یا لَیْتَها کانَتِ الْقَاضِیَةَ. ما أَغْنى عَنِّی مالِیَهْ . هَلَکَ عَنِّی سُلْطانِیَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ».[81]

فکِّروا و اجیبوا

1 ـ أىُّ أثر تترکه الأعمالُ و الاخلاقُ الحسنة الحمیدةُ فی نفس الانسان؟

2 ـ کیف یُصفّی الانسانُ المحسن روحَه و قلبَه و یمنحه النورَ و الصفاء؟

3 ـ ما هی العقائدُ أو الأعمالُ التی تورثُ الروح البشریة الظلمة و تلوثُها؟ و کیف تسقط الانسان عن صراط التکامل
المستقیم و المنیر، و تحرّمُه من التقرّب إلى الله؟

4 ـ کیف صَوّر القادةُ المعصومون تأثّر النفس البشریة و انفعالها بالأعمال؟

5 ـ مضافاً إلى ثبوت أعمال الانسان فی أعماق نفسه، و روحه مَن هم الذین یراقبون تلک الأعمال و یشاهدونها؟

6 ـ ما ذا یقول العصاة یوم القیامة عندما یعاینون باُم أعینهم صحیفة أعمالهم و تصرّفاتهم؟

7 ـ عندما ینظر الإنسان إلى صحیفة عمله یوم القیامة، و یرى أعماله جمیعها رؤیة العین بماذا یخاطَب من جانب الله تعالى؟

8 ـ فی أیّ عالم تظهر للإنسان حقیقةُ وجود الإنسان بالکامل؟

9 ـ على مَن یُطلَق «أصحابُ الیمین» (فی ثقافة القرآن)؟ و ما ذا یقول هؤلاء عندما یواجهون صحیفة أعمالهم؟

10 ـ على من یطلَق «أصحابُ الشّمال» (فی منطق القرآن)؟ و ما ذا یقول هؤلاء عند مشاهدتهم لصحیفة عملهم؟ و کیف تکون عیشتهم فی الآخرة؟

11 ـ إحفظوا الآیات و تعلموا تفسیرها جیّداً.

 

 

[71] الاعراف - 201.
[72] بحارالانوار ج73 ص 328.
[73] المطففین - 14.
[74] بحارالانوار ج73 ص 332.
[75] بحارالانوار ج73 ص348.
[76] الاسراء - 13.
[77] الزلزال - 6 / 8.
[78] الطارق - 9.
[79] الکهف - 49.
[80] ق - 22.
[81] الحاقة - 19 / 31.