پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

المقام الحقيقي للامام

کما ذکرنا سابقاً ان مقام النبوة والامامة مقامان حقیقیان بثلاث خصائص :

1 ـ العلم بجمیع العلوم والمعارف والأحکام والقوانین الدینیة والاخلاقیة والتکالیف العبادیة وغیر العبادیة وبکلمة واحدة العلم بمجموع ما نزل على النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله ممّا له تأثیر فی تأمین السعادة الدنیویة والاخرویة للانسان.

2 ـ العصمة عن کل خطأ ونسیان فی حفظ أحکام الشریعة وابلاغها الى الناس.

3 ـ العصمة عن ارتکاب الذنوب وانتهاک أحکام الشریعة.

وهذه الخصائص الثلاث من مستلزمات المقام الحقیقی للنبوة والامامة وهذه هی العقیدة الصحیحة وبها یتوجب معرفة النبی والامام والایمان به.

عقیدتان منحرفتان

الاولى : التقصیر

وانطلاقاً ممّا ذکر آنفاً فان کل من یشکک فی هذه الصفات جمیعاً أو بإحداها فانه یجهل المقام الحقیقی للنبی والامام وهو فی هذا المضمار قد قصّر فی حقه ویطلق علیه مصطلح « المقصّر ».

والمقصرون هم الذین ینکرون الجامعیة العلمیة للنبی أو الامام أو الذین لا یعتقدون بعصمة النبی أو الامام وأن النبی والامام فی الخطأ والنسیان کسائر الناس یمکن أن یرتکبوا الذنوب والمعاصی وهذه العقائد باطلة وغیر صحیحة لأن الاعتقاد بذلک تحت أیة ذریعة هو بمنزلة انکار ضرورة ارسال الأنبیاء وانکار ضرورة تشریع الامامة.

الثانیة : الغلو

تعریف الغلو : الغلو هو الافراط والمبالغة والاستغراق فی العقیدة.

قال العلاّمة المجلسی فی تعریف الغلو : اعلم ان الغلو فی النبی والأئمّة انّما یکون بالقول فی الوهیتهم أو بکونهم شرکاء اللّه‏ تعالى فی
المعبودیة أو فی الخلق والرزق أو ان اللّه‏ تعالى حل فیهم أو اتّحد بهم أو انهم یعلمون الغیب بغیر وحی أو الهام من اللّه‏ تعالى أو بالقول فی الأئمّة انهم کانوا أنبیاء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم الى بعض أو القول بأن معرفتهم تغنی عن جمیع الطاعات ولا تکلیف معهم بترک المعاصی والقول بکل منها الحاد وکفر وخروج عن الدین کما دلّت علیه الأدلّة العقلیة والآیات والأخبار السالفة وغیرها وقد عرفت ان الأئمّة علیهم‏ السلام تبرؤوا وحکموا بکفرهم[121].

الغلاة هم الذین افرطوا فی عقیدتهم بالامامة واخرجوا الأئمّة الأطهار عن اطارهم البشری وخلعوا علیهم بعض صفات الالوهیة.

فبعض الغلاة نسبوا الى الامام الرزق ونزول المطر وقضاء حاجات الناس وشفاء المرضى وغفران الذنوب فأشرکوا باللّه‏ العلی العظیم.

وان بعض أدعیاء التشیع یبالغ فی اظهار الحب والولایة الشکلیة لأهل البیت وینسلخ عن أداء الفرائض الدینیة ولا ینتهی عن ارتکاب المحرمات.

وهذه العقائد واضافة الى عدم انسجامها مع البراهین والأدلّة العقلیة وصریح الآیات القرآنیة فان الأئمّة الأطهار من آل النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله قد استنکروا هذه العقائد بشدّة وهاجموا أصحابها بل وأفتوا بکفرهم والحادهم بل اهدروا دماءهم ولدینا فی هذا المضمار روایات عدیدة منها ما ورد عن أبی هاشم الجعفری قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه‌‏السلام عن الغلاة والمفوضة
فقال :

« الغلاة کفار والمفوضة مشرکون من جالسهم أو خالطهم أو آکلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج الیهم أو آمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حدیثهم أو أعانهم بشطر کلمة خرج من ولایة اللّه‏ عزوجل وولایة الرسول صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله وولایتنا »[122].

وعن المفضل بن یزید قال : قال أبو عبداللّه‏ ( الصادق علیه‌‏السلام ) : وذکر أصحاب أبی الخطاب والغلاة فقال لی :

« یا مفضل لا تقاعدوهم ولا تؤاکلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم »[123].

ودخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزدی على أبی عبداللّه‏ ( الصادق علیه‌‏السلام ) فقالا له : جعلنا فداک ان المفضل بن عمر[124] یقول : انکم تقدّرون ارزاق العباد ؟ فقال :

« واللّه‏ ما یقدّر أرزاقنا الاّ اللّه‏ ولقد احتجت الى طعام لعیالی فضاق صدری وابلغت الیّ الفکرة فی ذلک حتى احرزت قوتهم فعندها طابت نفسی لعنه اللّه‏ وبریء منه ».

قالا : أفنلعنه ونبرّأ منه ؟

قال علیه‌‏السلام : نعم.

فلعنّاه وبرئنا منه ، بریء اللّه‏ ورسوله منه[125].

وأبو الخطاب الذی لعنه الامام هو أحد زعماء الغلاة فی عصر الامام الصادق تمکن من خداع الکثیرین وابتدع مذهباً باطلاً وأصله من الکوفة ثم قصد المدینة لطلب العلم واستماع الحدیث وحضر مجالس الامام الصادق علیه‌‏السلام.

قال الامام الصادق علیه‌‏السلام عنه :

« کان أبو الخطاب أحمق فکنت احدثه فکان لا یحفظ ».

وسافر أبو الخطاب الى مدن اخرى وکان یختلق الأحادیث الکاذبة وینسبها الى الامام الصادق علیه‌‏السلام وقد تبعه کثیر من الجهّال والأغبیاء بعد أن ادّعى ان الامام الصادق علیه‌‏السلام قد علّمه الاسم الأعظم وانه قد نصبه وصیّاً وقیّماً ثمّ تمادى فی اباطیله فادّعى النبوّة والرسالة وقال بالوهیة جعفر الصادق علیه‌‏السلام وانه رسوله الى الناس وأباح بعض المحرّمات من قبیل الزنا والسرقة وشرب الخمر وادّعى عدم وجوب الصلاة والصوم والزکاة وکان فی بدء تحرکه المشبوه قد بالغ فی مقام الامام وزعم انه نبی ورسول ثمّ ادّعى له الالوهیة وانه لا یرى لأنه لیس بجسم محسوس ولکنه نور طوى عدة مراحل لیأتی الى هذا العالم ویراه الناس بصورة انسان وقد شعر الامام الصادق بالغضب واعتصر قلبه الألم الشدید ورفع یدیه السماء وقال : لعنة اللّه‏ علیه والملائکة والناس أجمعین وشهد على کفره وشرکه
وان اللّه‏ سوف یحشره مع فرعون.

وروی عن زرارة انه قال : قلت للصادق علیه‌‏السلام ان رجلاً من ولد عبداللّه‏ بن سنان یقول بالتفویض.

فقال علیه‌‏السلام : وما التفویض ؟ قلت : ( یقول الرجل ) : ان اللّه‏ تبارک وتعالى خلق محمّداً وعلیاً صلوات اللّه‏ علیهما ففوّض الیهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحییا.

فقال علیه‌‏السلام : کذب عدوّ اللّه‏ اذا انصرفت الیه فاتل علیه هذه الآیة التی فی سورة الرعد :

« أَمْ جَعَلُوا للّه‏ِِ شُرَکَاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِم قُلِ اللّه‏ُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ »[126].

فانصرفت الى الرجل فأخبرته فکأنی القمته حجراً أو کأنما خرس[127].

وروى عبدالرحمن بن کثیر قال : قال أبو عبداللّه‏ علیه‌‏السلام یوماً لأصحابه :

« لعن اللّه‏ المغیرة بن سعید ولعن اللّه‏ یهودیة کان یختلف الیها یتعلّم منها السحر والشعبذة والمخاریق ، ان المغیرة کذب على أبی فسلبه اللّه‏ الایمان وانّ قوماً کذبوا علیّ ما لهم اذاقهم اللّه‏ حرّ الحدید ، فواللّه‏ ما نحن الاّ عبید الذی خلقنا واصطفانا ما نقدر على ضرّ ولا نفع وإن رحمنا فبرحمته وان عذبنا فبذنوبنا ، واللّه‏ ما لنا
على اللّه‏ من حجة ولا معنا من اللّه‏ براءة وإنّا لمیتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ویلهم ما لهم لعنهم اللّه‏ لقد آذوا اللّه‏ وآذوا رسوله صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله فی قبره وأمیرالمؤمنین وفاطمة والحسن والحسین وعلی بن الحسین ومحمّد بن علی صلوات اللّه‏ علیهم وها أنا ذا بین أظهرکم لحم رسول اللّه‏ وجلد رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله أبیت على فراشی خائفاً وجلاً مرعوباً یأمنون وأفزع ینامون على فرشهم وأنا خائف ساهر وجل اتقلقل بین الجبال والبراری أبرأ الى اللّه‏ مِمّا قال فیّ الأجدع البرّاد عبد بنی أسد أبو الخطاب لعنه اللّه‏ ، واللّه‏ لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلک لکان الواجب أن لا یقبلوه فکیف وهم یرونی خائفاً وجلاً استعدی اللّه‏ علیهم واتبرأ الى اللّه‏ منهم اشهدکم انی امرؤ ولدنی رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله وما معی براءة من اللّه‏ إن أطعته رحمنی وان عصیته عذبنی عذاباً شدیداً[128] ».

وقال الامام الصادق علیه‌‏السلام یحذّر أصحابه :

« احذروا على شبابکم الغلاة لا یفسدوهم فان الغلاة شرّ خلق اللّه‏ یصغّرون عظمة اللّه‏ ویدّعون الربوبیة لعباد اللّه‏ ، واللّه‏ ان الغلاة شرّ من الیهود والنصارى والمجوس والذین أشرکوا ».

ثمّ قال علیه‌‏السلام :

« الینا یرجع الغالی فلا نقبله وبنا یلحق المقصّر فنقبله ».

فقیل له : کیف ذلک یابن رسول اللّه‏ ؟

فقال علیه‌‏السلام :

« الغالی قد اعتاد ترک الصلاة والزکاة والصیام والحج فلا یقدر على ترک‏عادته وعلى الرجوع الى طاعة اللّه‏ عزوجل أبداً وان المقصّر اذا عرف عمل وأطاع »[129].

وکان الامام علی بن موسى الرضا علیه‌‏السلام یقول فی دعائه :

« اللّهمّ انی بریء من الحول والقوّة ولا حول ولا قوّة الاّ بک.

اللّهمّ انی أعوذ بک وأبرأ الیک من الذین ادعوا لنا ما لیس لنا بحق.

اللّهمّ انی ابرأ الیک من الذین قالوا فینا ما لم نقله فی أنفسنا.

اللّهمّ لک الخلق ومنک الرزق وایاک نعبد وایاک نستعین.

اللّهمّ أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولین وآبائنا الآخرین.

اللهمّ لا تلیق الربوبیة الاّ بک ولا تصلح الالهیة الاّ لک ، فالعن النصارى الذین صغروا عظمتک والعن المضاهئین لقولهم من بریتک.

اللّهمّ إنّا عبیدک وأبناء عبیدک لا نملک لأنفسنا نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حیاةً ولا نشوراً.

اللّهمّ من زعم أنّا أرباب فنحن منه براء ومن زعم ان الینا الخلق وعلینا الرزق فنحن براء منه کبراءة عیسى بن مریم علیه‌‏السلام من النصارى.

اللّهمّ إنّا لم ندعهم الى ما یزعمون فلا تؤاخذنا بما یقولون واغفر لنا ما یدّعون ولا تدع على الأرض منهم دیّاراً انک إن تذرهم یُضلّوا عبادک ولا یلدوا الاّ فاجراً کفاراً »[130].

وقال أبوبصیر : قلت لأبی عبداللّه‏ ( الصادق علیه‌‏السلام ) : انهم ( الغلاة ) یقولون ، قال : وما یقولون ؟ قلت : یقولون ( انک ) تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما فی البحر وعدد ( ذرات ) التراب ! فرفع یده الى السماء وقال : سبحان اللّه‏ سبحان اللّه‏ لا واللّه‏ ما یعلم هذا الاّ اللّه‏[131].

وعن ابن المغیرة قال : کنت عند أبی الحسن علیه‌‏السلام أنا ویحیى بن عبداللّه‏ بن الحسین فقال یحیى : جعلت فداک انهم یزعمون أنک تعلم الغیب ! فقال : سبحان اللّه‏ ضع یدک على رأسی فواللّه‏ ما بقیت فی جسدی شعرة ولا فی رأسی الاّ قامت ، قال الراوی : ثمّ قال علیه‌‏السلام : لا واللّه‏ ما هی الاّ روایة عن رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله[132].

 

[121]. بحار الأنوار: ج25، ص346.
[122]. المصدر السابق: ص273.
[123]. المصدر نفسه: ص296.
[124]. تضاربت الأقوال حول القول بغلوّه ولکن البعض یذهب الى انه کان من الغلاة ثم تاب وعاد الى رشده ولزم الامام الصادق علیه‌‏السلام وتوفی على عقیدة الاسلام.
[125]. المصدر نفسه: ص301.
[126]. الرعد 13: 16.
[127]. المصدر نفسه: ص343 ـ 344.
[128]. المصدر نفسه: ص289.
[129]. المصدر نفسه: ص265. من هذا النص وغیره عُدّ علم الغیب من مصادیق الغلو وقد نُفی
هذا الأمر من النبی والأئمّة من آله. غیر أنَّ بعض العلماء قالوا فی تبریر ذلک: انَّ الغلوّ اذا کان العلم بالغیب مستقلاً من دون تعلیم، امّا من یعتقد بأنّ الامام وفی الموارد الضروریة یعلم ببعض الامور الهاماً الهیاً فهذا لا یُعد من مصادیق الغلو وهذا لا یتنافى مع عدم علم الامام بالغیب ذاتیاً فهذا ما فسّره الامام أبوالحسن علیه‌‏السلام على هذا النحو.
[130]. المصدر نفسه: ص343.
[131]. المصدر نفسه: ص394.
[132]. المصدر نفسه: ص293.