پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

مقام الامامة

ان معرفة مقام الامامة ومنزلتها الحقیقیة وتحدید مصادیقها هو أمر ضروری ومصیری للمسلمین وقد أکدت الأحادیث الشریفة على ذلک.

وقد طرحت هذه المسألة فی علم الکلام وهی هل ثمة شروط لبلوغ مقام الامامة وهل توجد شروط خاصّة أم یمکن لأی انسان الوصول الى ذلک المقام ؟ بعبارة اخرى هل ان الامامة مقام ذاتی باطنی أو هو صوری واعتباری یحصل بالنصب فی ذلک المقام ؟ وانه یمکن زواله ؟ وهذه الاختلافات موجودة أیضاً فی مسألة النبوة.

وقد ثبت فی بحث النبوّة انها مقام حقیقی وباطنی وأن التصدّی لهذا المقام یتطلب جدارة وکمالات ضروریة ذاتیة وان اصطفاء سیّدنا محمّد صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله لمقام النبوة جاء لوجود کمالات ذاتیة ونفسیة فی شخصیته وانه لا یمکن لأی شخص آخر من قبیل أبی جهل و... أن یتبوأ هذا المقام وأن یختاره اللّه‏ عزوجل لهذا المقام.

وتعنی النبوة الارتباط المباشر للانسان مع عالم الغیب وتلقی العلوم والمعارف الوحیانیة من لدن اللّه‏ عزوجل ولا یحظى کل انسان بهذه الجدارة واللیاقة فی هذا الأمر الهام.

وفی بحث النبوة ثمة مسائل قد أثبتت نوجزها فی ما یلی :

1 ـ ان حیاة الانسان لا تلخص فی الدنیا بل انها تمتد الى ما بعد الموت فی عالم آخر وان الحیاة فی العالم الآخر اما أن تکون فی سعادة أو فی شقاء.

2 ـ ان سعادة الانسان وشقائه فی الآخرة مسألة تتحدد فی الدنیا وتتوقف على نوع أعماله وأخلاقه وعقائده.

3 ـ ان الانسان عاجز عن معرفة واکتشاف الاسلوب والبرنامج الصحیح للحیاة الدنیویة والاخرویة الجسمیة والروحیة وهو بحاجة الى التعالیم الالهیة فی هذا المضمار.

4 ـ ان اللّه‏ عزوجل العلیم الحکیم والعادل الذی خلق الانسان فی أحسن تقویم له فی خلقه الانسان حکمة وغایة وهو سبحانه علیم خبیر باحتیاجاته الجسمیة والروحیة وهو محیط بطرق سعادته وشقائه ولن یترک الانسان یتخبط فی الضلال والضیاع بل ان بمقتضى ألطافه المطلقة قد أرسل أنبیاءً ورسلاً ومعهم العلوم والمعارف والأحکام والشرائع التی تحدد لعباده طریق السعادة والنجاة وان اللّه‏ عزوجل قد اتم حجته على الناس بارساله الأنبیاء.

وان التأمل فی هذا الدلیل هو الذی یثبت علم النبی وعصمته لأن المراد من ارسال الأنبیاء لا یتحقق ما لم یحمل النبی العلوم اللازمة والمعارف الضروریة وابلاغها الى الناس والمحافظة علیها وأن یتم الابلاغ من دون خطأ ونسیان بحیث تکون صائبة مئة بالمئة والاّ فان المراد الالهی فی ارشاد العباد لا یتحقق أبداً.

وقد ثبت فی علم الکلام وفی الفلسفة هذا الموضوع وهو ان العلوم الوحیانیة لیست من سنخ العلوم المفهومیة والحصولیة التی یکتسبها الانسان بحواسه الظاهرة من الخارج بل انها حقائق نورانیة یلقیها ملک الوحی فی باطن النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله حیث یتلقى قلب النبی الفیض والاشراق وان النبی یشاهد هذه الحقائق ببصیرته ویصغی الیها بباطنه ولهذا فهو لا یرتکب الذنب والمعصیة وبهذا فهو معصوم وهکذا انسان تتوجب اطاعته ویکون للناس قدوة و « أسوة حسنة » وان الانکار أو التشکیک فی ضرورة العلم والعصمة فی النبی سیکون بمنزلة الانکار فی ضرورة الحاجة الى وجود النبی.

وخلاصة القول ان النبی انسان کامل من الناحیة النفسیة وهو انسان ممتاز ومصطفى ویمکنه الاتصال بعالم الغیب ویتلقى العلوم والمعارف والأحکام والقوانین الشرعیة ویقوم بابلاغها دون زیادة أو نقصان الى الناس ویضعها تحت تصرّف عباد اللّه‏ ولهذا فان مقام النبوة من الشموخ بحیث لا یمکن للانسان العادی أن یصل الیه ویناله.

وفی نفس الوقت لا یوجد اختلاف بین النبی وسائر الناس من الناحیة الجسمیة وأساساً فهو فی حاجة الى اللّه‏ فی کل أفعاله وحرکاته وسکناته.

فهو یطلب رزقه من اللّه‏ وهو یتعب جرّاء العمل المضنی ویمرض ویتناول الدواء للعلاج وهو یشیخ ویؤثر فیه التقدّم فی العمر فاذا جاء أجله أسلم الروح ورحل عن الدنیا.

ومن خلال التأمل فی ما ذکر آنفاً یمکن التوصل الى ادراک المقام الحقیقی للنبی وخصاله الذاتیة[113].

والان وقد تعرفنا على نحو اجمالی على مقام النبوة الشامخ یمکن التعرف على المقام الشامخ للامامة والولایة أیضاً لأن الامامة فی الحقیقة استمرار طبیعی للنبوة وینبغی أن نذکر عدّة نقاط هامة فی هذا الموضوع :

أولاً : ان سیّدنا محمّد صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله هو خاتم الأنبیاء ودین الاسلام دین أبدی باقٍ إلى یوم القیامة.

ثانیاً : ان عصر الرسالة للنبی الأکرم صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله ناهز الثلاثة وعشرین عاماً وبالنظر الى أنواع المشکلات التی حدثت للمسلمین لم یتیسر للنبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله أن یضع کل المعارف والعلوم والأحکام الاسلامیة تحت تصرّف عموم المسلمین للحفاظ علیها من أجل الأجیال القادمة.

ثالثاً : ان القسم الأعظم من الأحکام الاسلامیة السیاسیة ، الاجتماعیة ، القضائیة ، الاقتصادیة و... قد طبقها النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله فی حیاته وبها کان یدیر شؤون الامة الاسلامیة وفی ذلک کانت له على الناس الولایة وکانت علیه مهمة الدفاع عن حریم الاسلام.

وعلى هذا الأساس یتوجب وجود شخص أو أشخاص یتحملون جمیع المسؤولیات التی کانت على عاتق النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله ویسعون الى تحقیق غایاته وأهدافه حیث یدعى هذا الفرد أو الأفراد بـ« خلیفة النبی » أو « الامام » وتکون له الولایة على الناس مثلما کانت للنبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله حیث یسیر
على خطى رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله فی سیرته لأن الامامة تعزیز للدین واتمام لنظام المسلمین وکما ان الناس بحاجة الى النبی فهم بحاجة الى الوصی والامام الذی یدلّهم ویرشدهم وان المراد الالهی من وراء ارسال النبی فی ارشاد الناس وهدایتهم لا یتم ولا یتحقق على نحو کامل ما لم یکن هناک خلیفة للنبی وامام یعمل على الاستمرار فی طریقه وتحقیق غایته والاّ فان الرسالة تبقى ناقصة.

ومن هنا یمکن أن نتوصل الى ان الامام یجب أن یکون کالنبی فی توفره على العلوم والمعارف والأحکام والقوانین الشرعیة لکی یتسنى للناس فی غیاب النبی وعلى مدى العصور مراجعة الأحکام الحقیقیة للاسلام والاّ فان رسالة النبی تبقى ناقصة غیر تامة ولم تتم حجة اللّه‏ على عباده وکذلک یجب أن یکون الامام کالنبی فی حفظ أحکام الدین وابلاغها الى الناس من دون خطأ أو نسیان أو نقص فی اداء الواجب الدینی وعلیه یجب أن یکون معصوماً والاّ فان ألطاف اللّه‏ سوف لن تتم وهذا الانسان العالم والمعصوم یکون واجب الطاعة من لدن اللّه‏ وهو للناس قدوة واسوة وامام[114].

ان الفرق الوحید والهام بین النبی والامام یکمن فی ان النبی یتلقى الأحکام والشریعة من الوحی الالهی مباشرة أما الامام فانه لا یتلقى ذلک مباشرة وانما یتلقى الشریعة والأحکام من النبی.

وخلاصة القول ان الامام انسان کامل قد اختیر من اللّه‏ للامامة وهو
محیط بجمیع العلوم والمعارف والأحکام الدینیة وهو مصون من الخطأ والنسیان معصوم من ارتکاب الذنوب والعصیان قد بلغ الکمال الانسانی فی العلم والعمل والقول والفعل وان ما یتوفر علیه الانسان من الکمال بالقوة قد وصل فی شخصیة الامام الى مرحلة الفعل لیکون للناس قدوة وللامامة اماماً وان الشک فی توفر الامام على هذه الخصال بمنزلة انکار ضرورة الامامة وضرورة وجود الامام وبالنتیجة انکار ضرورة النبوة ووجود النبی[115].

 

[113]. للمزید من التفصیل یمکن مراجعة الکتب الفلسفیة والکلامیة فی هذا الموضوع.
[114]. لمزید من التفصیل راجع کتب « الامامة ».
[115]. لمزید من التفصیل یمکن مراجعة کتاب قضایا عامة فی الامامة للمؤلّف کما فصّلنا الحدیث