الارادة فی الانسان حالة نفسیة وجزء من المقدمات للقیام بالأعمال الاختیاریة احیاناً تحقق الارادة مراد الانسان وتتخلف احیاناً عن فعل المراد ، فلیس کل ما یریده الانسان یتحقّق له فی الخارج والأفعال الالهیة أیضاً تحصل عن طریق العلم والاختیار والارادة غیر ان الارادة الالهیة تختلف عن ارادة الانسان اذا لا یحصل أن تتخلف عن فعل المراد أبداً.
وفی القرآن الکریم اشارة الى نوعین من الارادة الالهیة الارادة التکوینیة والارادة التشریعیة.
وتعنی الارادة التکوینیة ایجاد المراد عن علم واختیار ولا یمکن أن یحصل تخلّف عن وقوع المراد.
یقول القرآن الکریم :
« إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ »[80].
والنوع الثانی من الارادة هی الارادة التشریعیة وهنا لا تعنی الارادة الأمر الالهی فی ایجاد شیء بل انه سبحانه یشرّع أحکاماً وقوانین من أجل تحقیق شیء معین ویطلب من عبادة العمل بهذه القوانین لکی یتحقّق المراد الالهی فی الخارج.
یقول القرآن الکریم :
« شَهْرُ رَمَضانَ الَّذی أُنْزِلَ فیهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنّاسِ وَبَیِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ وَمَنْ کانَ مَریضاً أَوْعَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ یُریدُ اللّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُکَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداکُمْ وَلَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ »[81].
ان الارادة الالهیة هنا هی ارادة تشریعیة ، بمعنى ان اللّه عزوجل أراد من عباده الصوم فی شهر رمضان وسمح للمرضى والمسافرین بالافطار حتّى لا یقعوا فی الحرج على أن یقضوا ما فاتهم من أیام الصوم فی وقت آخر.
والسؤال هنا : هل ان الارادة التی وردت فی آیة التطهیر هی ارادة تشریعیة أم ارادة تکوینیة ؟ فاذا کانت تشریعیة حینئذٍ یکون تفسیرها ان اللّه عزوجل یرید من أهل البیت علیهم السلام أن یتطهروا من کل اشکال اللوث الروحی والنفسی وقد شرّع سبحانه الأحکام والقوانین للعمل بها وتحقیق المراد.
غیر ان التأمل فی هذا التفسیر قلیلاً یبطل هذا الفهم وهذا الاحتمال لأن الأحکام الطهارة لا تختص بأهل البیت وحدهم بل تشمل جمیع المکلّفین وبمقدورهم القیام بتطهیر أنفسهم کما ان هذا الفهم لا ینسجم أبداً مع أداة الحصر « انما » ولو کان الأمر کذلک فلماذا منع النبی صلىاللهعلیهوآله زوجته اُمّ سلمة رضی اللّه عنها من دخول الکساء لکی تشملها آیة التطهیر ألیست هی اُمّ المؤمنین ؟ وعلى هذا فان الارادة الالهیة فی الآیة هی ارادة تکوینیة ویکون تفسیرها کما یلی :
ان اللّه عزوجل أراد تطهیر أهل البیت تکوینیاً من کل اشکال الشرک
والکفر والعصیان وقد خلقهم سبحانه منزهین من الذنوب والآثام وعصمهم من الوقوع فی المعصیة والکفر.
واذن فان مصادیق أهل البیت علیهم السلام تحظى بمنزلة رفیعة ولهذا کان أمیرالمؤمنین وذریته یفتخرون بهذه الآیة الکریمة.
یقول الامام علی بن أبی طالب علیهالسلام :
« واللّه عزوجل یقول « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ » فقد طهرنا اللّه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن »[82].
وروی عن النبی صلىاللهعلیهوآله فی قوله عزّوجل : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ » انه قال :
« فأنا وأهل بیت مطهرون من الآفات والذنوب »[83].
وروی عن الامام الحسن السبط علیهالسلام قوله :
« انا أهل بیت أکرمنا اللّه بالاسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنّا الرجس وطهّرنا تطهیراً والرجس هو الشک فلا نشک فی اللّه الحق ودینه أبداً وطهرنا من کل أفن وغیّة مخلصین »[84].
[80]. یس 36: 82.
[81]. البقرة 2: 185.
[82]. غایة المرام: ج3، ص199.
[83]. البدایة والنهایة: ج2، ص316 ؛ بحار الأنوار: ج35، ص213.
[84]. بحار الأنوار: ج10، ص138.
