الولادة والشهادة
ولد الامام الصادق وفقاً لبعض الأقوال فی السابع عشر من ربیع الأوّل سنة 83 ه فی المدینة المنورة.
أبوه الامام محمّد الباقر علیهالسلام واُمّه فاطمة اُمّ فروة ابنة القاسم بن محمد بن أبی بکر من ألقابه الصادق وهو المشهور والفاضل والطاهر والقائم والکافل والمنجی والصابر وکنیته أبو عبداللّه وهی المشهورة وأبو اسماعیل وأبو موسى.
ورحل الى ربه راضیاً مرضیاً فی 25 شوال سنة 148 ه عن عمر ناهز الخامسة والستین وقد وری جثمانه الطاهر الثرى فی مقبرة البقیع فی المدینة المنورة.
عاش الامام الصادق علیهالسلام اثنتی عشرة عاماً فی ظلال جده الامام علی السجاد زین العابدین علیهالسلام وتسعة عشرة عاماً فی ظلال أبیه الامام محمد الباقر علیهالسلام وکانت فترة امامته 34 سنة[329].
شخصیة الامام الصادق علیهالسلام
یعد الامام جعفر بن محمد الصادق أعظم الناس فی عصره علماً وفقهاً وحسباً ونسباً وعبادة وخلقاً وقد شهد بذلک جمع من العلماء ممّن عاصروه.
وروی عن مالک بن أنس ( مؤسس المذهب المالکی ):
کنت أدخل الى الصادق فیقدّم لی مخدّة ویعرف لی قدراً و یقول: یا مالک انی احبک فکنت اسرّ بذلک واحمد اللّه علیه ووصفه مالک قائلاً: کان ( الصادق علیهالسلام ) لا یخلو من أحدى ثلاث خصال ( عند ما یزوره ) اما صائماً واما قائماً وإمّا ذاکراً وکان من عظماء العبّاد وأکابر الزهاد الذین یخشون اللّه عزوجل وکان کثیر الحدیث ( عن رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله وعن آبائه علیهمالسلام ) طیب المجالسة کثیر الفوائد فاذا قال: قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله اخضرّ مرّة واصفّر اخرى حتى ینکره من کان یعرفه.
ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الاحرام کان کلّما هبّ بالتلبیة انقطع الصوت فی حلقه وکاد یخرّ من راحلته.
فقلت: قل یابن رسول اللّه ولابدّ لک من أن تقول !
فقال علیهالسلام: یابن أبی عامر کیف أجسر أن أقول: لبیک اللهم لبیک وأخشى أن اللّه عزوجل یقول لی: لا لبیک ولا سعدیک[330].
وقال مالک بن أنس فی مناسبة اخرى:
واللّه ما رأت عینی أفضل من جعفر بن محمّد علیهالسلام زهداً وفضلاً
وعبادة وورعاً[331].
وقال زید بن علی بن الحسین الشهید رضىاللهعنه: فی کل زمان رجل منا أهل البیت علیهمالسلام یحتج اللّه به على خلقه وحجّة زماننا ابن أخی جعفر بن محمد لا یضل من تبعه ولا یهتدی من خالفه[332].
قال عمر بن أبی المقدام: کنت اذا نظرت الى جعفر بن محمد علمت انه سلالة النبیین[333].
وروى اسماعیل بن علی بن عبداللّه بن عباس قال:
دخلت على أبی جعفر المنصور یوماً ، وقد اخضلت لحیته بالدموع فقال لی:
ـ ما علمت ما نزل بأهلک؟
فقلت:
ـ وما ذلک یا أمیرالمؤمنین؟
قال:
ـ فان سیدهم وعالمهم وبقیة الاخیار منهم توفی.
فقلت:
ـ ومن هو یا أمیرالمؤمنین؟
قال:
ـ جعفر بن محمد.
فقلت:
ـ أعظم اللّه أجر أمیرالمؤمنین وأطال لنا بقاءه.
فقال لی:
ان جعفراً کان ممن قال اللّه فیه: « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا » وکان ممن اصطفى اللّه وکان من السابقین بالخیرات[334].
وقال ابن حبان عنه کان فی فقهه وعلمه وفضله من سادات أهل البیت وأکابرهم ویحتج بأحادیثه[335].
وقال فیه الشهرستانی: جعفر بن محمد الصادق علیهالسلام ذو علم غزیر فی الدین وأدب کامل فی الحکمة وزهد بالغ فی الدنیا وورع تام عن الشهوات وقد أقام بالمدینة مدة یفید الشیعة المنتمین الیها ویفیض على الموالین له أسرار العلوم ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة[336].
وقال فیه أحمد بن حجر الهیثمی انه أفضل أبناء الامام محمد الباقر علیهالسلام وقد أوصى الیه أبوه نقل عنه الناس علوماً کثیرة وعم صیته جمیع البلدان وروى عنه کبار ائمّة الدین مثل یحیى بن سعید ، ابن جریح ، مالک بن أنس ، السفیانیان ( سفیان بن عیینة وسفیان الثوری ) أبو حنیفة ،
شعبة وأیوب السجستانی[337].
وقال فیه ابن الصباغ المالکی نظیر ذلک[338].
وقال الشیخ المفید:
وکان الصادق علیهالسلام جعفر بن محمد بن علی بن الحسین من بین اخوته خلیفة ابیه محمد بن علی علیهالسلام ووصیه القائم بالامامة من بعده وبرز على جماعتهم بالفضل وکان أنبههم ذکراً وأعظمهم قدراً وأجلهم فی العامة والخاصّة ونقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الرکبان وانتشر ذکره فی البلدان ولم ینقل عن أحد من أهل بیته العلماء ما نقل عنه ولا لقی أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم کما نقلوا عن أبی عبداللّه علیهالسلام فان أصحاب الحدیث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم فی الآراء والمقالات فکانوا أربعة آلاف رجل[339].
النصوص على امامته
وکما أشرنا آنفاً فی فصول ماضیه ان الأدلّة العامة فی اثبات امامة الاثنی عشر اماماً وهی تکفی فی تطبیقها على أی من أئمّة أهل البیت علیهمالسلام وهذه کما ذکرنا الأدلة العامة واضافة الى هذه الأدلة هناک لکل امام أدلّة خاصّة فی اثبات امامته وهی عبارة عن النصوص التی تصدر عن الامام
السابق فی حق الامام اللاحق ولا حاجة طبعاً لتکرار الأدلّة العامة لهذا نکتفی بذکر طائفة من النصوص الصادرة عن الامام الباقر فی حق نجله جعفر الصادق علیهماالسلام.
قال أبو نضرة: لما احتضر أبو جعفر محمد بن علی الباقر علیهالسلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیهالسلام لیعهد الیه عهداً فقال له أخوه زید بن علی علیهالسلام لو امتثلت فی تمثال الحسن والحسین علیهماالسلام رجوت الاّ تکون اتیت منکراً !
فقال له علیهالسلام: یا أبا الحسین إنّ الأمانات لیست بالمثال ولا العهود بالرسوم وانما هی امور سابقة عن حجج اللّه عزوجل[340].
وروى أبو الصباح الکنانی قال: نظر أبو جعفر الى ابنه أبی عبداللّه فقال ترى هذا؟ هذا من الذین قال اللّه تعالى ( فیهم ): « وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ »[341].
وروى عن جابر بن یزید الجعفی قال: سئل أبو جعفر علیهالسلام عن القائم بعده؟ فضرب بیده على أبی عبداللّه ( الصادق علیهالسلام ) وقال: هذا واللّه قائم آل بیت محمد صلىاللهعلیهوآله[342].
وعن طاهر صاحب أبی جعفر علیهالسلام قال: کنت عنده علیهالسلام فاقبل جعفر علیهالسلام فقال أبو جعفر علیهالسلام: هذا خیر البریة[343].
وروى یونس بن عبدالأعلى عن أبی عبداللّه الصادق علیهالسلام قال:
قال ان أبی استودعنی ما هناک فلما حضرته الوفاة قال: ادع لی شهوداً فدعوت أربعة من قریش فیهم نافع مولى عبداللّه بن عمر.
فقال علیهالسلام: اکتب هذا ما أوصى به یعقوب بنیه « یَا بَنِیَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَکُمُ الدِّینَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاِّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ » وأوصى محمّد بن علی الى جعفر بن محمد وأمره أن یکفنه فی برده الذی کان یصلّی فیه یوم الجمعة وأن یعممه بعمامته وأن یربّع قبره ویرفعه أربع أصابع وأن یحلّ عنه أطماره عند دفنه ثم قال ( الباقر علیهالسلام ) للشهود: انصرفوا رحمکم اللّه.
فقلت له: یا أبت ما کان فی هذا بأن یشهد علیه !
فقال ( الباقر علیهالسلام ): یا بنی کرهت أن تغلب وأن یقال: لم یوص الیه وأردت أن تکون لک الحجة[344].
وعن جابر بن یزید الجعفی قال: سئل أبو جعفر الباقر علیهالسلام عن القائم فضرب بیده على أبی عبداللّه ثمّ قال: هذا واللّه قائم آل محمد صلىاللهعلیهوآله.
قال عنبسة بن مصعب: فلما قُبض أبو جعفر علیهالسلام دخلت على ابنه أبی عبداللّه فأخبرته بذلک فقال: صدق جابر على أبی.
ثم قال علیهالسلام: ترون أن لیس کلّ امام هو القائم بعد الامام الذی قبله[345].
وعن محمد بن مسلم قال: کنت عند أبی جعفر محمد بن علی الباقر علیهالسلام اذ دخل جعفر ابنه وعلى رأسه ذؤابة وفی یده عصا یلعب بها
فأخذه الباقر علیهالسلام وضمّه الیه ضماً ثم قال: بأبی أنت وأمی لا تلهو ولا تلعب ثم قال لی: یا محمد ! هذا امامک بعدی فاقتد به واقتبس من علمه واللّه انه لهو الصادق الذی وصفه لنا رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله ! ان شیعته منصورون فی الدنیا والآخرة وأعداؤه ملعونون على لسان کلّ نبی.
فضحک جعفر علیهالسلام واحمرّ وجهه ، فالتفت الی أبو جعفر وقال: سَلْه !
قلت له ( لجعفر الصادق علیهالسلام ): یابن رسول اللّه من أین الضحک؟
قال: یا محمد ! العقل من القلب والحزن من الکبد والنفس من الرئة والضحک من الطحال ، فقمت وقبلت رأسه[346].
وقال همّام بن نافع: قال أبو جعفر علیهالسلام لأصحابه یوماً: اذا افتقدتمونی فاقتدوا بهذا فهو الامام والخلیفة بعدی وأشار الى أبی عبداللّه علیهالسلام[347].
وروى هشام بن سالم عن أبی عبداللّه جعفر بن محمد الصادق علیهالسلام قال: لما حضرت أبی الوفاة ، قال: یا جعفر اوصیک بأصحابی خیراً ، قلت: جعلت فداک لادعنّهم والرجل منهم یکون فی المصر فلا یسأل أحداً[348] ( على الصعیدین المعاشی والثقافی أی سوف یربیهم ویثقفهم ثقافة الاسلام فلا یسأل أحداً وفی حیاته المعاشیة سوف یغنیهم عن السؤال أیضاً ).
روى سورة بن کلیب قال: قال لی زید بن علی علیهالسلام: یا سورة کیف
علمتم ان صاحبکم ( الامام الصادق علیهالسلام ) على ما تذکرون ( بأنه الامام )؟
فقلت: على الخبیر سقطت.
فقال زید: هات:
قلت له: کنّا نأتی أخاک محمد بن علی علیهالسلام نسأله فیقول: قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله وقال اللّه جل وعزّ فی کتابه حتى مضى ( توفی ) أخوک فأتیناکم آل محمد وأنت فیمن أتینا فتخبرونا ببعض ولا تخبرونا بکل الذی نسألکم عنه ، حتى أتینا ابن أخیک جعفراً فقال لنا کما قال أبوه ، قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله وقال تعالى.
فتبسم ( زید ) وقال: أما واللّه إن قلت هذا فانّ کُتب علی صلوات اللّه علیه عنده[349].
وروى عمرو بن أبی المقدام قال: رأیت أبا عبداللّه ( الصادق علیهالسلام ) یوم عرفة بالموقف وهو ینادی بأعلى صوته:
ایها الناس ان رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله کان الامام ثم کان علی بن أبی طالب علیهالسلام ثمّ الحسن ثمّ الحسین ثمّ علی بن الحسین ثمّ محمد بن علی ثمّ هه فینادی ثلاث مرات لما بین یدیه وعن یمینه وعن یساره ومن خلفه اثنی عشر صوتاً.
قال عمرو فلما أتیت منى سألت أصحاب العربیة عن تفسیر « هه »؟
فقالوا: هه لغة بنی فلان ( تعنی ) « أنا » فأسألونی.
قال ( الراوی ) ثم سألت غیرهم من أهل العربیة فقالوا مثل ذلک[350].
وسأل عبدالغفار بن القاسم الامام الباقر علیهالسلام عن الامام من بعده فقال علیهالسلام: جعفر هو سید ولدی وأبو الأئمّة والصادق القول والفعل[351].
وقال الشیخ المفید رضىاللهعنه حول أدلّة امامته علیهالسلام: من دلائل العقول على ان الامام لا یکون الاّ الأفضل یدلّ على امامته علیهالسلام لظهور فضله فی العلم والزهد والعمل على کافة اخوته وبنی عمه وسائر الناس من أهل عصره[352].
علمه
ان فی طلیعة مسؤولیات الأئمّة المعصومین علیهمالسلام هی نشر العلوم والمعارف ومکارم الاخلاق والفقه الاسلامی الأصیل الذی استقاه من النبی الأکرم صلىاللهعلیهوآله ولقد کان الأئمّة الأطهار على اتم الاستعداد فی تحمل هذه المهام الجسام ، غیر ان خلفاء الجور کانوا غالباً ما یعمدون الى التضییق علیهم وعدم فسح المجال لهم فی نشر العلوم الربانیة.
وخلفاء الجور هؤلاء لم یکتفوا باغتصاب الخلافة بل کانوا یمنعون الأئمّة علیهمالسلام من ممارسة مسؤولیاتهم فی نشر العلوم الاسلامیة بین الناس وارشادهم الى ما یحتاجون الیه.
کما ان اتباع أهل البیت علیهمالسلام کانوا لا یجرؤون على مراجعتهم فاضطروا الى التزام اسلوب التقیة وخاصة فی فترة خلافة بنی امیة حیث الاجواء الحاکمة کانت عصیبة للغایة وقد عاشت الامة الاسلامیة اجواءً من الرعب والخوف خاصّة اتباع آل البیت علیهمالسلام إذ انصبت الدعایة ضد الامام علی بن أبی طالب علیهالسلام وأمرت الحکومات المتعاقبة بسبب الامام على منابر المسلمین عشرات السنین.
غیر انه فی زمن الامام محمد الباقر علیهالسلام ونجله الامام الصادق علیهالسلام حدث انفراج نسبی وحدث تغییر فی الاجواء السائدة سیاسیاً وانکسر طوق الخوف واکتشف المسلمون مظلومیة أهل البیت علیهمالسلام وعدالة قضیتهم وشعروا بالحاجة الى مراجعتهم وأخذ علوم النبی صلىاللهعلیهوآله منهم.
وقد کان الحکم الأموی یسیر نحو الزوال فاضطر الحاکمون الى التخفیف من حدّة الضغوط وحدث نوع من الانفراج وقد استمرت هذه الظروف حتى سقوط الحکم الاموی وعند ما نهض الحکم العباسی شعر بالحاجة الى منح المزید من الحریّات لتثبیت دعائم الحکم الجدید فکانوا مضطرین للتعامل مع أهل البیت معاملة تتسم بالحذر ومراقبتهم عن بعد.
لهذا استفاد الامام الباقر ومن بعده الامام الصادق علیهماالسلام من هذه الظروف الأمنیة التی اتاحتها الفترة الانتقالیة فانطلقا الى نشر العلوم والمعارف الاصلیة للاسلام.
وقد تتلمذ لدى الامام الصادق عدد کبیر من طلاب العلم والمعرفة
فصدرت عنه عشرات الآلاف من الأحادیث فی مختلف حقول العلم والمعرفة والفنون وهذه کتب الحدیث تشهد على ذلک وکثرة الأحادیث الصادرة عن الامامین الباقر والصادق یعکسان الظروف السیاسیة السائدة فی عصریهما.
وقد جاء فی المناقب ان الأحادیث التی نقلت عن الامام الصادق علیهالسلام لم ینقل مثلها ( عدداً وکثرة ) عن أحد وقد أحصى بعض علماء الحدیث الرواة عنه فبلغ عددهم أکثر من أربعة آلاف محدّث[353].
وجاء فی کتاب « حلیة الأبرار » لأبی نعیم ان أئمّة الدین وأکابر العلماء رووا الحدیث عن جعفر بن محمد منهم مالک بن أنس ، شعبة بن الحجاج ، سفیان الثوری ، ابن جریج ، عبداللّه بن عمرو ، روح بن القاسم ، سفیان بن عیینة ، سلیمان بن بلال ، اسماعیل بن جعفر ، حاتم بن اسماعیل ، عبدالعزیز بن مختار ، وصب بن خالد ، ابراهیم بن طهان.
وقد نقل مسلم فی صحیحه الحدیث عنه واحتج بأحادیثه[354].
وذکر آخرون ان الشافعی ومالک والحسن وصالح وأبا ایوب السجستانی وعمرو بن دینار واحمد بن حنبل أیضاً رووا عنه[355].
وقال مالک بن انس انه لم یر ولم یسمع بأحد مثل جعفر بن محمد
فی فضله وعلمه وعبادته وتقواه[356].
وقال الامام الصادق علیهالسلام: انی لأعلم ما فی السماء والأرض وما فی الجنة والنار وما کان وما یکون ثمّ فتح یدیه وقال: ان اللّه سبحانه یقول: « وَنَزَّلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ تِبْیَاناً لِکُلِّ شَیْء ». [357]
وقال صالح بن الأسود: سمعت جعفر بن محمد علیهالسلام یقول: سلونی قبل أن تفقدونی فانه لا یحدثکم أحد بعدی بمثل حدیثی[358].
وروى اسماعیل بن جابر قال: ان اللّه بعث محمد نبیاً فلا نبی بعده أنزل علیه الکتاب فختم به الکتب فلا کتاب بعده أحلّ فیه حلاله وحرّم فیه حرامه فحلال حلال الى یوم القیامة وحرامه حرام الى یوم القیامة فیه نبأ ما قبلکم وخبر ما بعدکم وفصل ما بینکم ثمّ أومأ بیده الى صدره وقال: نحن نعلمه.
وقال الامام الصادق علیهالسلام: واللّه انی لأعلم ما فی السماوات وما فی الأرض وما فی الجنّة وما فی النار وما کان وما یکون الى أن تقوم الساعة ثمّ سکت ثمّ قال:
اعلمه من کتاب اللّه انظر الیه هکذا.
ثمّ بسط کفیه وقال: ان اللّه یقول: فیه تبیان کل شیء[359].
وقال الامام الصادق یبین أنواع العلم الذی لدى أئمّة أهل البیت علیهمالسلام:
« علمنا غابر ومزبور ونکت فی القلوب ونقر فی الأسماع وان عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبیض ومصحف فاطمة وان عندنا الجامعة فیها جمیع ما یحتاج الناس الیه »[360].
وکتب ابن أبی الحدید: «... أما أصحاب أبی حنیفة کأبی یوسف ومحمد ( بن الحسن ) وغیرهما فأخذوا العلم عن أبی حنیفة وأما الشافعی فقرأ على محمد بن الحسن فیرجع فقهه أیضاً الى أبی حنیفة وأما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعی فیرجع فقهه الى أبی حنیفة وأبو حنیفة قرأ على جعفر بن محمد ( الصادق علیهالسلام )[361].
وذکر المسعودی فی اثبات الوصیة ان الامام الصادق علیهالسلام کان یجلس للعامة والخاصّة وکان الناس یقصدونه من أطراف البلاد ویسألونه عن الحلال والحرام وتفسیر وتأویل القرآن وأحکام القضاء فلا یخرج من عنده أحد الاّ بجواب یرضیه[362].
عبادته وعبودیته للّه تعالى
وکان الامام جعفر بن محمد الصادق علیهالسلام کابآئه الکرام وجدّه الرسول الأکرم صلىاللهعلیهوآله فی عبادته وعبودیته وفی خشوعه ودعائه وصلاته حیث بلغ
الذروة فی عصر وهذه طائفة الأخبار فی هذا المضمار.
روی ان الامام الصادق علیهالسلام کان یتلو القرآن فی صلاته فغشی علیه فلما افاق سئل: ما الذی أوجب ما انتهیت الیه حاله.
فقال ما معناه: مازلت اکرّر آیات القرآن حتى بلغت الى حال کأننی سمعتها مشافهة ممن أنزلها[363].
وعن ابان بن تغلب قال: دخلت على أبی عبداللّه علیهالسلام وهو یصلی فعددت له فی الرکوع والسجود ستین تسبیحة[364].
وعن الحمزة بن حمران والحسن بن زیاد قالا: دخلنا على أبی عبداللّه علیهالسلام قوم فصلّى بهم العصر وقد کنّا صلّینا فعددنا له فی رکوعه سبحان ربی العظیم أربعاً أو ثلاثاً وثلاثین مرّة وقال أحدهما فی حدیثه: وبحمده فی الرکوع والسجود سواء[365].
وعن یحیى بن العلاء قال: کان أبو عبداللّه علیهالسلام مریضاً مدنفاً فأمر فأخرج الى مسجد رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله فکان فیه حتى أصبح لیلة ثلاث وعشرین من شهر رمضان[366].
وعن أبان بن تغلب قال: کنت مع أبی عبداللّه علیهالسلام مزامله ( رفیق سفر ) فیما بین مکة والمدینة فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعلیه
بیدیه ثم دخل الحرم حافیاً[367].
عن أبی بصیر عن الامام الصادق علیهالسلام قال: مرّ بی أبی ( الامام الباقر علیهالسلام ) وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت فی العبادة فرآنی وأنا اتصابّ عرقاً فقال لی:
یا جعفر یا بنی ان اللّه اذا أحب عبداً أدخله الجنة ورضی منه بالیسیر[368].
وعن معاویة بن وهب قال: کنت مع أبی عبداللّه علیهالسلام بالمدینة وهو راکب حماره فنزل وقد کنا صرنا الى السوق أو قریباً من السوق ، فنزل علیهالسلام وسجد وأطال السجود وأنا انتظره ثمّ رفع رأسه.
قال علیهالسلام: انی ذکرت نعمة اللّه علیّ.
قلت: قرب السوق؟ والناس یجیئون ویذهبون؟
قال: انه لم یرنی أحد[369].
وقال مالک بن انس: کان ( الامام الصادق علیهالسلام ) رجلاً لا یخلو من احدى ثلاث خصال: اما صائماً واما قائماً وإما ذاکراً وکان من عظماء العباد وأکابر الزهاد الذین یخشون اللّه عزوجل وکان کثیر الحدیث ( عن النبی صلىاللهعلیهوآله ) طیّب المجالسة کثیر الفوائد فاذا قال ( حدث عن النبی صلىاللهعلیهوآله )
قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله اخضرّ مرّة واصفرّ اخرى[370].
وقال أیضاً: حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام کان کلما هم بالتلبیة انقطع الصوت فی حلقه وکاد أن یخرّ من راحلته فقلت: قل یابن رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله ولابد لک من أن تقول.
فقال علیهالسلام: یابن أبی عامر کیف اجسر أن أقول لبیک اللهمّ لبیک وأخشى أن یقول عزوجل لی: لا لبیک ولا سعدیک[371].
طلب الرزق الحلال
وبالرغم من مشاغل الامام الصادق علیهالسلام العلمیة الکثیرة وسعیه وجهوده المغنیة فی نشر العلوم والمعارف وتربیة تلامذته فقد کان لا یألوا جهداً فی استثمار أوقات الفراغ فی العمل والکسب الحلال.
یقول عبدالأعلى: استقبلت أبا عبداللّه علیهالسلام فی بعض طرق المدینة فی یوم صائف شدید الحرّ فقلت:
ـ جعلت فداک حالک عند اللّه عزوجل وقرابتک من رسول اللّه وانت تجهد نفسک فی مثل هذا الیوم؟
فقال:
ـ یا عبدالأعلى خرجت فی طلب الرزق لاستغنی من مثلک[372].
وقال اسماعیل بن جابر: اتیت أبا عبداللّه علیهالسلام واذا هو فی حائط ( بستان ) له بیده مسحاة وهو یفتح بها الماء وعلیه قمیص شبه الکرابیس ( ثوب خشن ) کأنه مخیط علیه من ضیقه[373].
وقال أبو عمرو الشیبانی: رأیت أبا عبداللّه علیهالسلام وبیده مسحاة وعلیه ازار غلیظ یعمل فی حائط له والعرق یتصاب عن ظهره فقلت: جعلت فداک اعطنی اکفک.
فقال لی:
ـ انی احبّ أن یتأذّى الرجل بحرّ الشمس فی طلب المعیشة[374].
وعن شعیب قال: تکارینا لأبی عبداللّه علیهالسلام قوماً یعملون فی بستان وکان أجلهم الى العصر فلما فرغوا قال علیهالسلام لمعتب: أعطهم اجورهم قبل أن یجفّ عرقهم[375].
وعن محمد بن عذافر عن أبیه قال: أعطى أبو عبداللّه علیهالسلام أبی الفاً وسبعمئة دینار فقال له علیهالسلام:
ـ اتّجر لی بها.
ثمّ قال علیهالسلام:
ـ اما انه لیس لی رغبة فی ربحها وإن کان الربح مرغوباً فیه ولکنّی احببت أن یرانی اللّه عزوجل متعرّضاً لفوائده.
قال الراوی: فربحت له فیه ( المبلغ ) مئة دینار ثم لقیته فقلت له:
ـ قد ربحت لک مئة دینار.
قال الراوی: ففرح أبو عبداللّه علیهالسلام بذلک فرحاً شدیداً ثمّ قال لی:
ـ اثبتها فی رأس مالی.
قال الراوی: فمات أبی والمال عنده فأرسل الیّ أبو عبداللّه علیهالسلام وکتب: عافانا اللّه وایاک ان لی عند أبی محمد ألفاً وثمنمئة دینار اعطیته یتّجر بها فادفعها الى عمر بن یزید.
قال الراوی: فنظرت فی کتاب أبی فاذا فیه: لأبی موسى ( الامام الصادق ) عندی ألف وسبعمئة دینار اتجر له فیها مائة دینار عبداللّه بن سنان وعمر بن یزید یعرفانه[376] ( مطلعان على الموضوع ).
انفاقه واحسانه
وکان الامام الصادق علیهالسلام وبالرغم من عدم کونه ثریاً میسور الحال لکنه کان کثیر الانفاق على الفقراء محسناً الیهم یتفقد مساکین المدینة وبؤسائها وهذه طائفة من الروایات التی تعکس جانباً من سیرته فی هذا المجال.
روى هشام بن سالم قال: کان أبو عبداللّه اذا أعتم ( حلّ المساء ) وذهب من اللیل شطره أخذ جراباً فیه خبز ولحم والدراهم فحمله على عنقه ثم ذهب الى أهل الحاجة من أهل المدینة فقسمه فیهم وهم لا
یعرفونه فلما مضى ( توفی ) أبو عبداللّه علیهالسلام فقدوا ذلک فعلموا انه کان أبو عبداللّه صلوات اللّه علیه[377].
وعن المعلّى بن خنیس قال: خرج أبو عبداللّه علیهالسلام فی لیلة قد رشّت السماء وهو یرید ظلّه بنی ساعدة فاتّبعته فاذا قد سقط منه شیء فقال:
بسم اللّه اللّهمّ ردّه علینا.
قال الراوی: فأتیته فسلّمت علیه فقال: معلّى؟
قلت: نعم جعلت فداک فقال لی:
ـ التمس بیدک فما وجدت من شیء فادفعه الیّ.
قال الراوی: فاذا أنا بخبز منتشر فجعلت ادفع الیه ما وجدت فاذا أنا بجراب من خبز فقلت:
ـ جعلت فداک احمله علیّ عنک.
فقال علیهالسلام:
ـ لا أنا أولى به منک ولکن امض معی.
قال المعلّى: فأتینا ظلّة بنی ساعدة فاذا نحن بقوم نیام فجعل یدسّ الرغیف والرغیفین تحت ثوب کل واحد منهم حتى أتى على آخرهم ، ثمّ انصرفنا فقلت:
ـ جعلت فداک یعرف هؤلاء الحق؟
فقال علیهالسلام:
ـ لو عرفوا لو اسیناهم بالدُقّة والدُقّة.
قال الراوی: والدُقّة هی الملح[378].
وروى هارون بن عیسى قال: قال أبو عبداللّه علیهالسلام لمحمد ابنه: کم فضل معک من تلک النفقة؟
قال محمد: أربعون دیناراً.
قال علیهالسلام: اخرج وتصدّق بها.
قال محمد: انه لم یبق معی غیرها.
قال علیهالسلام تصدّق بها فان اللّه عزوجل یخلفها ، أما علمت ان لکلّ شیء مفتاحاً ومفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها.
ففعل ( محمد ) فما لبث أبو عبداللّه علیهالسلام الاّ عشرة ( أیام ) حتى جاءه من موضع أربعة آلاف دینار فقال علیهالسلام ( لمحمد ):
ـ یا بنی اعطینا للّه أربعین دیناراً فأعطانا اللّه أربعة آلاف دینار[379].
وقال أبوالهیاج بن بسطام: کان جعفر ( الصادق علیهالسلام ): یُطعم حتى لا یبقى لعیاله شیء[380].
وعن المفضل بن قیس قال: دخلت على أبی عبداللّه علیهالسلام فشکوت الیه بعض حالی وسألته الدعاء ، فقال علیهالسلام:
ـ یا جاریة هاتی الکیس الذی وصلنا به أبو جعفر.
فجاءت بکیس فقال علیهالسلام:
ـ هذا کیس فیه أربعمئة دینار فاستعن بها.
قلت:
ـ واللّه جعلت فداک ما أردت هذا ولکن أردت الدعاء لی.
فقال لی:
ـ ولا أدع الدعاء ولکن لا تخبر الناس بکل ما أنت فیه[381].
وجاء الى الامام الصادق علیهالسلام رجل فقیر فقال الامام علیهالسلام لغلامه: ما عندک قال: أربعمئة درهم قال علیهالسلام اعطه أیاها فأعطاه فأخذها الرجل الفقیر وانصرف شاکراً فقال علیهالسلام لغلامه: ارجعه فجاء الرجل الفقیر وقال:
ـ یا سیدی سألت فأعطیت فماذا بعد العطاء؟
فقال علیهالسلام له: قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله: خیر الصدقة ما ابقت غنىً وأنا لم نغنک فخذ هذا الخاتم فقد اعطیت فیه عشرة آلاف درهم فاذا احتجت فبعه بهذه القیمة[382].
وروى عمر بن یزید قال: أتى رجل أبا عبداللّه علیهالسلام یقتضیه ( حاجة ) وأنا عنده فقال علیهالسلام له: لیس عندنا الیوم شیء ولکنه یأتینا خطر ( بضائع ) ووسمه ضیاع ونعطیک ان شاء اللّه.
فقال الرجل: عدنی !
فقال علیهالسلام: کیف أعدک وأنا لما لا أرجو ارجى منی لما أرجو[383].
وروى الولید بن صبیح قال: جاء رجل الى أبی عبداللّه علیهالسلام یدّعی على المعلّى بن خنیس دیناً علیه فقال: ذهب بحقّی.
فقال علیهالسلام: ذهب بحقک الذی قتله ( قاتل المعلّى ) ثمّ قال علیهالسلام للولید:
قم الى الرجل فاقضه من حقه فانی أرید ان ابرد علیه جلده ( یرقد بسلام ) وإن کان بارداً[384].
عن أبی حنیفة سائق الحاج قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختنی ( عدیلی ) نتشاجر فی میراث ، فوقف علینا ساعة ثم قال لنا: تعالوا الى المنزل ، فأتیناه فأصلح بیننا بأربعمئة درهم فدفعها الینا من عنده حتى اذا استوثق کلّ واحد منّا من صاحبه قال ( المفضل ): أما انها لیست من مالی ولکن أبو عبداللّه أمرنی اذا تنازع رجلان من أصحابنا فی شیء أن اصلح بینهما وافتدیهما من ماله فهذا من مال أبی عبداللّه علیهالسلام[385].
وروى الفضل بن أبی قرّة قال: کان أبو عبداللّه علیهالسلام یبسط رداء وفیه صرر الدنانیر فیقول للرسول اذهب بها الى فلان وفلان ـ من أهل بیته ـ وقل لهم: هذه بُعث بها الیکم من العراق.
قال الراوی: فیذهب بها الرسول الیهم فیقول ما قال: ( بعث بها الیکم من العراق ) فیقولون ( للرسول ): أما أنت فجزاک اللّه خیراً بصلتک قرابة رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله وأمّا جعفر ( الصادق علیهالسلام ) فحکم اللّه بیننا وبینه.
قال الراوی: فیخرّ أبو عبداللّه علیهالسلام ساجداً ویقول:
ـ اللّهمّ أذلّ رقبتی لولد أبی[386].
وروى أحدهم قال: قلت له ( الصادق علیهالسلام ):
جعلت فداک بلغنی انک کنت تفعل فی غلّة ( بستان ومزرعة ) عین زیاد شیئاً وأنا أحب ان اسمعه منک !
فقال علیهالسلام لی: نعم ، کنت آمر اذا أدرکت الثمرة ( نضجت الثمار ) أن یثلم فی حیطانها الثلم ( الثغرات ) لیدخل الناس ویأکلوا ، وکنت آمر فی کل یوم أن یوضع عشر بُنیّات یقعد على کل بنیّة عشرة کلّما أکل عشرة جاء عشرة اخرى یلقى لکلّ نفس منهم مدّ من رطب وکنت آمر لجیران الضیعة کلّهم الشیخ والعجوز والصبی والمریض والمرأة ومن لا یقدر أن یجیء فیأکل منها ، لکل انسان منهم مُدّ فاذا کان الجذاذ ( موعد دفع الاجور ) وفیت القوّام والوکلاء والرجال أجرتهم واحمل الباقی الى المدینة ففرّقت فی أهل المدینة فی أهل البیوتات والمستحقین الراحلة والراحلتین ( الجمال التی تحمل الثمار ) والثلاثة والاقلّ والأکثر على قدر استحقاقهم وحصل لی بعد ذلک أربعمئة دینار وکانت غلّتها أربعة آلاف دینار[387].
الانصاف
روى أبو جعفر الفزاری قال: دعا أبو عبداللّه علیهالسلام مولى له یقال له:
مصادف فأعطاه ألف دینار وقال له:
تجهّز حتى تخرج الى مصر فانّ عیالی قد کثروا.
قال الراوی: فتجّهز ( مصادف ) بمتاع ( بضائع ) وخرج مع التجّار الى مصر فلما دنوا من مصر استقبلهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذی معهم ما حاله فی المدینة؟
وکان متاع العامّة فأخبروهم انه لیس بمصر منه شیء.
فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ینقصوا من ربح دینار دیناراً ( طلب الأرباح مئة بالمئة ).
فلما قبضوا أموالهم انصرفوا الى المدینة فدخل مصادف على أبی عبداللّه علیهالسلام ومعه کیسان فی کل واحد ألف دینار فقال ( مصادف ):
ـ جعلت فداک هذا رأس المال وهذا الآخر ربح.
فقال علیهالسلام:
ـ ان هذا الربح کثیر ولکن ما صنعتم فی المتاع؟
فحدّثه ( مصادف ) کیف صنعوا وکیف تحالفوا.
فقال علیهالسلام:
ـ سبحان اللّه تحلفون على قوم مسلمین الاّ تبیعوهم الاّ بربح الدینار دیناراً؟
ثم أخذ أحد الکیسین فقال:
ـ هذا رأس مالی ولا حاجة لنا فی هذا الربح.
ثم قال:
ـ یا مصادف مجالدة السیوف أهون من طلب الحلال[388].
وروى معتب ( رجل یعمل عند الامام علیهالسلام ) قال: قال لی أبو عبداللّه علیهالسلام وقد تزیّد السعر ( ارتفعت الاسعار ) بالمدینة:
ـ کم عندنا من طعام؟
قال ( معتب ) قلت:
ـ عندنا ما یکفینا أشهر کثیرة.
قال علیهالسلام:
ـ أخرجه وبعه.
قال ( معتب ) قلت له:
ـ ولیس بالمدینة طعام؟
قال علیهالسلام:
ـ بعه.
فلما بعته قال علیهالسلام:
ـ اشتر مع الناس یوماً بیوم.
وقال علیهالسلام:
ـ یا معتب اجعل قوت عیالی نصفاً شعیراً ونصفاً حنطة فان اللّه یعلم انی واجد ( متمکن ) أن اطعمهم الحنطة على وجهها ( خالصة من دون شعیر ) ولکنی احب أن یرانی اللّه قد احسنت تقدیر المعیشة[389].
توصیاته بادخال السرور
کان الامام الصادق علیهالسلام لا یألو جهداً فی حل مشکلات الناس وادخال الفرح فی قلوبهم وکان یوصی أصحابه وشیعته بذلک.
وقد جاء فی الاخبار والروایات ان النجاشی وهو رجل من الدهاقین عاملاً على الاهواز وفارس فجاء رجل من الاهواز الى الامام الصادق علیهالسلام وقال له:
ـ انّ فی دیوان النجاشی ( دیوان الضرائب ) علیّ خراجاً ( ضریبة الأرض ) وهو مؤمن یدین بطاعتک فان رأیت أن تکتب الیه کتاباً ( رسالة ).
فکتب الیه أبو عبداللّه علیهالسلام:
ـ بسم اللّه الرحمن الرحیم
سُرّ أخاک یسّرک اللّه.
قال الراوی: فلما ورد الکتاب علیه ( أخذ الرسالة ) دخل علیه فی مجلسه فلما خلا ( المجلس ) ناوله الکتاب وقال ( للنجاشی ):
ـ هذا کتاب أبی عبداللّه علیهالسلام.
فقبّله النجاشی ووضعه على عینیه وقال للرجل:
ـ حاجتک؟
قال الرجل:
ـ خراج علیّ فی دیوانک.
فقال النجاشی:
ـ وکم هو.
قال:
ـ عشرة آلاف درهم.
فدعا النجاشی کاتبه وأمره بأدائها عنه ثم أخرجه منها ( شطب اسمه من الدیوان ) وأمر أن یثبتها له لقابل ثم قال له:
ـ سررتک؟
قال الرجل:
ـ نعم جعلت فداک.
ثمّ أمر النجاشی له بمرکب وجاریة وغلام وأمر له بتخت ثیاب فی کل ذلک یقول:
ـ هل سررتک؟
فیقول الرجل:
ـ نعم جعلت فداک.
فکلما قال نعم زاده حتى فرغ ثم قال النجاشی للرجل: احمل فرش هذا البیت الذی کنت جالساً فیه حین دفعت الیّ کتاب مولای الذی ناولتنی فیه وارفع الیّ حوائجک ( طلباتک ).
قال الراوی ، ففعل الرجل وخرج فصار الى أبی عبداللّه علیهالسلام بعد ذلک فحدّثه بالحدیث على جهته فجعل ( الامام ) یسرّ بما فعل فقال الرجل ( للامام ):
ـ یابن رسول اللّه کأنه قد سرّک ما فعل بی؟
فقال الامام الصادق علیهالسلام:
ـ إی واللّه واللّه لقد سرّ اللّه ورسوله[390].
روى معتّب قال: دخل محمد بن بشر الوشاء على أبی عبداللّه الصادق علیهالسلام یسائله أن یکلم « شهاباً » أن یخفف عنه حتى ینقضی الموسم ( یؤجل استرداد الدین الى ما بعد موسم الحج ) وکان له ( لشهاب ) علیه ألف دینار.
فأرسل ( الامام علی علیهالسلام ) الیه فأتاه فقال له علیهالسلام:
قد عرفت حال محمد وانقطاعه ( اخلاصه ) الینا وقد ذکر ان لک علیه ألف دینار ولم یذهب فی بطن ولا فرج وانما ذهبت دیناً على الرجال ووضائع وضعها وأنا أحب أن تجعله فی حلّ ( و ) لعلّک ممّن یزعم ( یتصوّر ) أنه یقتص منه حسناته فتعطاها؟
فقال شهاب:
کذلک فی أیدینا ( من الأخبار ).
فقال أبو عبداللّه علیهالسلام:
اللّه أکرم وأعدل من أن یتقرّب الیه عبده فیقوم فی اللیلة القرّة ( الباردة ) أو یصوم فی الیوم الحار أو یطوف بهذا البیت ثم یسلبه فیعطاه ( الى غیره ) ولکن للّه فضل کثیر یکافئ المؤمن.
فقال شهاب:
ـ هو فی حلّ[391].
الصبر فی المصائب
روى قیبة الاعشى قال: أتیت أبا عبداللّه علیهالسلام اعود ابناً له ( مریضاً ) فوجدته على الباب فاذا هو مهتمّ ( قلق ) حزین فقلت:
ـ جعلت فداک کیف ( حال ) الصبیّ؟
فقال علیهالسلام:
ـ واللّه انه لما به ( من المرض والعلّة ).
ثمّ دخل علیهالسلام فمکث ساعة ثم خرج الینا وقد اسفر وجهه ( زال عنه الحزن والقلق ) وذهب التغیّر والحزن.
قال الراوی: فطمعت أن یکون قد صلح الصبی ( شفی من علّته ) فقلت:
ـ جعلت فداک کیف الصبی؟
فقال علیهالسلام:
ـ لقد مضى لسبیله ( توفی ).
فقلت: جعلت فداک لقد کنت وهو حی مهموماً حزیناً وقد رأیت حالک الساعة وقد مات غیر تلک الحال فکیف هذا؟
فقال علیهالسلام:
ـ إنّا أهل بیت انما نجزع قبل المصیبة فاذا وقع أمر اللّه رضینا بقضائه وسلّمنا لأمره[392].
وجاء فی الأخبار انه دخل سفیان الثوری على الصادق علیهالسلام فرآه
متغیّر اللون فسأله عن ذلک فقال علیهالسلام:
ـ کنت قد نهیت أن یصعدوا فوق البیت ، فدخلت فاذا جاریة من جواریّ ممن تربّی بعض ولدی قد صعدت فی سلّم والصبی معها فلما بصرت بی ارتعدت وتحیّرت وسقط الصبی الى الأرض فمات فما تغیّر لونی لموت الصبی وانما تغیّر لونی لما أدخلت علیها من الرعب وکان علیهالسلام قال للجاریة ( بعد الحادث ): أنت حرّة لوجه اللّه لا بأس علیک ( قالها ) مرّتین[393].
وروى العلاء بن کامل قال: کنت جالساً عند أبی عبداللّه علیهالسلام فصرخت الصارخة من الدار ( صراخ النسوة ) فقام أبو عبداللّه ثم جلس ( یبدو ان طفلاً توفی ) فاسترجع ( انا للّه وانا الیه راجعون ) وعاد فی حدیثه ( استأنف حدیثه قبل الصراخ ) حتى فرغ منه ، ثم قال:
انّا لنحب أن نعافى فی أنفسنا وأولادنا وأموالنا فاذا وقع القضاء فلیس لنا أن نحب ما لم یحب اللّه لنا[394].
[329]. المصدر نفسه: ج47، ص1 ـ 11.
[330]. المصدر نفسه: ص16.
[331]. المصدر نفسه: ص20.
[332]. مناقب آل أبی طالب: ج4، ص299.
[333]. بحار الأنوار: ج47، ص29.
[334]. تاریخ الیعقوبی: ج2، ص381.
[335]. تهذیب التهذیب: ج2، ص104.
[336]. الملل والنحل للشهرستانی: ج1، ص166.
[337]. الصواعق المحرقة: ص201.
[338]. الفصول المهمة: ص204.
[339]. الارشاد: ج2، ص179.
[340]. بحار الأنوار: ج47، ص12.
[341]. المصدر السابق: ص13.
[342]. المصدر نفسه.
[343]. المصدر نفسه.
[344]. بحار الأنوار: ج47، ص14 ؛ الفصول المهمة: ص202 ؛ الارشاد: ج2، ص181.
[345]. بحار الأنوار: ج47، ص15 ؛ الارشاد: ج2، ص180.
[346]. بحار الأنوار: ج47، ص25.
[347]. المصدر نفسه.
[348]. المصدر نفسه: ص12 ؛ الارشاد: ج2، ص180.
[349]. بحار الأنوار: ج47، ص36 ؛ مناقب آل أبی طالب: ج4، ص272.
[350]. بحار الأنوار: ج47، ص58.
[351]. اثبات الهداة: ج5، ص328.
[352]. الارشاد: ج2 ص182.
[353]. مناقب آل أبی طالب: ج4، ص268.
[354]. المصدر السابق.
[355]. المصدر السابق.
[356]. المصدر نفسه.
[357]. المصدر نفسه: ص270.
[358]. بحار الأنوار: ج47، ص33.
[359]. مناقب آل أبی طالب: ج4، ص270.
[360]. مناقب آل أبی طالب: ج4، ص270.
[361]. شرح نهج البلاغة لأبی الحدید: ج1، ص18.
[362]. اثبات الوصیة: ص156.
[363]. بحار الأنوار: ج47، ص58.
[364]. المصدر السابق: ص50.
[365]. المصدر نفسه.
[366]. المصدر نفسه: ص53.
[367]. المصدر نفسه: ص54.
[368]. المصدر نفسه: ص55.
[369]. المصدر نفسه: ص211.
[370]. المصدر نفسه: ص16.
[371]. المصدر نفسه.
[372]. المصدر نفسه: ص55.
[373]. المصدر نفسه: ص56.
[374]. المصدر نفسه: ص57.
[375]. المصدر نفسه.
[376]. المصدر نفسه: ص56.
[377]. المصدر نفسه: ص38.
[378]. المصدر نفسه: ص200.
[379]. المصدر نفسه: ص38.
[380]. المصدر نفسه: ص23 ؛ تذکرة الخواص: ص342.
[381]. بحار الأنوار: ج47، ص34.
[382]. بحار الأنوار: ص61.
[383]. المصدر نفسه: ص58.
[384]. المصدر نفسه: ص327.
[385]. المصدر نفسه: ص57 ـ 57.
[386]. المصدر: ص57 ؛ مناقب آل أبی طالب: ج4، ص295.
[387]. المصدر نفسه: ص51.
[388]. المصدر نفسه: ص59.
[389]. المصدر نفسه.
[390]. المصدر نفسه: ص370.
[391]. المصدر نفسه: ص364.
[392]. المصدر نفسه: ص49.
[393]. المصدر نفسه: ص24 ؛ مناقب آل أبی طالب: ج4، ص296.
[394]. بحار الأنوار: ج47، ص49.