پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس العاشر: حاسبوا انفسكم قبل القيامة

الدرس العاشر

حاسبوا انفسکم قبل القیامة

 

إنّ الذی یعتقد بالمعاد و الحساب و تسجیل الأعمال، و بالعقاب و الثواب، و یعلم أنّه یحاسَب یومَ القیامة بصورة دقیقة، و أنّه لا یَمُرُّ أىُّ عمل مهما صغر من دون عقاب، لا یمکنه أن یتساهل فی أخلاقه و أقواله و أعماله الیومیة. إن مثل هذا الاعتقاد و الایمان یستلزم أن یراقب صاحبُه أعماله وتصرّفاته فی هذه الدنیا، وأن یراجع مثل تاجرٍ عاقلٍ حسابَ أعماله کلّ یوم و کلّ شهرِ و کلّ سنة. یقول تعالى فی القرآن الکریم: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ». [111]

قال علیٌّ علیه السلام: حاسِبُوا أنفُسَکُم قبلَ أن تُحاسَبوا و وازِنوها قبلَ أن توزَنوا.[112]

عن أبی الحسن الماضی علیه السِّلام قال: لیس مِنّا مَنْ لم یحاسِب نفسَه فی کلّ یَوم، فان عمل حَسَناً استزادَ الله و إن عمل سیِّئاً استغفر الله و تاب إلیه.[113]

قال أمیرُالمؤمنین علیه السلام: من حاسَبَ نفسَه ربحَ و من غَفَل عنها خَسِرَ و من خافَ أمِن و من اعتبَر أبصرَ و من أبصَرَ فَهِمَ و من فهِمَ علم.[114]

و فی وصیّة النبیّ صلّى الله علیه و آله لأبی ذر أنّه قال: یا أبا ذر حاسِبْ نفسَک قبلَ أن تحاسَب، فإنّه أهون لحسابک غداً، وزِنْ نفسَک قبل أن توزَن، و تجهَّز للعَرض الأکبر یوم لا یخفی على الله خافیة (إلى أن قال:) یا أبا ذر لا یکونُ الرجل من المتقین حتى یحاسِبَ نفسَه أشدَّ من محاسبة الشریک شریکَه فیعلم من أین مطعمه ومن این مشربُه و من این ملبسُه؟
أمِن حلالٍ أو حرامٍ؟ یا أبا ذر من لَم یبالِ من أین اکتَسب المالَ لم یبالِ الله مِن اینَ أدخله النار.[115]

إنّ الإنسان فی هذا العالم بمثابة تاج رأس ماله العُمر المحدود، یعنی تلک الساعات و الأیام و الاسابیع و  الاشهر و الاعوام. إنّ هذا الرأس مال الثمین جدّاً یُستهلَک، شاء الإنسان أم أبی، و هو یقترب إلى الموت تدریجاً، فیتبدّل الشباب شیخوخةً والقوّة ضعفاً، و السلامة مرضاً، فاذا عمل لقاء عمره عملاً صالحاً، و بَعث لآخرته زاداً، لم یخسر، لأنّه ضمِنَ فی مقابل صَرف عمره وشبابه سعادَته الخالدة فی عالم الآخرة.

أمّا إذا أفنى راس مال عمره الثمین وشبابه وسلامته من دون أن یبعَث فی مقابل ذلک عمَلاً صالحاً إلى عالم الآخرة، بل لوّث نفسَه باقتراف الذنوب، فانّه خسر اکبر خسران لا یُجبَر.

و فی الحدیث النبویّ: أنّه یُفتح للعبد یومَ القیامة على کل یَوم مِن أیّام عمره أربعة و عشرون خزانة ـ عدَدَ ساعات اللیل و النهار ـ فخُزانة یجدُها مملوءةً نوراً وسروراً فینالُه عند مشاهدته من الفَرَح  السُرور ما لو وُزِّعَ علی أهل النّار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، و هی الساعة التی أطاع الله فیها ربّه. ثم یُفتَح له خزانة اُخرى فیراها مظلمةً منتنة مفزعة فینالُه عند مشاهدنها من الفَزَع و الجزع ما لو قُسِّم على أهل الجنّة لنغَّصَ علیهم نعیمَها، و هی السّاعة التی عصى فیها ربَّه، ثم یُفتَح له خزانة اُخرى فیراها فارغةً لیس فیها ما یسرُّهُ و لا ما یسوؤه وهی الساعة التی نامَ فیها أو اشتغل فیها بشیء من مباحاتِ الدنیا، فینالُه من الغبن و الأسف على فواتها حیث کان متمکِّناً من أن یملأها حسنات ما لا یوصَف، و من هذا قوله: «ذلِکَ یَوْمُ التَّغابُنِ».[116]،[117]

و على هذا الأساس فإنَّ کلّ من یحبّ سعادته الاُخرویّةَ، و یخشی حسابَ یوم القیامة العسیرَ، و عقوبات الآخرة الشدیدة یجب أن یراقِب نفسَه و تصرفاته فی هذه الدنیا، و یحاسِب أعماله بصورةٍ دقیقة قبل حساب یوم القیامة.

یجب على الإنسان أن یعیِّن ساعةً فی کلّ یوم لمحاسبة أعمالِه، و ما أحسنَ أن تکون تلک الساعة عند النّوم و الفراغ من جمیع الأعمال الیومیّة. فی تلک الساعة یختلی بنفسه فی زاویة، و یفکّر فیما فعله و ارتکبه طیلة یومه المنصرم، ابتداءً من أوّل ساعاته إلى آخر ساعة منه. و یفکّر ماذا فَعَلَ فی تلک الساعات؟ فاذا کان قد اشتغل فیها بعمل صالح، و قضّاها فی العبادة، شَکَر الله على هذا التوفیق، و عزم على أن یکون کذلک فی المستقبل أیضاً. و إذا کان قد ارتکب معصیة لامَ نفسَه و عاتبَها و خاطَبَها قائلاً: أیّتها النفسُ الشقیّةُ ماذا فعلتِ؟ لماذا سوّدتِ صحیفة عملِکِ بالذَنب و المعصیه؟. ماذا أعددتِ لِلجَواب یومَ القیامة؟ ماذا تصنعین إذا واجهتِ العقوبات الاُخرویة الألیمة؟ لماذا لم تستحین من الله؟ لقد أعطاکِ الله العُمُرَ و السلامة و غیرهما من المواهب و الامکانیات لتتزوَّدی منها لآخرتِکِ، و لکنّکِ بدل ذلک ملأتِ صحیفة عملِکِ بالذنوب؟

قل لنفسِکَ: لو حَلَّ بکِ الموتُ الساعة ماذا تفعلین؟ ایتها النفس الکذّابة المنافقة؟ أنتِ تدعّین الایمان بالله و الحسابَ و العقابَ فلماذا لم یکن عملکِ کذلک؟

و هکذا فالمؤمن یستغفر ثم یتوب، و یعزم على أن لا یرتکب الذنبَ مرّةً اُخرى، و یجبر ما فات منه، و یزیل ما بدر منه فیما مضی أیضاً. و إذا أحسَّ أن نفسَه تطغی، ولیست مستعدّةً لترک الذنوب، یجب علیه أن یواجهها و یشتدّ فی مخالفتها و عصیانها، و یجب ان یتوسَّل فی الأوقات اللازمة بما یناسبها من التنبیه، مثلاً یُلزِم نفسه إذا ارتکبت معصیة أن ینفقَ مالاً فی سبیل الله أو یصوم عدّة أیّام، او یمتنع عن تناول الطعام اللذیذ أو الماء البارد بصورة مؤقّتة او یقف لمدة ساعةٍ واحدةٍ تحت أشعة الشمس الحارّة.

و على کل حال یجب أن یقاوم نفسَه الأمّارةَ بشدّة، و أن لا یسلِّم لها بسهولةٍ و بساطةٍ و یُسر.

و إذا کان فی تلک الساعة فارغاً لم یعمل فیها خیراً و لا شراً عاتب نفسه أیضاً، و خاطبها قائلاً: کیف أهدرتِ هذه السّاعة التی هی رأس مالک الثمین؟! لقد کنتِ تتمکنین أن تقومی فی هذه الساعة بعمل صالح و تتزوّدی لآخرتک، فلما ذا فوّتِّ هذه الفرصة الثمینة؟ إنّک ستتندّمین ذات یوم ولات حین مندم.

و هکذا و بهذه الطریقة، و بمنتهی الدقّة یحاسبُ نفسه و جمیع أعماله الیومیة، و یفعل هذا کلّ یوم و بصورة منتظمة.

نعم إنّ هذا الأمر و ان کان فی البدایة عملاً صعباً نوعاً مّا، ولکن إذا عزم، و قاوم و استقام لقی النجاح آخر الأمر وسیطر على نفسه و کبح جماحها.

إن الذی یحاسب نفسه فی هذه الدنیا یسهل حسابه فی الآخرة، بل قد یدخل بعض الاشخاص الجنّة من دون حساب.

فی وصیّةٍ لأبی ذرّ قال النبیّ صلّى الله علیه و آله: على العاقل ان یکون له ساعات: ساعة یناجی فیها ربّه و ساعة یحاسب فیها نفسَه و ساعة یتکفر فیما صنَع فیما صنع الله عزوجل الیه.[118]

قال علیٌّ علیه السَّلام: جاهِد نفسَک و حاسِبْها محاسبةَ الشریک شریکَه، و طالِبْها بحقوق الله مطالبة للخَصْمِ، فإنَّ أسعَدَ النّاس مَن انتُدِب لمحاسبة نفسِهِ.[119]

قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: من حاسَب نفسَه وَقَفَ على عیوبِه و أحاطَ بذنوبِه فاستَقال الذنوبَ و أصلح العیوبَ.[120]

****

 

فکروا و اجیبوا

 

1 ـ ما ذا یفید الحساب قبل یوم القیامة؟

2 ـ کیف نحاسب أنفسنا فی هذا العالم؟

3 ـ ماذا نفعل بعد الحساب؟

4 ـ ماذا نفعل اذا طغت النفس؟

 


[111] الحشر - 18.
[112] غرر الحکم ص385.
[113] وسائل الشیعة ج11 ص377.
[114] وسائل الشیعة ج11 ص379.
[115] وسائل الشیعة ج11 ص379.
[116] التغابن - 9.
[117] بحارالانوار ج7ص262.
[118] بحارالانوار ج70 ص64.
[119] غرر الحکم ص371.
[120] غرر الحکم ص 696.