پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثالث عشر فطرة التوحيد أو غريزة التدين

 الدرس الثالث عشر
فطرة التوحید أو غریزة التدین

تدلُّ الحفریاتُ و التحقیقاتُ الأثریّة علی أنّ الانسان کان فیما مضی، و حتی فیما قبل التاریخ یؤمن بالله تعالی، و یخضع أمام عظمته، و یعبده، و یقیم مراسیمَ خاصّة لجلب رضاه.

و هنا ینطرح سؤالٌ و هو: کیف توجَّهَ الانسان إلی الله تعالی فی البدایة؟ و أیّ عامِل دفعه إلی أن یفکّر فی عبادة الله؟ و أیّ عامل هداه إلی أن یبحث عن خالقٍ لهذا العالم؟ ما هو منشأ هذا التفکیر؟ و أساساً ما هو العامل الذی جَعَل هذا الانسان یُفکّر فی الله، و یندفع إلی عبادته، بل و یفکّر فی هذا الأمر؟

بعد قلیل من التأمُّل و التدبُّر یمکن الحُصول علی جواب لهذا السؤال، فإنّ فی کیان البشرـ کما أسلفنا فی البحث السابق ـ غریزةٌ تُدعی «غریزة البحث عن العلّة» و أنّ البشر کانوا یعرفون بمبدَأ «العِلیّة» منذ أوّل أیّام التاریخ، و کان الانسانُ یبحث عن «العلّة» لکل ظاهرة «حادثة»، و کلِّ کائنٍ محتاجٍ.

فقد کان اذا جاع عمد الی اکل الطعام، لأنّه کان یعتبر أکلَ الطعام «علّةً» لرفع الجوع، و إذا عطش عمد إلی شرب الماء، لأنّه کان یعتبر شرب الماء «علّة» لرفع العطش، و اذا سمع صوتاً من خلف الجدار عرف ـ بیقین ـ أنّ للصوت «علّة»، فکان یبحث عن علّته. و إذا مرض کان یعتبر مرضه ناشئاً عن علّة خاصّة، فکان یفکّر فی العلاج، و کان یلجأ إلی الحرارة لدفع البرودة لأنّ الحرارة علّة لإزالة البرد.

إنّ غریزة البحث عن «علّة»، أو ما یسمّی بغریزة حبّ الاستطلاع مودَعة فی کیان کلّ إنسان. فکل إنسان یسعی دائماً إلی أن یتعرف علی «علل» الظواهر، فهو یواجه عند رؤیة کلّ ظاهرة السؤال الثانی:«لماذا، و بأیّة علّة» و یسعی دائماً إلی أن یجد جواباً صحیحاً و مقنعاً لغریزة استطلاعه هذه، و هو لا یهدأ ما لماذا یکون یجد جواباً صحیحاً مقنعاً.

إنّ الانسان کائنٌ مستطلع ذاتاً، و لا یمکن أن ینسلخ عن هذه الغریزة، و لا أن یتناساها.

إنّ جمیع أفراد البشر ـ و من جملتهم البشر الاوائل ـ یتمتّعون بهذه الغریزة الطبیعیة.

إنّ الانسان کان یعیش فی هذا العالم، و یواجه الحوادث و الوقائع الکونیّة العجبیة.. یشاهد بعینیه تعاقَب اللّیل و النهار، و الصیف و الشتاء، و حرکة الشمس و القمر و النجوم المنتظمة، و یری عجائب الحیوانات و النباتات، و الجبال المرتفعة، و البحار الواسعة و المیاه الجاریة، و یفکّر عن «علّة» هذه الظواهر و یستاءَل: ما هی علّة هذا الکون؟ و مَن هو موجِد هذا العالم؟ و لا شکً أنّ لهذا العالمَ المنظَّم «علَّةً»، و لا شکّ أنّ خالقاً عالماً قادراً أوجد هذا العالَم، و هو یدیره.

و هکذا تعرّف البشر الأوائل علی «الله» تعالی و اعترفوا بوجوده، و خضعوا أمام قدرته و عظمته.

و مع مرور الزمن وقع فریقٌ من البشر فی الخطأ، و عَمَدوا إلی عبادة المعبودات المزیّفة، و تدریجاً شاعت بین الناس عبادة الأوثان، و عبادة الشّمس و عبادة القمر، و عبادة النار، و عبادة النجوم و لکواکب.

إنّ ظهور المعبودات المزیّفة نفسَه شاهد علی أنّ الإنسان کان ـ بحکم عزیزة الاستطلاع المودعة فی کیانه و فطرته ـ منتبهاً إلی أنّه لابّد لإدارة هذا العالم من «علّة»، ولکنه کان یخطأ أحیاناً فی تشخیص المصداق، فکان یتصوّر خطأً أنّ المصادیق المزیّفة هی «العلّة» الحقیقیة للکون، و یعمد إلی عبادتها و الخضوع أمامها.

و بکلمة قصیرة: إنّ الإنسان بحکم غریزة الاستطلاع المودعة فی فطرته یبحث عن «علّةٍ» لمجموع کائنات العالم، و ظواهره، و بهذه الطریقة تعرّف علی الله تعالی خالقِ الکون الذّی هو «العلّة الحقیقیّة» لجمیع الکائنات المحتاجة، ولکل ظواهر العالَم، واهتدی إلی وجوده، و أخذ فی عبادته.

إنّ القرآن الکریم یعتبر مسألة التدیّن و الإنجذاب إلی الله أمراً فطریّاً أیضاً حیث یقول:

(وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ)(1).

(وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى یُؤْفَکُونَ)(2).

(وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْقِلُونَ)(3).

فکَّروا واجیبوا

1ـ ماذا تعنی غریزة حبّ الاستطلاع؟ اذکروا نماذج لذلک؟

2ـ لماذا صار الإنسان مؤمناً بالله و عابداً إیّاه؟

3 ـ منذ متی أصبح الانسان یبحث عن وجود الله؟

4 ـ ما هی الدوافع وراء عبادة الأوثان و المعبودات المزیّفة؟

5 ـ احفظوا الآیات و تعلموا تفسیرها.


1 . الزخرف ـ 9.
2 .العنکبوت ـ 61.
3 . العنکبوت ـ 63.