الدرس الاول
اثبات المعاد ـ الدلیل الاول
یتّفق جمیعُ الأنبیاء، و جمیعُ الکتب السَّماویّة على أنّ حیاة الإنسان لا تُختم بالموت، بل هناک بعد هذا العالَمِ الدنیویّ عالمٌ آخر ینتقل إلیه الانسانُ بعد الموت، و یرى فیه جزاء اعمالِه و أفعاله.
الصالحون ستکون لهم حیاة طیّبةٌ سعیدة، و سوف یعیشون فی نعمة، و روح وریحان، والعصاة ستکون لهم حیاة صعبة شقیّة جدّاً، و سیعیشون فی عذابٍ و أَلَم.
إنّ المعادَ وعالَم ما بعدالموت من القضایا الضروریّة فی جمیع الأدیان السَّماویة، وکلُّ من یقبل بالأنبیاء, و یؤمن بهم یجب أن یقبل بالمعاد أیضاً و یؤمن به.
إنّ العقلَ البشریّ هو الآخَر یجب أن یؤمن بوجود عالمٍ آخر، و یعتبره ضروریّاً و لازماً.
و لقد اُقیمت لإثبات المعاد، و عالم الآخرة أدِلَّة نشیر إلى دلیلین بسیطین منها: الدلیل الأوّل: الهدفیّة. لکی یتضح هذا الدلیل لاحظوا النقاط التالیة.
1 ـ لیسَ هناک عملٌ من دون هدف، و کلُّ فاعلٍ یقوم بعمله یهدفِ منه الوصول إلى هَدَفٍ معیَّن... إنّ الهدف و الغایة هی التی تحرّکُ الأنسانَ نحو إتیان العمل و تدعوه إلى الجِدّیة و العمل.
2 ـ إنه و إن لم یکن هناک عملٌ من دون هدف، و لم یکن هناک فاعلٌ یتحرک من دونه غایة، و لکنّ الأهدافَ و الغایاتِ لیست سواء، بل تتفاوت بتفاوتِ الأشخاص و الأعمال... فکلّما کان الفاعلُ أعلمَ و اکثر قدرة و أفضلَ تدبیراً و عقلاً، کانت أهدافُه أعلى و أغلى و أهمَّ.
إنَّ هدف طفل صغیر فی ألعابه الصبیانیّة لا یمکن أن یبلغ أبداً درجة الهدف الذی یهدفه عالِمٌ عاقلٌ خبیرٌ.
3 ـ إنَّ أفراد البشر یتکامَلون بسَبَب غایات أعمالهم و نتائجها، و بهذه الطریقة یزیلون نقصاً عن أنفسهم.
مثلاً: نحن نأکلُ الطعام عندما نحسَُ بالجوع و نشاهد نقصاً فی ذاتنا، فنأکل الطعام حتّى نرفَع النقصَ عن أنفسنا.
و لکنْ بالنّسبةِ إلى أعمالِ الله لا یصحُّ هذا المطلب، لأنَّ الله لیس ناقصاً، و لیس فیه فقر و نقص حتى یزیل عن طریق «غایةِ» عَملِهِ و نتیجته ذلک النقصَ عن نفسه، و یکتمل، او یزداد کمالاً....
و على هذا الأساس یجب أن یُقال: إنَّ الله المتعال و إن لم یکن غیر هادف فی أعماله لغرض هو بحاجة الیه، و لکن نتیجة عمله لا تعود إلیه، بل تعود إلى مخلوقاته.
فی الأعمال التی یفعلها الله تعالى لیس الهدف هو الانتفاع، و الوصول إلى کمالٍ أکبر و أعلى... بل إیصال النفع إلى مخلوقاته و تکمیلهم.
4 ـ إن الله خَلَقَ الانسان على أفضل صورة، و استخدمَ فی بناء جسمه آلاف النقاط الدقیقة و الجمیلة، التی کلّما إزداد العلماء تحقیقاً فیها وصلوا إلى أسرار و عجائب اکثر، بحیث یمکن أن یُقال: إنَّ الله الحکیمَ جعل الجسمَ الانسانیّ الصغیر نموذجاً من عالَم الخلق الکبیر، و إنّ العالَمَ الواسعَ العظیم قد طُوِى فی هذا الجرم الصغیر المحدود.
الماء و التراب و الهواء و النبات و الحیوان و الشمس و القمر و النجوم و سائر الموجودات قد خُلِقت برمّتها لتأمین حاجاته.
لقد خُلِق عالم المادّة و اُودِعَ فیه آلاف الأسرار العجیبة حتى یستفید منها الانسان بقوة علمه و سلاح سعیه.
و قد زُوِّدَ الإنسان بقوّة التفکیر العجیبة مِن أجل أن یکتشف أسرار العالَم، و یستفید مِن ذخائر الثمینة، و یسخّر عالم المادة لصالِحه.
و هکذا فبالنظر إلى هذه الاُمور فکِّر الآن هَلْ یصحُّ أن یُقال: إنَّ الله الحکیمَ خَلَقَ الانسان العجیب فی ترکیبه، و زوّده لمواصلة حیاته بجهاز الکون المادیّ العظیم لأجل ان یعیش فی هذا العالَم مدّةً قصیرةً، و یخرج نِعَمَ الله و مواهبه الجمیلة فی شکل آخر... و یأکل و یشرب وینام ثمّ یموت و یفنی بعذ ذلک؟
هل یمکن أن یحتمل أحد مثلَ هذا الاحتمال حول خلق الانسان؟ ولو صحَّ مثلُ هذا الاحتمال إفتراضاً ألا یکون خلقُ الانسان حینئذ لغواً و فعله عبثاً؟
إن عقلکم لا یصدّق مثلَ هذا الموضوع أبداً... إن الله تعالى و هو القادر الحکیم منزّهٌ عن مِثل هذا العمل الباطل العابث.... إنّ العدم و الفناء لا یمکن أن یکونا الغایةَ المتوخّاةَ من حیاة الانسان، و النتیجة المطلوبة منها، لأنّ الوصولَ إلى الغایة من شأنها أن توصلَ إلى غایة أکمل، لا أن تُنهیَ وجودَهُ فی المآل، و تطوی ملفّ حیاته فی النهایة!!
إنّ عقلنا یقول لنا: إن الله الحکیم الغنیّ حیث لم یکن محتاجاً إلى خلق الکائنات، و لم یخلقها لینتفع بها، و حیث لا یصدر منه سبحانه أیُّ عمل عابث، و لا أیّ لغو، لذا لابدَّ أن یکون قد خلق الانسان لهدف أعلى و غایة أسمی.
لقد خَلَقَ الإنسان حتى یضیفَ هذا المخلوق بعیشه فی هذه الحیاة ـ و بواسطة العلم و العمل ـ الى کمالاته النفسیة، المزیدَ و المزیدَ، و یستفید منها فی العالم الآخر بعد الموت.
و على هذا الأساس فإنّ حیاة الانسان لا تنحصر فی العیشِ القصیر فی هذا العالَم لیفنی بالموت و یطوى سجِلَّ حیاته بالمرّة، بل خُلِقَ لعالَم الآخرة الأبدیّ.
إن عقلنا یقول لنا: لابدَّ أن یکون وراء هذا العالم عالمٌ آخر، و لا بدَّ أن تکون الفترة الدنیویّة الصعبة و القصیرة، مقدّمةً للحیاة الاُخرویّة الخالدة الدائمة و الوصول إلى السعادة الحقیقیة و الکمال و الراحة هناک.
إنَّ اَلهدَف الذی توخّاه الله الحکیم من خلق الإنسان و العالَم هو أن یربّیَ الانسانُ نفسَه بالایمان و العقیدة و العمل الصالح و الاخلاق الحسَنة، و یکمّلها حتى یستفید منها فی العالَم الاُخرویّ و الحیاة الأبدیّة الجمیلة، و یعیش هناک فی جوار عباد الله الصالحین فی راحة و سعادة و هناء.
و قد اُشیر فی القرآن الکریم إلى هذا البرهان کذلک: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناکُمْ عَبَثاً وَ أَنَّکُمْ إِلَیْنا لا تُرْجَعُونَ».[25]
و یقول: «أَ یَحْسَبُ الاْءِنْسانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدىً ».[26]
و یقول: «وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما لاعِبِینَ».[27]
فکِّروا و اجیبوا
1 ـ هل یعمل عاقلٌ شیئاً من دون هدف؟ و لماذا؟
2 ـ ما هو أثر الهدَف فی فاعلیة الفاعل؟
3 ـ هل أهداف جمیع الاشخاص متساویة؟
4 ـ ماذا یستنتج الأشخاصُ من أهدافهم؟
5 ـ هل هدفُ الله من خلق العالم لشُبه هدف البشر؟
6 ـ ما هو هدف الله من خلق الانسان و العالَم؟
7 ـ إذا لم یکن هناک معادٌ هل یستطیع الانسان ان یجعل من حیاته حیاةً هادفةً و ذات معنى؟
8 ـ بَیّنوا خلاصة هذا الدلیل.
9 ـ احفظوا الایات و تعلموا تفسیرها.
[25] المؤمنون ـ 115.
[26] القیامة ـ 36.
[27] الانبیاء ـ 16.